الصفحات

موقع بعقوبيون : قصة قصيرة ((البندقية)) مشتاق عبد الهادي

تزلزل كياني نشوة حالمة كلما أخذت أنامله بمداعبة جسدي،يداعبني وقد امتطى جوادا جامحا يجري به نحو الماضي حيث الصهيل وإطلاق الرصاص(آه...يا عزيزتي وارثي الثمين،كم فردا من الإنكليز أو الأتراك أرديته قتيلا...؟وقد تكون ألرصاصه التي اخترقت تاريخ الجنرال مود هي إحدى رصاصاتك...؟) * انه خير حفيد لأشجع جد،فكثيرا ما كان يضطر لبيع قطع من أثاث المنزل كي يبقي كرامتي في الذرى،ففي الليالي الباردة ينتشلني من مكاني،يحتضنني،يقبلني ليمنحني شيئا من دفء دمه،اليوم حين كان يغازلني كعادته نظر في فوهتي فشعرت بانهياره،ذلك حين وجد أن الصدأ قد داهمني،انتفض حائرا وأعادني لمكاني،فتح محفظته،أحصى النقود،وحدق في

التقويم،(علي أن أكرمها)قال ذلك وهم بالخروج مسرعا،انتظرته كثيرا حتى بات القلق ينهش أوصالي،يتعاظم القلق بداخلي كلما أعلنت الدقات الرتيبة انتهاء ساعة أخرى،تمنيت أن يكون لي جناحين،أو أن يرجع الزمن فاخرج معه أينما يذهب كما كان يفعل جده من قبل، ولكني في آخر الأمر منحته العذر،ذلك لأنه وفي أيام عديدة كان يقوم بإخفائي حين تكون هنالك حملة تفتيش عن السلاح،بعد ساعات أعياني التفكير بها عاد،كان شخصا آخر،فقد أصبح وجهه معتركا للنشوة والحزن والإرهاق،ساعات لم تعانقني بها مقلتاه،كان جالسا يردد كلمات قد تهدد مستقبلي: (آه سنيه...كيف لي أن أزورها مرة أخرى،وكيف أنسى جمالها؟أنها شهية...شهية جدا،إن كل ما فيها يكاد أن ينطق) كانت الغيرة تمزقني،وهو لا يكف عن ترديد اسم هذه ألسنيه. (كنت غبيا...غبيا جدا حين وبخت نفسي،دنانير...طز...وماذا في ذلك؟قد اشتريت شرف وجسد سنيه بهذه الدنانير،إنها دنانير رخيصة،رخيصة جدا) نظراته كانت تلتهم كل ما حوله،وفي لحظة ما التفت نحوي،كانت عيناه ثملتين تتدفق الخيانة منهما،ظل الموقف يعصرني ولم أتنفس الصعداء إلا حين رن جرس الباب ودخل رجلا كان يزوره باستمرار: ـ كيف الحال؟قد جئتك بزيت السلاح ـ حقا...؟ أشكرك جدا دوت طبول الفرح براسي،كنت قد أجرمت بحقه،أردت أن أعاقب نفسي حين حاولت السقوط على الأرض ولكني ألغيت الفكرة لأجله،ذلك لأني لا أريده أن يتعذب أو يتحسر بسببي،تنصت لحديثهم،كان يدور حول صعوبة المعيشة،والإعلان المبكر لإفلاس المحافظ، كنت حينها أعيش لحظات زوال التوتر عن سمائي فاضطربت أمواج الحنين إليه بداخلي فكرهت بقاء ذلك الرجل،أريد أن اختلي بمالكي كي أتحسس بركات يديه حين يقوم بتزييتي، كانت لحظة البشرى حين نهض ذلك الرجل متثاقلا،وفي لحظة توجهه نحو الباب اعتصرني رعب مميت،وذلك حين اقترب مني وراح يدقق بي،كانت مرآة بصره واحة جشع تسبح فيها أسراب من النقود،شعرت أن القيء قد حل مكان دمي عندما استدار وقال لصاحبي: ـ كم هي رائعة...سأعطيك عشرة رزم إن بعتها لي... غرق صاحبي وتقاذفته أمواج البحور،حاولت أن اصرخ،أن ادعوه للرفض،إن مجرد التفكير بذلك هو إهانة...بل هو جريمة. زوابع التردد كانت تعصف به،عارضة أمامه أطيافا عديدة،ربما فرح الأتراك أو غبطة الإنكليز،وأكيد شماتة الجنرال مود،والاهم من هذا وذاك هو حزن وانكسار جده المسكين، أقحمت نفسي في دهاليز صمته فما وجدت غير (سنيه)،شعرت بأنه كان بصمته هذا يحصي عدد المرات التي يكون بين أحضانها مقابل ثمني،كانت الهاوية أمامي تتسع وتتسع حتى شرعت بابتلاعي. ـ قد بعتها لك.... قالها بتردد ولم أراه بعدها،بينما صار الرحيل عملي،تتلقفني الأيادي القذرة وتنقلني من مكان إلى مكان *** (*) الخطأ متعمد في وصف مكان وزمان موت الجنرال مود