الصفحات

الفنان المخرج البعقوبي ثامر الزيدي : فشل سينما الطفل يتحمله الجميع /القاهرة - منى سعيد الطاهر


يقترب من السبعين بسنوات حفلت بالاجتهاد والإبداع ومعاناة الغربة، إنه ذاكرة حية للثقافة العراقية المعاصرة بالرغم من مغادرته البلاد منذ زمن بعيد، متنقلا بين دول المهجر حتى استقر في المجر، وأسس محترفه الفني الذي ضم أكثر من 300 عنصر متخصص بسينما وبرامج الأطفال المعتمدة على التراث العربي..إنه مخرج فيلم " حي بني يقظان" لابن طفيل، الحائز على جوائز عديدة، والمخرج لفيلم أصيلة ذي الإنتاج الإماراتي – اللبناني المجري المشترك، الفائز بفضية مهرجان القاهرة الدولي لسينما الأطفال الأخير،والذي بين أروقته دار بيننا الحوار التالي:


كيف تصَنف نفسك: مسرحياً أم مخرجاً سينمائياً ؟

سؤال يحيرني حقا، فأنا إنسان أحمل مشاعر تتفاعل مع الواقع وأعبٌر عنها وفق المتاح من الفرص.. هذا الواقع صعب ومتعب، سيًما وأنا أعيش بين مجتمعات متباينة، كل منها تقدم لي ظروفا وفرصا أقدم من خلالها ذاتي المجبولة بحب العمل الفني..عموما أصنًف نفسي ممثلا بالدرجة الأولى، وعشقي للتمثيل قربني من عالم الرسوم المتحركة التي أحببته منذ الصغر، وأنا فيه ممثلا حين أشرح للرسامين كل مشهد من مشاهد الفيلم، و مسرحيا حين أفسر النص وأتعامل معه دراميا، و مخرجا عندما أحدد اللقطات والأبعاد وطريقة وصولها للمشاهد وكيفية تذوقها جماليا.

إذن في البدء حدثنا عن سيرتك المسرحية..

بكثير من الطرافة يجيب:

ترجع علاقتي بالمسرح لعقود طويلة والى أماكن متعددة. الطريف في الأمر إنها كلها تبدأ بحرف الباء، من بعقوبة – حيث ولدت – إلى بغداد – حيث درست وعملت – وإلى بنغازي حيث درًست – وأخيرا إلى بودابست حيث أعيش وأعمل.

أول عمل مسرحي شاهدته كان سنة 1954 ومازلت أتذكر أدق تفصيلاته، كان" سقوط غرناطة" لطلاب ثانوية بعقوبة للبنين.. شدني ذلك العالم المسحور ودفعني لدخول معهد الفنون الجميلة فرع التمثيل والإخراج، لأصبح فيما بعد مجنوناً بحب المسرح ولم أنقطع عنه. فبعد التخرج عملت في مدينتي بعقوبة( مركز محافظة ديالى- شرق بغداد) وشكلت فرقة تمثيل قدمنا من خلالها عملا تلفزيونيا عام 1962 في بث مباشر على الهواء. ثم أسست فرقة مسرحية أخرى لمديرية التربية وقدمنا أعمالا مسرحية متكاملة من حيث الديكور والملابس والإنارة وغيرها، مثل مسرحية" المدمن" لتوفيق البصري، و" الأشقياء" لعبد الستار العزاوي.. كما درًست حينها في مدارس البنين والبنات ودار المعلمين وأسست فيها فرقا مسرحية فتشكل حينذاك جوا من التنافس الفني، كما نظمت المهرجانات الفنية المسرحية للمدارس.ومن تلك الأعمال التي قدمت مسرحية" الأحرار" التي تناولت قضية تحرير العبيد في أميركا، ومسرحيتي " المفتش العام" و"أغنية التم" لغوغول وقد عرًقها الكاتب عبد الخالق جودت، وقدمناها أمام " عبد الرحمن البزاز" رئيس الوزراء وقتذاك، وكانت أحداثها تكشف بعضا من سلبيات الحياة العملية للموظفين، من نفاق وغش وسرقة..

بعد العرض جُمدت وأبعدت عن النشاط المدرسي، فأسست فرقة مسرح نادي الترسانة الرياضي وقدمنا مسرحية " الكورة" لطه سالم ومسرحيات أخرى.. وفي العام 1971 أسست فرقة مسرح بعقوبة وكان أول أعمالها مسرحية مولير"طبيب رغماً عنه " ومسرحية "المهزلة الأرضية "... حينها أصبح لدينا جمهور مسرحي حقيقي في تلك المدينة الصغيرة الهادئة المسترخية. ثم قدمنا عروضنا في العاصمة على مسرح بغداد الشهير فكان أهالي بعقوبة يسافرون لبغداد لمشاهدتها! كما سُجلت تلفزيونيا أيضا.آخر عمل قدمته هناك كان مسرحية "بهلوان آخر زمان " للكاتب المصري علي سالم وقد عرًقها أيضا عبد الخالق جودت وكانت عن النهب والسلب في الشركات الحكومية.

في تلك الأثناء، أي خلال وجودي في بعقوبة، كنت أشارك أيضا في عروض مسرحيات على مسارح بغداد مثل مسرحية " الينبوع" لفرقة مسرح اليوم، الأمر الذي ساعدني في العمل مباشرة فيها عند انتقالي لبغداد، ومن ثم مشاركتي في إعادة تأسيس فرقة المسرح الشعبي عام 1972 مع الفنانين علي رفيق وأديب القليجي تحت إدارة أستاذنا ومعلمنا رائد المسرح العراقي الفنان جعفر السعدي. وقدمنا من خلالها عددا كبيرا من المسرحيات منها:امتحان الموديل، وسيرة أس، و " رقصة الأقنعة " من إخراج عوني كرومي وتمثيلي مع نماء الورد وراجي عبد الله ونضال عبد الكريم،وقد منعت هذه المسرحية إذ كان الوضع السياسي متأزما وكانت حملات شرسة ضد اليساريين آنذاك، فسعينا لتقديمها على مسرح الستين كرسي باعتبارها تمرين مسرحي. وبالفعل قدمناها وأستمر عرضها لمدة أسبوعين وشهدها جمعا غفيرا من الجمهور حتى منعت ثانية بكتاب من مؤسسة السينما والمسرح.

وبعد هروبي من العراق، أسست مع مجموعة فنانين عراقيين في بودابست عام 1985 فرقة المسرح الجديد وقدمنا مسرحية بعنوان " الصحن الطائر" من إخراج أسعد راشد، ومسرحية " المهاجرون" من إخراجي و تأليف مروجك وترجمة ماجد الخطيب، وقد شارك في التمثيل كل من عدنان يوسف وأسعد راشد.

وفي عام 1987قدمت على المسرح الوطني في مدينة بنغازي الليبية مسرحية" النهر الفضي" ضمن مهرجان مسرحي للأطفال شاركت فيه دول أوربية وعربية عديدة، فحصلت على الجائزة الأولى فيه.

لك تجربة غنية في مجال برامج وسينما الأطفال كيف بدأت؟

عملت في برامج أطفال التلفزيون العراقي وكنت لم أزل طالبا في معهد الفنون الجميلة، ومنها برنامج " شوف عندك يا سلام" وهو يشبه " صندوق الولايات- أو صندوق الدنيا" وكنا نظهر فيه بعض الانتقادات السياسية أيضا فأوقف البرنامج بعد مدة. وفي المجر عملت مع مخرج تميز بأسلوب فنطازي ساحر، أخذت تجربتي منه ورغبت بتطبيقها ضمن فنطازيا لبرامج عربية تعتمد التراث العربي الثر مادة أساسية لها. ومن ثم وبمحض المصادفة انتقلت لمجال الرسوم المتحركة من خلال برامج " افتح يا سمسم " من إنتاج مؤسسة البرامج المشتركة لدول الخليج العربي ومقرها - الكويت. وبمرور الوقت تخلت المؤسسة عن العمل مع الشركات الأجنبية التي عملت معها بعدما وجدد المسؤولون فيها مخرجا يقدم الحياة العربية وتقاليدها بما يتناسب مع الواقع المحلي. فنفذنا آلاف الدقائق للبرامج التعليمية والثقافية مثل: افتح أبوابك يا وطني، وسلامتك، وبرامج صحية تعليمية أخرى،جميعها اكتسبت شعبية كبيرة وأصبحت أقدم أعمالي لكل دول الخليج،حتى حدث تطور لافت في المؤسسة فقد عزمت على تقديم أول مسلسل تلفزيوني خليجي وعربي بعنوان " زعتور العجيب " الذي اعتمدت قصصه على مادة التراث العربي،بدعم من المرحوم عبد الوهاب سلطان المدير التنفيذي للمؤسسة آنذاك. ونجح المسلسل بحلقاته الخمسة عشر وعرض في تلفزيونات دول مجلس التعاون وآسيا وشاهده جمهور واسع في أوربا يفوق عدد الأطفال المشاهدين في العالم العربي..

حي بني يقظان

ثم نجحت جهودي مع المؤسسة لإنتاج فيلم كارتون هو الأول من نوعه مأخوذ من كتاب

" حي ابن يقظان" لابن طفيل، بعنوان " ابن الغابة "، شارك في مهرجان دبي السينمائي الأول ودعي للمشاركة في العديد من المهرجانات العالمية ولكن كسل المؤسسة كان السبب في حرمان الفيلم منها. حتى حانت الفرصة لعرضه في مهرجان " بوسيتانية" الايطالي فتسلطت الأضواء عليه، وأصبح فيلم الافتتاح مثيرا ضجة كبيرة لأنه كان ردا على شركة والت دزني في طريقة تناولها للتراث العربي ومسخها له وإفراغه من قيمه العلمية والثقافية.. وفي اليوم الثاني للمهرجان تناولت موضوعه كبريات الصحف الايطالية حتى أجريت لي أكثر من 15مقابلة تلفزيونية.كما أجريت دراسة دكتوراه عنه فيما بعد من قبل الباحثة تغريد عبد المجيد. وشارك في مهرجان القاهرة لسينما الأطفال الدورة 16 ونال جائزة الجمهور الأولى والجائزة الثالثة للوزارة. كما أجريت فيما بعد دراسة دكتوراه عنه من قبل الباحثة تغريد عبد المجيد. بعد كل هذا النجاح ركن الفيلم في المخازن ولم يقدم في دور العرض، بسبب سوء الإدارة والصراعات بين المديرين في المؤسسة..

أصيلة

وماذا عن فيلمك الأخير " أصيلة" ؟

في تجربتي الأخيرة في فيلم "أصيلة" جابهت الكثير من الصعاب،خصوصا بالنسبة لعرضه وتوزيعه، فلم يعرض إلا في مهرجان " ترابيكا الدوحة الأمريكي" الأول ثم في مهرجان القاهرة لسينما الأطفال الأخير، وقد لاقى نجاحاً جماهيريا كبيرا مما شكل حافزا قويا لي للعدول عن قرار الاعتزال والتوقف.. وها أنا أفكر في تقديم فيلم ثالث عن العالم العربي الحسن ابن الهيثم، ولدي سيناريوهات جاهزة لمشروع فيلم عن "أسد البحار " البحار الخليجي ابن ماجد، و مسلسل كارتوني آخر عن الرحالة ابن بطوطة بانتظار التنفيذ.



كيف السبيل للنهوض بسينما الأطفال العربية برأيك؟

يبدو الأمر بسيطا، لكنه في الواقع صعب التنفيذ، لأنه بحاجة لمن يتفهم الطفل باعتباره اللبنة الأساس في بناء المجتمعات. ما نحتاجه هو هيئات ومؤسسات تعنى بالطفل بصدق وليس بطريقة الضحك على الذقون كما يحدث في الغالب في المؤتمرات والتجمعات المقامة باسم الطفل. لابد من التركيز على إنتاج أفلام الرسوم المتحركة ذات الموضوعات الإنسانية بعيدا عما يشيع العنف والضغينة، ليصبح عندنا فيما بعد أرشيفا عربيا مهما يسًوق للعالم. ولابد من التوقف عند السؤال الآتي: ترى كم من المسلسلات العربية التي تنتج خصيصا للعرض في شهر رمضان؟ ماذا لو خصص بعضا من ميزانية تلك المسلسلات لإنتاج أفلام كارتونية مهمة للأطفال؟! في الحقيقة أن فشل سينما الطفل يتحمله الجميع، من مؤسسات تربوية معنية إلى قنوات تلفزيونية إلى أغلب الجهات المعنية بالطفل وبالثقافة عموما.

وأنت ماذا فعلت لسينما الطفل من خلال محترفك؟

"DANA _ HIDIVOX FILM SUDIO أسست أستوديو "

لأفلام الرسوم المتحركة عام 1992 في المجر وهو مستمر في الإنتاج لحد الآن وفيه أكثر من عشرين قسم متخصص وكافة الأجهزة اللازمة لتنفيذ أفلام الرسوم المتحركة، فضلا عن الاستعانة بعدد كبير من الرسامين. وقد بلغ عدد المشاركين في إعداد فلمي " ابن الغابة، وأصيلة" أكثر من 300 شخص من كاتب ومؤلف ورسام ومصمم ومنفذ.. طبعاً تم الرسم من قبل رسامين لهم خبرة وتجربة طويلة في هذا المجال ممن نفذوا العشرات من الأفلام لشركات أوربية وكندية وأمريكية وحتى لشركة دزني، بسبب تمتعهم بالخبرة وبجودة التنفيذ لما يزيد عن النصف قرن.وهذا بالطبع ما ساعدني على تقديم الأفضل والأمثل، إلى جانب استعانتي بالعديد من الفنانين العرب. وطموحي التوسع في تدريب الخبرات العربية المتوافرة في تنفيذ سينما عربية متخصصة لطفل يرنو لمستقبل واعد.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق