الصفحات

بعقوبة...وبعض من شخوصها الشعبية 2 بقلم احمد احمد السيد علي

وفاء لهذه المدينة الوديعة سأ َكْمِلْ بعضا أخرا من شخوصِها الذين حفروا في الذاكرة الجمعية للمدينة شئ من بهاءِها:

11ـ عباس ياسة{أبو الياي أو اليوي}... هذا الرجل من أبناء بعقوبة البسطاء والفقراء، وكان له ربل {عربانة }، وكانت كلمته المشهورة وهو فوق عربته هي صيحته المعهودة ...يوي يوي...، وفي أوائل الثمانينيات من القرن الفائت من الألفية الفائتة كان متعهدا بجلب الطعام لسجناء مركز شرطة بعقوبة ومديرية الامن وكنت انا ومجموعة من أبناء المدينة رهن الاعتقال لمدة تزيدعن عشرة أشهر في مديرية الامن، وكان عباس يأتي لنا بطعام ليته بطعام، فكانت البامية تسبح ببحر من المرقة التي هي ليست حمراء ولا بيضاء بالطبع، وبعد احتجاجات كثيرة على عباس ياس، ألغوا التعهد معه...أتمنى لكم وجبة طعام شهية من طبخ عباس ياسة.


12ـ ثامر العربنجي { ابو الصيص}... كان طويل القامة ،كبيرالحجم، وكان قوي الجسم، وفي إحدى فيضانات نهر ديالى، وبالتحديد أوئل السبعينيات من القرن المنصرم، تحدى كثير من شباب المدينة ان يسبح نهر ديالى ويعبره من جهة بعقوبة الجديدة بدينار وفعلا قفز من ضفة النهر المحاذي لجسر بعقوبة{ جسر الجمهورية} وسبح بقوة متجها الى بستان بيت حبيب التي غرقت بالفيضان وكان النهرُ غاضباَ وشديد السرعة، ونجح بعبوره وأخذ الدينار.

13ـ مصطاف الديو... من أبناء بعقوبة البررّة ومن أخيارها، ومن عائلة طيبة ورياضية في العنافصة، ولا أعرف لماذا سميّ بالديو ربما لشجاعته ولعبه الجميل في كرة القدم، كان هذا النجيب محبوبا من الجميع، وكان صديقه المطرب كمال محمد صاحب أغنيته الشهيرة ...معاتبين، وهو من أبناء الناصرية ولكنه سكن التحرير من مدة ليست بالقصيرة، وكان مصطاف لاعباَ رياضيا متميز وكان شخصية شعبية ويسارية في بعقوبة وفي إحدى المباريات لمنتخب بعقوبة أو الأهلي الذي لعب أزاء نادي الزوراء على ما أذكر في زمن المتصرف البدوي عيادة كنعان الصديد، كان يقود المنتخب مصطاف وفي الدقيقة الاولى وبعد تحريك الكرة من منتصف الملعب قذفها مصطاف بقوة كَلْ البركان لتستقر في المثلث القائم لنادي الزوراء وكان هدفُ مذهلاَ وخرج المنتخب متعادلا في الشوط الاول، لكنه خسرفي الشوط الثاني امام فريق المصنف الاول في الدوري. وفي بداية الحرب العراقية الايرانية خرج مساءَ من مقهى ابو ليث القريبة من بيته، إختطفه رجال الامن وغيّب الى الابد، فطيب الله ثراك يامصطاف الديو أينما كنت مُسجى تحت خارطة العراق.

14ـ خالد الزاجل...من الشخوص الشعبية في العنافصة ، ويهوى حَمامْ الزاجل وله مجموعة كبيرة من الحَمام، وكذالك يهوى الرياضة ولعب الدومينوا، ولاعب كرة قدم متميز، وراويا للنكات بطريقة تجبرك على الضحك، وأبناء العنافصة يمازحوه كثيرا، وهو يعمل في البناء وتبيّضْ السقوف.

15ـ يحيى المدلّك { المدلكجي} ويعمل في حمّام الرشيد كمدلك للرجال وكان صاحب الحمّام هو السيد خليل ابو جمال، وهذا من الشخصيات الفكهة، وذات يوم جاء يحيى وهو مخمورا وكان مدمنا ، الى مقهى ابو ليث في العنافصة وكانت في بداية التغيرات في ايران بعد رحيل الشاه، فوقف بجانب التلفاز ونحن نشاهد ونسمع الاخبار، وأطفأ الجهاز وقلّص جسمهُ ورفع يديه مثل رياضيي كمال الاجسام أورافع ِ الاثقال وصرخ...الخميني...الخميني ، فما كان من أبي ليث صاحب المقهى الاّ ومسكه ودفعه بقوة خارج المقهى خوفا، وتعالى ضحكات رواد المقهى جميعا.

16ـ حجي كامل كلاز... من أبناء بعقوبة الاصول، ومن نبلاءها، وبيت كلاز يسكنون في أم النوى،وجميع العائلة هم من أطياب المدينة، وكان حجي كامل يعشق الرياضة وعبد الحليم حافظ والدومينو، وفي سبعينيات القرن الماضي، كانت المبارات النهائية لكأس العالم بين المانيا وهولندا، وكنا جالسين مساء في مقهى بعد مركز شباب بعقوبة قريب من قرية شفتة ومطلة على نهر خريسان، وكان الاستاذ الدكتور عباس الصالحي جالس بقربنا ، فقال حجي كامل قبل بدء المبارات، أنا اعرف النتيجة فقد شاهدتُ اللعبة سابقا، وهي بالطبع لم تبث سابقا لأن المبارات على الهواء بثَّ مباشرا، فقال النتيجة التعادل {1ـ1}فضحكنا وبدءت المبارات وكانت النتيجة فعلا التعادل واحد واحد لغاية الخمس دقائق الاخيرة، فقد أحرز الالمان الهدف الثاني، عندها قال حجي كامل انا شاهدتها سابقا ولكني قمت قبل نهاية المبارات بسبع دقائق.
كان حجي كامل يغني أغاني عبد الحليم حافظ يوميا، ومن شدة فرط حبه لعبد الحليم حافظ سجل لنفسه شريط أغاني عبد الحليم وهو في الحمام، ليكون لصوته صدى جميلا ، وفعلا وزع الشريط لأصدقاءه، وكان صوتهُ جميلا َ، وفي آخر أيامه حرا َ، كوّن فريق لكرة القدم في التحرير، وبشكل تلقائي جعلهم ينتقدوا الحرب العراقية الايرانية، والاوضاع القمعية وتكميم الاصوات. عمل في دائرة زراعة ديالى التي كانت قرب بيت أبو ناظم المطلة على نهر خريسان، واختطف من قبل الامن، وعندما كنت معتقلا َ في مديرية أمن بعقوبة 1981ـ1982، جاءت مجموعة من متهمين سياسيين من الخالص، وذكر أحدهم انه في معاونية أمن الخالص الذي كان مديره المجرم عبد الصمد المتهم بتعذيب وقتل الشهيد عدنان عبد الجبار الحداد، وكذالك الشهيد ابن الخدران في الخالص، انهم شاهدوا ثلاثة من أبناء بعقوبة، وواحد منهم كان يغني عبد الحليم حافظ طول الوقت، وقد استبدل معه الجواريب، وبعد ذالك غيّب ايضا الى الابد. فنم هادئ ايها الجميل والشامخ ابدا...حجي كامل كلاز.

17ـ طارق سبع، وهو من سكنة العنافصة، وهو شخصية طريفة جدا، كان يعتقد انه يشبه الممثل ...حسن يوسف، وكان يعتقد ان كل صبايا بعقوبة تعشقهُ، وله خيال خصب بنسج القصص الغرامية، هذا ما يجعل السامع بتصديقه، وكان يجلس في مقهى ابو ليث ويسرد لنا مغامراته، فمثلا يقول ...حين أدخل أورزدي باك لشراء حاجة ما، تتدافع الفتيات لكي تقترب مني وتسلم عليّ، ويصبح سوق الاورزدي مزدحما جدا بحيث لا أستطيع ان أفلت بسهولة جراء تدافع الفتيات نحوه ، ويقول كذالك هناك من تأتيني منتصف اليل وبسيارتها، وهي بملابس النوم، وغيرها من الحكايات المثيرة، فهو يعتقد انه جميل وجذ ّاب فوق العادة.


18ـ فاضل نجوبي...ابن الجدة خديجة، كادحا وابن سوق بعقوبة...عتيق معتق، وكان في بداية حياته بائع متجول ، وله صوت جهوري ،يقظُّ الغارقُ في النوم صاحيا، وعمل في مهن متعددة، وفي نهاية الستينيات عمل في بيع الصمون ويبتاع من فرن طالب علي وشريكه هاشم الياسين ، وبيته في المنجرة،وبعدها استقرّ بعد منتصف السبعينيات،واشترى دكان في السوق قرب محل بيت الحكيم من بعقوبة، وبدء ببيع الاواني البلاستكية وادوات المطبخ، وكان دائم الصياح الى ان تعب وأشترى جهاز تسجيل صغير، وسجّل صيحاته في شريط كاسيت بكل ما عنده من بضاعة ويشغل الكاسيت ويعيد تشغيلة طول اليوم بالمناداة والحث على شراء سلعته مثل...ماعون بدرهم...سكين حادة بمئة فلس...،

18ـ غريب وأخيه بصري...من الكادحين ويعملان في سينما النصر{الزيدي ـ حسك}، ويبيعان المرطبات، وكذالك تعاملوا مع أحمد أبو العنبة، في البيع داخل السينما، وكانا الاثنان يدرسان في المساء، واعتقد انهما أكملا تحصيلهم العلمي في الجامعة، وعمل أحدهم في السوق في بيع الاحذية، وكان رواد السينما وأبناء المدينة يكنون لهم المودة والاحترام لكفاحهم الدؤوب.


19ـ ابو زنبور ... وفالح البقال...لايوجد في بعقوبة من يبتاع الفاكهة مثل ما كان ابو زنبور وفالح يبتاعها بتلك النظافة ، ويمسحان تفاحة...تفاحة وكذالك بيع الموز غالي الثمن والذي لايشاهده ابناء بعقوبة الاّ نادرا، وكان محل ابو زنبور بجانب دار ابراهيم العاني، وكان عبد الوهاب الصيدلي، ذو المزاج {البرتقالي} يتسوق منهما بعدما يتفحص الفاكهة بدقة متناهية.


20ـ قاسم الاعمى... و مجيد الاعمى ... ولكل واحد له كشك او محل، وقاسم محمد كرادي ذكي جدا، وروى لي صديقي العزيز نادر علاوي الخشالي، انه انقطع عنه لمدة خمس سنوات وبعدها جاء وسلم علية بكلمتين فأجابه اهلا نادر، وكان يسير بمفرده ويحسب خطواته حد البيت، ولا يخطئ الطريق وكان له كشك قريب من المقهى المقابل لمركز شرطة بعقوبة ومن مطعم الكباب لصاحبه ابو صباح والذي قتل ابنه صباح بسبب الثأر، اما مجيد الاعمى فهو تدرب في المنجرة القديمة على الدراجة الهوائية{البايسكل}، وساق الدراجة الهوائية داخل المنجرة.

وفي الختام لا يسعني، الا أن أشكر كل من بعث لي بملاحضاته ومعلوماته القيمة لهذه المدينة الأخاذة بأهلها وطبيعتها وبساتينها وأنهرها، وأخص بالذكر الدكتور الاستاذ عبد الحليم المدني، وسأنشر لا حقا كل هذه المعلومات ، كذالك الاستاذ منير العبيدي، والاستاذ شاكر الشيخ سلامة، والاستاذ نادر علاوي الخشالي الذي يتمتع بذاكرة لا يستهان بها، والاعزاء محمد حسين وهابي وفارس أدهم والغالي العزيز كريم الدهلكي ، لما لهم من ملا حظات وإضافات وتصحيح وسأحاول الاجابة قريبا،وسأكرر مرة ثانية كل الذي ورد في هذا النص هو من الذاكرة وسأكون شاكرا مرة اخرى للذي يصحح ويضيف، ففي غربتنا التي تقترب من ثلاثة عقود تتسمّر الذاكرة بأمكنتها القديمة وشخوصها الذين لا يكبرون عبر الزمن ، ويصبح الاصدقاء هم الوطن.

هناك تعليق واحد: