الصفحات

بعقوبيون : كتاب مدينة الخالص بعد التغيير مقاربة أبستمولوجية بقلم: مثنى كاظم صادق

يثير الحديث عن الكتابة في الخالص بشتى أنواعها ( الأدبية / السياسية / الاجتماعية ) بعد التغيير مشكلات متعددة ومتداخلة ومتراكبة , ولاسيما أننا إذ نبدأ من نقطة بيضاء مفادها لافتة مكتوبة في بداية القضاء موسومة بــ ( مدينة الأدباء ترحب بكم ) وتجنح المخيلة إلى الأستاذ الأديب قيس عبد الكافي حسين وكتابه الفذ ( أدب وأدباء الخالص في القرن العشرين ) والذي حوى بين دفتيه أدباء الخالص ضمن مرحلة الستينيات والسبيعينيات , والذين ــ مع الأسف ــ جلهم قد قضوا في الإعدامات والحروب ومنهم من هاجر إلى بلاد المنفى , وفي الثمانينيات والتسعينيات نجد أنفسنا أمام اكتشاف صادم للحركة الأدبية في الخالص إذ ظهر جيل من الأدباء عنوا بكتابة الشعر فقط ولاسيما على مستوى الشعر العمودي إذ ظلت الثقافة السائدة في العراق هي ثقافة الشعر لا النثر لارتباط القصيدة العمودية بمدح الخلفاء
والولاة والملوك والرؤساء من زمن الخلافة الأموية إلى تغيير النظام , فما نتوخاه في هذه الورقة النقدية مشروع رؤية للكتاب في الخالص بعد التغيير من خلال المكتسبات الإجرائية التي جعلت كتاب الخالص بعد التغيير يضعون بصمات التشكل الابستمولوجي الذي تهيكل في ضوء الواقع الملموس لهذه المدينة ولاسيما أن هؤلاء الكتاب (ملتزمون) ويؤمنون بنظرية الكتابة للمجتمع لا للفرد , لذا فقد نشطوا بعد التغيير عندما تمزقت الحجب التي طوقت أنفاسهم , فقد كانت نتاجاتهم ونقاشاتهم على الأرصفة سببا لبداية عنفوانهم غير المسبوق في الكتابة في الصحف والمجلات والمواقع الاليكترونية , وكان لثبوتهم والتزامهم المتسامي قبل التغيير وعدم انجرافهم إلى الجوق الموسيقي الذي يطبل للنظام ويزمر له الأثر في استقلالهم مما حدا بهم لتأثيث موقع أدبي لهم في الصحف العراقية والعربية إنماز عن غيره بتناسل كتاباتهم بسرعة كبيرة خلال أقل من عقد بعد تغيير النظام . إن أية محاولة جادة لكتابة تصور نقدي لكتاب الخالص بعد التغيير لابد لها أن تتعرض إلى المنجز الثقافي لجريدة ( الرافد الجديد ) وكتابها بوصفها كلا لا يتجزأ لمفردات تكوين الكتابة في الخالص مرورا بالتطورات التي حدثت بعد التغيير بحيث أصبحت مجالات الكتابة حقيقة لا يمكن التغاضي عنها بل ثمة أمكانية لدراستها ميدانيا من خلال شراء أي صحيفة تصدر في أي محافظة أو قضاء ورصد كتاب تلك المحافظة أو ذلك القضاء كمعطى تاريخي وفني مرت به تلك المحافظة أو القضاء , كقضاء الخالص إنموذجا , فالصحيفة تمثل واحة تجمع الأقلام وتدعو لرفدها بما تجود به هذه الأقلام في شتى المجالات , فمن باب التباهي أن نذكر أن جريدة الرافد الجديد ضمت (كتاب الخالص) الذين ( كمنوا) في التسعينيات وكان (كمونهم) بذرة أثمرت بعد التغيير ثمارا طازجة يانعة وزعت في عشرات الصحف والمواقع الاليكترونية , وكان هذه ( الكُمون ) مقصودا من أجل كتابة الذات ورؤية الآخر , ولاسيما أنهم أخذوا على عاتقهم عدم مدح النظام السابق ونشر هذا المدح في صحفه المعروفة بالرغم من المغريات الكثيرة التي كان يلوح بها النظام للكتاب والشعراء الذين يجملونه , وعليه فعندما نتحدث عن ( كتاب الخالص) ولاسيما بعد التغيير يجب أن تفهم عزيزي القاريء أنك ستقرأ أسماء لم ترسخ في ذاكرتك المتعبة إذ أردنا بهذه المقالة أن نحدد منظورنا من خلال عرض لكتاب الخالص الذين برزوا بعد التغيير فهم كالعنقاء التي تنهض من رمادها نارا قدسية تماهت مع صفحات الصحف والمجلات العراقية والعربية ولاسيما الرافد الجديد , منبر الإبداع المتجدد وخطاب الحياة وطريق الشباب المثقف الذي يقبض على جمرة الصدق بكلتا يديه , ومع الأسف ثمة الكثير ممن يكتب الشعر في الخالص لم يبعثوا بنتاجاتهم للرافد الجديد وغيرها من الصحف أو المواقع الاليكترونية وهذا يعني أن الكتابة لديهم جسر عبور لمرحلة ما والإفادة منها فهم محسوبون على الأدب في الحقبة السابقة وليسوا بأدباء أو كتاب فحملهم كاذب ومزيف ونرجوا أن تشكل البعض من الأسماء الواردة إسهامة في الحركة الأدبية والثقافية في هذا القضاء لأن نتاجاتهم تنطوي على احترام الذات والمجتمع فمن الواجب الاحتفاء بهم وتقديرهم ولأن من أصعب الأمور على الناقد معرفة ماهية ( ثيمات ) الكتاب لكنني تجرأت فكانت هذه المحاولة الابستمولوجية بهؤلاء ومنهم على سبيل المثال لا الحصر ( حسين علي خضير) والحديث عن ( حسين ) ذو شجون فهو كاتب ( إنسكلوبيدي ) ينماز بقوة الملاحظة والاستقراء العميق المتوهج في إطار التحليل , فيندفع بهذا التوهج الذهني والإبداعي لإثبات انتمائه إلى طبقة المجددين المثابرين , كتاباته متوهجة كقطعة فسفور في فضاء معتم , رؤاه ناتجة من مخاض سنين الحصار وسنين التغيير ورغباته متدلية من جبل الطموح الشاهق , له في كل مجال نص فقد كتب القصة والخاطرة والمقال السياسي ولما يزل ( أبو علي ) شجرة يانعة ذات أغصان وأفياء تفصح عن ذاته بإصرار وبجلاء , غزير الكتابة , مثابر , منظم , ضمن أنساق معرفية ومعطيات ثابتة , لغته ثرة موحية , أسلوبه رشيق , يركب صهوة السهل الممتنع ينشر مادته في عشرات الصحف والمواقع فهو من كتاب جريدة ( الصباح / المدى / البينة / التآخي / الاتحاد / المؤتمر / المشرق/ الرافد الجديد ) وغيرها من الصحف العراقية والعربية وكذلك ينشر في المواقع الاليكترونية المعروفة . ( محمد صادق جراد ) كاتب يحتاج أن نقف عنده نجح في كتابة القصة أيما نجاح , لكنه نجح بامتياز في كتابة المقالة الاجتماعية والسياسية إيمانا منه بإيصال الفكرة إلى المتلقي مباشرة , بقي يكتب فن المقالة ونستطيع أن نستشف البناء الهادف لما يدبجه من خلال البناء الفني لمقالاته المسبوكة , فهو معروف بتنقيح ما يكتبه , فيضيف ويحذف ويقدم ويؤخر وهذا مكمن الإبداع في نصوصه , يعد من أكثر كتاب المرحلة متابعة للحدث والكتابة عنه ورصد تفصيلاته , يجعل من كتاباته مرآة تعكس قيم المجتمع , فهو إنتقائي , قيض له أن يحمل على وزره هموم المجتمع من خلال كتاباته , تركيبة جملته متناسقة تنساب كماء رقراق في جدول الموضوع كي يسقي الورود التي على ضفتيه , من الأسماء الأولى التي دشنت صفحات المطبوعات بعد التغيير ينشر في العديد من الصحف منها (الصباح / المدى / البينة / التآخي / الاتحاد / المؤتمر / المشرق / الرافد الجديد ) وغيرها وكذلك ينشر في المواقع الاليكترونية . ( علي شكير الطائي ) يقال إن النهر مجموعة من الروافد وهذا صحيح , فالكاتب ( علي شكير الطائي ) رافد مهم من روافد الكتابة في الخالص , فمسيرته الإبداعية تمتد منذ عقود طويلة , ولاسيما أنه كاتب مسرحي متمكن من هذا الفن الصعب , فكتاباته تتسم بالنضج سواء كانت على مستوى النص المسرحي أو النص المقالي , فنصوصه تدل على عمق التجربة والخبرة من الحياة من خلال الإستكناه لبعض كتاباته , شكل لنفسه صوتا خاصا من خلال الكتابة في جريدة الرافد الجديد , تتسم مقالاته بالموضوعية والواقعية وتراتبية الأفكار المطروحة فيها . ( مثنى كاظم صادق ) اختصاصه المعلن مدرس لغة عربية , يقرأ أكثر مما يكتب , نشر أول مقالاته النقدية عندما كان في الجامعة , وتتالت بعدها كتاباته الأدبية والاجتماعية , نزلت سيرة حياته مع بحث نقدي في كتاب ( تليباثي ) للقاص والروائي والمؤرخ ( هيثم بهنام بردى ) الصادر عن دار ينابيع في سوريا عام 2009م نشر العديد من المقالات والدراسات النقدية في الصحف العراقية والعربية منها ( الصباح / المدى / القبس / البينة / طريق الشعب / الرافد الجديد ) وغيرها كما أنه أحد كتاب المواقع الاليكترونية ولاسيما ذات الصبغة الأدبية والثقافية .. لديه رأي نقدي في القصيدة العمودية , إذ أنه يرى أنها انتهت بموت الجواهري , وأصبحت القصيدة العمودية قصيدة مناسبات فقط , وضعفت أكثر بسقوط النظام السابق فقد حافظت على ديمومتها من خلال مدح الأنظمة الدكتاتورية , أما الآن فالميدان للمقالة والقصة أولا ولقصيدة النثر والشعر الحر ثانيا , إذ يعاني كتاب القصيدة العمودية من الكلاسيكية التي أصبحت سمة عندهم فتحولوا إلى نظم الشعر العمودي للمناسبات الدينية فقط في الوقت الحالي , بقصائد تتجاوز العشرين بيتا مما يفقدها الوحدة الموضوعية , ويجعل المتلقي يسأم ويمل من سماع المزيد من القوافي . (نعمان عبود الداوودي ) شاعر وقاص بكل ما تحمله الكلمة من معنى له عاطفة جياشة مواكب للحركة الأدبية والثقافية في العراق نشر العديد من قصصه وشعره في الصحف كما أنه من رواد المنتديات الثقافية والأدبية وختاما نذكر أيضا من الكتاب ( زاهد الشرقي ) تتسم مقالالته بالجرأة والموضوعية , ثقف نفسه بنفسه , مقالاته من النوع المباشر التقريري , وليس الإيحائي الترميزي , فلغته واضحة وصريحة , ميدانه المقالات الاجتماعية ولاسيما التي تخص المرأة لديه العديد من المنشورات في المواقع الاليكترونية .