كان يجدر به إيقاظهم
الكثير من الموتى
مخلوقات أخرى كذلك
وأوقات
يريد أن يفهم ما حوله
لم يسال يوسف عبد المسيح ثروت عن القسوة ،
ولم يكن قد تعلم النطق بعد ،
فيما كان ثروت يريد منه أن يصلي بلغات غريبة ،
لذلك صار يخاف اللغات والصلاة معا ،
أكثر من عينين بريئتين كان يحتاج ليرى وحشته في مرايا الوجوه ،
لكن طيور خجله ما زالت محلقة في سماء وجوده ، وهو ما افقده نصف بصره فانتبذ أوهامه جاعلا من خاء الخوف قناعا ظن انه ملاذه الأخير في حين كان الآخرون يضحكون من عريه .
حائط روحه بقي متاحا ليدون عليه الآخرون ما لا يعنيه ، لذلك كان يتكأ على ما تهدم من حياته الماضية ،..
كان يريد أن يدخل هذا العالم وفق ما أوهمته المفاتيح التي أشرعت دواخله للعابرين ، كما انه كان يحتاج لأكثر من ساقين للمكوث أو الهرب لكنه تخلى عن ساقيه لوهم ظن انه بلاد ، فلا غرابة انه ما زال يشحذ من البساطيل وهما يدعي انه وطنا فيما كان يجوب خرابه بعربة كساحه الصدئة ذات الصرير الموحش .
الم اقل انه سليل الأوهام يزرع برياتها ويوقظ الصباحات كل يوم على انكسار جديد ؟
كان يفقد الأشياء أو تتملص هي منه ، فيهوي - باحثا عنها – في بئر وحدته .
ينقصه الكثير ...
محو ذكريات ووجوه ومثالب مثلا ،
كان عليه أن يزيل الكثير من الملامح عن جدار أيامه المتسخ دائما
سحنات غريبة كانت تشده للدهشة ، لذلك بقي لا يتعرف لملامحه كلما سئل عن بطاقته الشخصية ،..
يعرف انه ينقصه أم وأب ، لذلك بقيت لوعته يتيمة ، تتلصص على الحنان من خرم ليلة داجية ، ولذلك ، أيضا ، اكتفى بعائلة من المومياءات ، التي لم تسأله عن سر وعكة سنبله ، ولم تكترث بيباس حقول أحلامه ، فيما كان يشاهد تثاؤب ورده في سهرة النسيان .
عقد كثيرة كان عليه فك شفراتها ، لكنه ، وإثناء محاولة اصطياد حلم شبك يديّه الواحدة بالأخرى ، فاستعصت عليه دلالات كثيرة ، وانشطرت أصابعه مابين الرعشة ورعبه ولم يفهم العابرون ما كان يتحدث به من لغة عرجاء ، كانوا يتعثرون بهمهماتها وهم ماضون كل لهجرته .
كان عليه أن يؤاخي حروبهم ليحصل على صفة مواطن التي دورت أيامه ما بين هجرة وأخرى ، لكنه اكتفى بمنفى لطالما سخرت منه الحروب ، وها هو ينفض عما تبقى له من أيام ، وعن روحه المكسورة رائحة المدافع الزنخة ، سيما وانه قد أضاع - ومنذ استسلام طويل - فكرة الهرب ، وهو ما أتاح لقطعان كلاب كثيرة آخرها كلاب الديمقراطية أن تنهش من سلامه ما تشاء ، لذلك فهو بلا ضياء فيما ذيول الكثير من الكلاب مضاءة بالأدعية والتهليل ، وهو ما اسقط آخر يوم كان قد توقع أن يكون صاحا لغرس حلم .
ينقصه الكثير ، الكثير ...
على الأقل كان يمكن له أن يستعير قناع مديره أو وزيره أو إمام جامع المدينة ، ولم يدر انه إنما كان يركض عاريا ، فرجمته سماواتهم بالرفض إذ اختلط عليه الأمر فيما يعرف بالنهي عن المنكر والأمر بالمعروف ، فصار تحت سوط ولاة الأمر وعلق إمام جامع المدينة فضائعه على جدران السماء وقال ، وقال بها طويلا على أسماع الملأ .
ومع انه لا يعرف شيئا عن الغاويين ، إلا انه قد وصم بأولئك الأتباع وهو ما جعله ينكب بسرداب روحه ، فيما كان الوزير والإمام يوزعان الشكوك على الألسن والسياط على العيون .
الغريب - ورغم كل ضعفه وهوانه - فقد رفض أن يتقاسم وكتبهم سرير الغواية وبقي يواقع نواقصه فتلد صحائف مما يكرهون .
كان عليه الاحتذاء به عندما أطعمها والبراءة للصحراء ، فصار الرمل ندى
والذئب صديق ، فيما كانت جمرة الذكرى تتقد ما بين أصابعها ، ..
ومن المضحك إنها قد خبأت تلك الجمرة حتى التقت شغفه فأودعت الجمرة رقته وبضفيرة مكرها حبست الدم عن قيمومته ، محتفية بفحولة الوزير ، مغتسلة من وعثاء تلك الصحراء بوصايا الإمام .
الم اقل انه كان أعمى وقلبه فزاعة تحط عليها غربان الهموم ؟
ينقصه الكثير
ولطالما كان نهر أوهامه يأخذه بعيدا ، حتى انه قد احتج بغضب عندما قالت الفتاة عند نقطة التفتيش " ما هذا الكلب المخيف ؟ " قائلا " لم أيتها المرأة تشتمين ملائكة الديمقراطية " ثم التف بخمار صبره الذي غطى سماء المدينة ، ومع ذلك فقد ركنه الملاك على خرسانة شاهقة كونه لم ينحن للسيطرة .
لم يفقه الكثير عندما نبتت لأرصفة المدينة رؤؤسا آدمية ، ولو كان قد تعرف للوزير والإمام لما بقي تحت مطر الدهشة كل تلك الليالي من الدموع متوحدا مع الطين .
ينقصه الكثير الكثير فهو ما زال يلحف بسؤال المفخخات عن أمها وأبيها ولو كان قد قرأ سحنة الدم المراق لما طال به السؤال ،
لكنه بقي هائما على وجهه يتبعه الغاوون ،
ما ينقص شاعر ، ينقصه الكثير ، الكثير .
* يوسف عبد المسيح ثروت/ المترجم العراقي المعرف حيث كان معلما للشاعر في درس اللغة الانكليزية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق