صباح الانباري ينادي من اجل مسرح بعقوبة
يوم المسرح العالمي
الى المسرحيين العراقيين
أيها المسرحيون في بلادي
دعوني أذكركم،في يومكم هذا،بضحايا بعقوبتي..ضحايا كل محلة أو حارة فيها أو شارع صغير ثقلت موازينه بدعائم الكونكريت،وحفرت الثكالى،بأضافرهن المدماة،على أرصفته لوعة الضحايا،وشخب الرؤوس المقطوعة،والأجساد المزروعة بشظايا الأحزمة الناسفة،وحماقة الطائفيات،وجنون المفخخات.
ضحايا..ضحايا..ضحايا
كم هائل من ضحايا بعقوبتي ما زالوا معلقين على أهداب ذاكرة ازدحم فيها الشهداء وما من منفذ لأرواحهم سوى منافذ أقلامكم الفسيحة،وخشبات مسارحكم الجامحة.
تضامنوا رجاءًا من اجل بعقوبتي التي نحرها الطغاة والبغاة..وأعيدوا لها ما غيبته ليالي الذبح والنطح والوحوش الكاسرة.
أيها المسرحيون في بلادي
يا من تحديتم التهجير بالبقاء،والموت بالتحدي،وليالي الجحيم بنهارات اليقظة..آن لكم أن تنهضوا ثانية..أن تطلقوا حمائم السلام من على خشبات مسارحكم،رسائل حب الى كل جهات العالم..وليكن يومكم هذا،يوم المسرح العالمي،بداية أخرى لنهضة كامنة فيكم،ونهاية أكيدة لأعداء المحبة والحقيقة والسلام..آن لكم أن تنيروا ضفاف ديالى وبساتينها بمصابيح مسرحكم وأفكاركم الوهّاجة.
لقد نهضت بعقوبتي/العنقاء من رماد الفجيعة فأعينوا عنقاءكم كي تسترد أنفاسها الزكية بحق يومكم هذا يوم المسرح العالمي،ولتكن نصوصكم المسرحية ضمادات تشد جراحها النازفة.
صباح الانباري
مسرحي من بعقوبة
27 /آذار/2009
دعوة للخيانة / بلاسم الضاحي
تعالوا نخون ، نلعب هذه اللعبة هذه المرة ، نبدلُ جلودنا هذه الأكياس القاتمة التي تحفظ قلوبا من وطن طالما طاردها الآخرون كي يتلذذوا بقسوة تعذيبها، تعالوا نخون فقد مللنا الاحتفاظ بأمانات الوطن فالبقاء للخونة أأكد لكم هذه النتيجة ، تعالوا نزعل على بلادنا فربما تخاف من زعلنا وتعتذر أسوة بمن سبقنا بالخيانة واعتذرت له تعالوا نعيش ما بقي لنا بأمان ، تعالوا نلعب هذه اللعبة ، نجربها فلم يبق شيئا لم نجربه غير ان نخون ، ولكن كيف ؟ سنتفق على آلية جديدة للخيانة فيما بعد اعني بعد ان نتفق على أن نخون ، فانا ...
لما رأيتُ
البلاد ترخي سدلها وتضيق كلما اتسع بنوها
قلت أخونُ
فانا بمران ٍ وجهد ٍ تعلمت كيف يخون الخائنون
وضحكتُ على مَنْ قال :
أيخون إنسان بلاده ؟
قلت نعم عندما تكون بلاده بلادة
مقصلة أو مشنقة
قلت نعم
حين تكون بلادتي بلا حدود
وعنوانها لبن اربيل
أو مقهى أم كلثوم
إذن بلادي صوت أم كلثوم وعلبة سكائر رخيصة وفضلات جاجيك
حرب في النهار ورصيف في الليل وبعض ثمالة عند موائد لئيمة
سأجدها حتى في إ ............
لماذا لا أخون إذن ؟ !
هذه البلادة
اعني البلاد التي شردتني
وقطعتْ حبل المسرة
أيها العدو يا صديقي
أعطني قنبلة لأفجر قلبي
أعطني لونك الرمادي
كي ارشه على بلادي
مقابل أن أنام خلف باب لم احكم مزلاجه بحكمة ْ
مقابل أن احتفظ بمكتبتي بلا ترجمة ْ
مقابل أن أحفظ وجهي بلا مشأمة ْ
بلادي
أعني حديقة الأمة
في كل مكان سأجد للأمة حديقة أنام فيها
واسميها بلادي
لماذا لا أخون ؟
وأطلق بعض صيحات ووشايات عن أكذوبة نصب الحرية
وأمزق كل صور العشاق تحت هذا النصب المشئوم
في بلاد ٍ غير بلادي ساجد الشمس أجمل
نعم ...............
لان في بلادي تغرب الشمس كل صباح
وتشرق هناك ..... هنالك تشرق شموس
حيث لا ليل يعمّ ولا يتيم يئن لا مسدساتْ
لا مساءاتٌ لا مساءلاتْ
بلادي
اعني الجب الذي ما زال بوسع بدلة عبد الكريم قاسم العسكرية
بربكم : هل رأيتم يوما الزعيم ببدلة مدنية ؟
................................. !!
تلكم هي بلادي
أما أنا فمثل ( طرزان ) كل يوم أتسلق كقرد ٍ معتوه عنق حرب
بحبل يوصلني للمشقة
واحمدُ من لا يحمدُ على مكروه سواه
وأتزحلق منها إلى ذلك الجب ولا من معين يعينني
وكأن لا من يذود عن حرائر الطين سواي
ألا يحق لي أن أخون كي أعيش أسوة بطين العالم ؟؟
أم يظلّ اسمي ومنجلي في الحصاد
ألا يحق لي أن اشطب اسمي واكسر منجلي ولو لسنة واحدة ؟؟
في بلادتي اعني بلادي
أيها الأعداء اعني أصدقاء الحرب
لا بقاء لغير الحرب
وطلب بركة الرب
ليبارك لنا بالرصاص
ويمكننا من القصاص
وكأن لا حياة لنا بسواه
نعم أريد أن أخون
أريد أن أفض بكارة الوطن وأعلن سوأته
أريد أن اقطع خيط مسبحته وانثر حباتها
أيها الطين العالمي اعرف لماذا لا تمنحني حق اللجوء
اعرف ... وأنت محق
لأنني خبير في الحروب وتوسيخ البياضات
اعرف لأنني خبير في تعدد الزوجات
وأنواع المضاجعات
وأتكاثر بسرعة تكاثر الذباب على مزابل مدينة الثورة
هل في الثورات مزابل لتكاثرنا أم تحصدنا بالـ D. D . T
مدينة الثورة التي بنتها بدلة عبد الكريم قاسم العسكرية
وضاقت بها بغداد
واقسمَ شيوخها على رؤية صورة الزعيم في القمر
بدليل أن لا قبر للزعيم
سوى في ذاكرة الفقراء اعني ذاكرة القدر
الثورة تكرشت حتى عادت بلا رقبة
لذلك لم نجد فيها مزبلة دسمة كي نسميها مزبلة التاريخ
أو مقبرة التاريخ كي ندفن فيها موتانا
تاريخنا الميت ترسم صورته الصحافة
على هيئة نبي وسيم يوزع صليبه على الأمم
وتخفي صورة علي بابا في دكاكين السياسة حذر الموت
أعاهدكم سأظل أفضل خائن ٍ وطنيّ ٍ على ارض بلادتي
لا أشارككم أحزانكم التي مللت منها ولا أريد أفراحكم الكاذبة
وكأن في بلادكم كل لحظة لنيسان كذبة تتحججون بها
وتريدون مني أن لا أكون وطنيّ ٍ
أنا وطنيٌ خائنٌ حد العظم
وطنيٌ خائنٌ تقولون ؟؟
نعم واحدةٌ من عجائب الدنيا
فلماذا تتعجبون ؟؟
وطن ليس فيه خائن يعني ليس فيه معارض
يعني ليس فيه أرصفة يتسكع عليها الشعراء والعيّارون
يعني ليس فيه سجون نقضي فيها قيلولتنا
يعني ستحرمون أطفالنا من المسدسات
وهذا يغضب الأنبياء
الميتين منهم والأحياء
فبأيّ آلاء
يحرسون بكارة الوطن من إغراء المومسات
شطح الحلاج فعاش
فلنشطح لنخون
قولوا هذا مجنون
نعم أنا أخون
مثلكم كي أكون
شطح الحلاج فعاش
فلنشطح لنخون
حتى ( كلنا أنروح للبصرة )
أيها المبغى
هل لك أن تخرج نياشينك
أعني أكوام الشظايا من جسدي المعقوف ؟؟
هامتي المنحنية هل لك أن تقوّمها ؟؟
أنت قوادٌ مشغولٌ ببغاياه
هرمٌ يبولُ على ساقيه ويأكلُ ربه
سحاقيّ ٌ
سيموت قبل موتي
وساظحك على نزاعك الأخير
من خلف حدودك
لن أموت من أجلك بعد
لن اصدق كذبتك بعد
سأخون .... نعم سأخون
وردَّها إن استطعت
أيها الوطن المجنون
أيها القفص المسكون بالهراوة
تضيق كلما اتسع بنوك
لذا سأقول لا محط لقدمي على ترابك الموبوء
وعند أقرب منفذ ٍ
سأحرق أسمالك المجردمة
واحرق قلبي على حدود خارطتك الشمطاء
حتى تفقد ألوانها الكاذبة
قلْ ما تشاء !!
قلْ هذا سيخون
نعم لكني بهذه التهمة سأكون
وبعدْ ....
ستظل وحدك في جيدك حبلٌ من مسدْ .
* ها ... هل تتفقون معي ؟؟
انتظر الإجابة كي نؤسس حزبا او تجمعا تحت هذا العنوان ، ننتهز الفرصة ............
Balasim_althahy@yahoo.com
د. عقيل الناصري في بعقوبة / محاضرة عن العمل السياسي في المؤسسة العسكرية العراقية
في الجمعة الثانية من آذار 2009، حضر العشرات من أبناء "بعقوبة" هذه المدينة الوديعة التي – لتوّها – نفضت عنها أدران القبح والدم، وحضرت – لأول مرة – وسائل الإعلام، وحضرت الجدوى والمتعة في جلسة حميمة حاضر فيها رئيس اتحاد الكتاب العراقيين في السويد د. عقيل الناصري عن "العمل السياسي في المؤسسة العسكرية العراقية".
وكان المشارك وصاحب المداخلة الرئيسة هو الأستاذ نوح الربيعي عضو حركة الضباط الأحرار وابن المحافظة المضّيفة للندوة التي قدمها الشاعر إبراهيم الخياط على قاعة مقر الحزب الشيوعي العراقي في بعقوبة.
علي كلكامش
صلاح زنكنه كائن مشاكس في كائنات الاحلام : صباح الانباري
من ناحية ( ضيقة كصحراء ، وفسيحة كقلب أم رؤوم )(1) .. ناحية تتوسد زند ديالى وتغفوا على تنويمة الجبال.. تستقبل دفق الغرين وسيوله المحطمة المندفعة عبر واديها الذي يشطرها شطرين .. من مستقر رحلات الغجر و سحرهم الموسوي .. من مدينة جلت أعداءها فاستقرت في حدقات الأهل والأحبة .. من جلولاء.. ابتدأ رحلة الكتابة المحفوفة بالمخاطر والمشاق والأهوال .. صبي عرف بحبه للقراءة وشغفه بها فقرأ منذ سن مبكرة شكسبير وأونيل وابسن وبرنادشو .. وجرب الكتابة للمسرح المدرسي بتشجيع من الصحفي الدكتور إبراهيم علي محمود(2).. ثم شغف بالأدب القصصي فقرأ في وقت قصير , أغلب النتاج القصصي العراقي .. وأراد أن يرتقي خشبه المسرح فقصد بعقوبه .. ألتقيته فيها فوجدته شابا يافعا متحمسا للخشبة بموهبة متواضعة في التمثيل وقدرة كبيرة على الاستيعاب .. موهبته لم تعنه على شق طريقه الى المسرح ولم أستطع , حينها , كمخرج لفرقة مسرح بعقوبة للتمثيل , أن أبدد خجله القروي أو أمنحه شيئا من جرأة الفنان وأقدامه وشجاعته ولكنه مع ذلك فرض علي نوعا من علاقة حميمة تحولت بمرور الأيام الى صداقة متكافئة .
في تلك المرحلة كان مزاجه حادا .. وكان كثيرا ما يكتم غيضه وغضبه أمامي وكنت أحسه مثل بركان خامل يعاود انفجاراته ويمارس طقوس ثورته بين آونة وأخرى .. ثم تعلم , بعد ذلك , كيف يدخر تلك الحمم والانفجارات .. وكيف يطلقها كلمات حارقة واخزة ومشاكسة أحيانا .
عندما شاءت الظروف أن يبعد بعضنا عن بعض غادرته لألتقيه ثانية كتلة بركانية يتحكم في انفجاراتها متى شاء فتراه يثير ضجة هنا .. ونقاشا , حادا , هناك .. وجدالا مستعرا على طاولة الشراب .. يسخر ويتحدى ويعبث بأفكار جلاسه .. يثبت أفكارا ليلغيها بعد حين .. يمازح كيفما يحلو له المزاح .. غير آبه بمزحته حتى وأن أثارت بعض أصدقائه المقربين . ولم اكن أحب هذا فيه فترة طويلة ..
عندما عدت إلى بعقوبه مختتما رحلة جفائي معها فاجأني بمقدرته على كتابة النص القصصي بطريقة أثارت دهشتي وفرحي .. أصغيت لقراءاته القصصية انكببت على قراءتها ودراستها .. صرت ألتقيه في ثلاثاءات اتحاد الأدباء والكتاب .. ووجدته مندفعا إلى المناقشة .. متحمسا الى أبداء الرأي ومشاكسا جريئا حد الوقاحة .. وغاضبا حد اللعنة .. يقول معرفا حالة غضبه :
( الغضب هو أعلى درجات الاحتجاج حين يستلب الإنسان أو حين تمتهن كرامته لابد أن يغضب . الكاتب المبدع هو كائن حي غاضب على طول الخط . فهو يغضب حين يرى شعبا يقهر أو طفلا يبكي . الغضب موقف دونه يكون الإنسان المبدع حياديا والكاتب الحيادي كاتب منافق ومراوغ .. أنا شخصيا كاتب غاضب ونصوصي غاضبة )(3)
عام 1990 ساهم بفعالية ونشاط في تأسيس منتدى الأدباء الشباب في بعقوبه وترأس هيئته الإدارية الأولى بكفاءة أدارية عالية فأقام الأماسي والمحاضرات وإستضاف عددا من الكتاب والشعراء والنقاد والأدباء وفتح أمام الشباب أفاقا ما كانت لتفتح بغير تشجيعه وتوجيهه وحثه لهم على الاستمرار وتكرار المحاولة مرة بعد أخرى .. لقد كان صلاح زنكنة في تلك المرحلة , بحق , بارومتر الحركة الأدبية الشبابية في بعقوبه وعراب الشباب البعقوبي في بغداد .. فقد كان تحديدا عام 1992 وعام 1994 عضوا فعالا في المكتب التنفيذي لمنتدى الأدباء الشباب وإذ الغي المنتدى أنظم بعض الشباب الى اتحاد الأدباء وقبلوا فيه أعضاء بعد أن صارت لهم قدرات لا يستهان بها في مجالي الشعر والقصة القصيرة فصارت أسماؤهم توضع جنبا الى جنب مع أسماء الأدباء والكتاب البارزين .
إن صلاح زنكنة الرجل المتمرد الهادئ .. الغاضب الحالم .. المشاكس القنوع .. المغامر الساخر .. العاشق للنساء بلا حدود ولا قيود والمتذبذب المزاجي الطموح لم يبال , أبدا بالنجاح , أو الفشل ولذا تراه , بثقة عالية بالنفس , وبلا مبالاة كبيرة بالفشل , يرشح نفسه لعضوية اتحاد الأدباء والكتاب – المركز العام ويفوز بعضويته فعلا ليمارس فعله الإداري والثقافي من هناك ..
ان صلاح زنكنة , وعلى الرغم من مشاغله الكثيرة وانقسامه الروحي بين ثلاث زوجات وثلاث أسر وثلاثة بيوت , متابع جيد للحركة الثقافية في الداخل والخارج مثابر على حضور ملتقيات القصة ومصر على أن يكون لحضوره تأثيرا واضحا فيها .. وقد تحقق له ذلك في ملتقى القصة الثاني والثالث والرابع والخامس .
عام 1996 اختيرت مجموعته القصصية ( كائنات صغيرة ) من ضمن المجاميع التي تبنى اتحاد الأدباء والكتاب – المركز العام طبعها على نفقته الخاصة .. ومثلما يثير صلاح زنكنة من حوله ضجة أينما حل وحيثما أرتحل أثارت مجموعته القصصية الأولى ضجة نقدية من حولها فكتب عنها حوالي ( 20 ) مقالة ودراسة منها أطروحة تخرج للطالب سعد عبد الهادي في كلية التربية – الجامعة المستنصرية وبأشراف الدكتور فاضل عبود التميمي عام 1998 – 1999 .. وتناولت شخصيا , في مقالة لي بنية الصورة(4) الفنية في تلك المجموعة مؤكدا فيها على أنها مجموعة متجانسة تعتمد بنية الصورة كأساس في البناء الفكري والتصوري لمضامين منفلتة من الواقع المنطقي النسبي الى الواقع الفني المطلق .. أي أنها لاتحتكم الى منطق الحياة .. ولا تعقلن عاداتها على وفق معاير علمية أو تأخذ بعين الاعتبار القوانين والقواعد والشروط التي تتحكم بحركة الواقع لانها تخلق منطقها الداخلي , وتسوغ ذلك المنطق حتى يبدو معقولا ومنطويا على معنى . ولعل ما يبرر هذه العملية هو عجز كل أشكال القياس المنطقي على استيعاب منطق الصورة بشكلها الغرائبي . فصورة البقرة العاطلة التي تحلق في الفضاء ليومين متتاليين وصورة الرجل الذي يتحول الى خروف , بطريقة كافكاوية وصورة الكائنات الصغيرة التي يحبل بها رأس الأستاذ فكري وصور أخرى غيرها لا يمكن معايرتها بالمقاييس التقليدية وفقط يمكن ذلك بمعايير خاصة تفرزها النظم الداخلية للنصوص .
ثمة ميزة أخرى تمتاز بها هذه المجموعة هي محاولتها خلق صيغة أدبية تتجوهر في اللاواقعية فهي تتعمد خلق تعابير تتقاطع مع المفهوم العقلاني والعلمي للأمور المحسومة عقليا وعلميا . بمعنى آخر انها تنتج صورا عديمة المعنى ان هي قيست بالمقاسات العقلية المجردة كما في قصة كائنات صغيرة وقصة الوهم ووداعا أيتها الأرض وغبار وماذا تفعل وحين يحزن الأطفال تتساقط الطائرات . ولكن القاص يمنح كل هذه الصور معنى جديدا عن طريق منح الرمز بعدا دلاليا داخل الصورة والصورة التي تليها ليولد في النهاية معنى مستندا على المنطق غير معقول ظاهريا ولكنه معقول ومقبول باطنيا وهو ما نحتاج أليه كنوع أدبي راق من أنواع العمل الإبداعي /الإنساني أولا ولانه يبتكر وينتج شيئا جديدا أي أنه يضيف الجديد المطلوب الذي يبرر عملية الكتابة والذي يكون فيما بعد مقياسا ثابتا للإبداع ثانيا .. الصورة عند صلاح زنكنة أذن مركبة من معان تعاكس الواقع وتتناقض مع الحياة لتصب فيها .. وتتنافر مع المألوف لتتوحد فيه .. أنها محاولة مستمرة ودائبة للاقتراب من الأشياء والمواقف والظواهر التي يرفضها القاص جملة وتفصيلا لأنها تشكل سلبية العالم الذي يطمح القاص الى وضع أساس له في الواقع المحسوس فهو لا يقول في مجموعته , كلها , أريد كذا وكذا ولكنه يقول أرفض كذا وكذا ليترك للمتلقي مجال التصور على وفق منظور الرفض المسبق لهذه الظواهر أو تلك المواقف وليجعله ينظر الى واقع الحياة المتصورة من زاوية رؤية سليمة ودقيقة . أي أنه لا يتدخل , كما يفعل غيره بوضع لبنات العالم المتصور بل يترك حرية ذلك التصور للمتلقي .
إن صور هذه المجموعة تستفيد بشكل واضح من التزاوج الفني بين بساطة اللوحة ذات الطابع التعبوي الإنساني ( البوستر ) وبين عمق الدلالة في اللوحة ذات الموضوعات المعقدة متجسدة بلغة ما تزال بسيطة في تركيبها ومتواضعة في مفرداتها .
ومما يجدر الإشارة أليه هنا أن قصة ( الواقعة ) قد اختيرت كمادة في ( تحليل النصوص الأدبية ) لطلبة الدراسات العليا في كلية التربية للبنات جامعة تكريت وبأشراف الدكتور محمد صابر عبيد عام 97 – 1998 .
لقد نشر صلاح زنكنه عشرات القصص في معظم الدوريات والصحف العربية والعالمية وترجمت بعض قصصه إلي اللغة الإنكليزية والفرنسية والصربية والكردية ناهيك عن عشرات المقالات النقدية والصحفية في الصحف الوطنية .
لقد حقق صلاح زنكنه إنجازا أدبيا ملفتا للأنظار والانتباه , ولكنه , بعيدا عن الإدعاء والمكابرة , ينظر إليه كخطوة واثقة أولى على طريق الألف ميل الثقافي حسب .
نجوم نحيلة : علي فرحان
ليل سمين
يكرز النساء في الشرفات
ويتلف الصبية بكوابيس تحت الشمس
احدق في نجومه النحيلة واحفن حنطة الفراغ
مكوماً ارغفة الغد تحت ارجل البورصة
(يا حبيبي يا الله)مضت حكاياتك مع الريح ، ترغو في حناجرنا ابقار عجاف
وحدود مثل ((موسى))الحلاقة تجتث احلامنا العتيقة ،
صحارى بلون الصوت
ويم لا يتسع للغرقى _
وحدنا ندق باب الصلاة
فتزفر المئذنة ,انبياء كسالى
او محاربين برائحة الخشب .
_نعلم ان المدينة احتمال المكوث ،لكن شعرنا الذي
يطول ينبئ بصلع الفكرة
او هوس الاصابع عندما فاجأها تبعثر الجسد
وصلادة الشهادة
اقصد شهادة الوفاة المصدقة بختم الحرب الشرعي
او بختم البلاد المعجونة بالغبار
ليل نحتمل فوانيسه ونعرج لنهار ثقيل
اشهد ان الوقت يكنس حدقاتنا
والا ما معنى غلاظة
العقارب وهي تلدغ اعمارنا بحرب
اكيدة كعيد ميلاد
احفر الرزنامة على الجلد واردم المسامات بالآيام التالفة
مهيئون لعبور القصيدة والامساك بالحمام الحائم
حول الروح .
لكن دمي يرتبك في منتصف المسافة ويرتل ذكريات القتلى
اسير في البلاد
قد قلت ان دمي يرتبك
والفوانيس مطفأة في عيوني
والسماء غائمة بأكف مفتوحة
والأرصفة اطلعت على اسرار العشاق واستحوذت على
هداياهم الثمينة
اسير مع البلاد / امشي معها يداً بيد
امر على باعة الطحين وانثر على رؤوسهم ألم الامهات
امر على الجسر . اتلمس ظهره ، اخجل
انه اكثر شباباً مني
امر على الاسكافي
وارجوه ان يرتق حياتي
يبتسم . ويعطيني حذاء (( كتربلر ))
امر على الجنود واحشو بنادقهم بالحمام
امر على دجلة . اغتسل واستغفر الوطن
دائماً
يرتبك ………..
يلتصق بعمود الكهرباء
يعصره ، تندلق عصافير ميتة من العتمة ،
ومناديل بحواف من البكاء
يعتني بالاشباح ، يربي همسه
وكثيراً ما يحمل ارقه ويرميه على النجوم النحيلة
معلباً كدمات الزمن باكفان الكلمات
الكلمات التي يطرقها الصمت والاستعمال تطن في الفراغ
تنز من الجدران ، ترتفع
تحوم
حتى تدفنه بتراب الهمس اللزج
اجده يسير يداً بيد مع الوطن
يمر على دجلة ، يبكي ويكفر بالوطن
محتمياً هذه المرة بيأسه وبالوقت الذي يفرقع
اعمارنا
تاركاً على شواهد القبور لمسة بهاءنا الذي انطفأ
مع النجوم النحيلة
والكهرباء
تموز
بانتظار القنطرجية (1) : علي فرحان
استفاق على الم ومرايا
فوق هاجسه صدىً ميتة تدحرج فلوله
بمعيته اعضاء معطوبة وذكريات
وقلائد باميا
اعياد فرش بهجتها على الرصيف
فتناوشها الجزارون
نكس اعلامه
ومثل ام تسحب قباب الدعاء مضى يدق على جبهته
بروقاً وفناءات وجناحي باز ذرق على الافق
واستدرج العويل الى منصة الخلق
كما جلبة الاجناس في التزاحم للقنص ،
راح يرقق حتوفه ويحشرها في فطور السماء
ممسكاً قرني الثور بيأس كدرته
مولياً وجهه شطر البلاد المسجاة في دمه كمومياء
تدحض المصائر
وتفتن الرخام بذهب الجسد الباهض
استفاق على جنونه وجحائم طائرات
على هلع الفلول
وماعزِ يعلس الاكفان
مشوشاً المشهد بفوضى مهينة
ولبلاب مهستر يصعد البهاء
بجزم صلدة تفتك بالدوائر المضيئة
انه الفتك الباسل يشحذ اظافره
ويغدق على اللحم بالعض ، يرجف بالصرخات ،
يمص النخاع المتجمد ويزفر الهول
ينبغي القفز الى الفراغ بعدة كاملة
لكن السنارة في لهاته عالقة ،
كأشتباك البعيد بالبعيد
الدخان بأطر الوحشة
والعويل بأرامل مشدودات للسبي
يحن الى القفز
الى التورط اللذيذ
كنبيِ شعثته الرسالات
يشد الابهة على ظهر البغل
يسوطه بالابدية الى الحدود المعلمة بالسحب المدخرة
بالمصائر والثعابين
بلحيته الفتانة يمسح الغبار عن عين الطريدة
ويلصق معجزاته بغراء الدم
الدم الفوار الساخن ياخذ الفجيعة الى السهل
ويكوم الارغفة على حافة الشجن
انتشاء يفرد المحاربين ويعجن القتل بالسموم الاخاذة
للدود حصة في المأدبة وللضباء الجري كله
لها افتضاض الفضاء
ولها ان تهشم المرايا
انها غير معنية بفداحة المشهد
فلتخربه ………….
ربما الطبول او العيارات النارية
تلهب الدم فيفوح الهواء بالزنخ الفاجع
ربما الازرار المفتوحة تدل ( القنطرجية ) لهذه الكنوز
او انها السعادات غررت اصابعي بالطين
لاحماً حواء بقفصي الصدري
شاداً العاصفة في نطاقي
وبتهور صفعت الملائكة بغيمة التبغ
ايها الطين اللازب ادق دمعتي في موقع قلبك
ولا مجال للدنو وانتهاكي
مزنر بالعاقول ، عاقول مسن ومحروم يشهر عطشه
ايها السيد
اضلاعي كاملة
وانا مولع بتفاحاتها
مساء العناء يا حواء
يا دمية ابي ، مساء العيد يا خادمة
اكنسي الدار ، رشي الجوار بماء الورد ، تزيني وانتظري
اما انت يا ابي فاطلق (21) قذيفة
لاطلالة القنطرجية الجليلة
وشيع البلاد حتى حافات الخارطة ب (21) قذيفة
ايضاً
كفيلة بأيقاظي
ايار 1998 .
تلك الأسطورة المتجددة : سعد محمد رحيم
قراءة في كتاب ( أسرار أسمهان: المرأة، والحرب، والغناء )
تغدو الكتابة عن سيرة امرأة ذات شهرة ومكانة، عاشت في مجتمع وزمن محافظين، مغرية. ويزداد الإغراء حين تكون تلك المرأة مطربة ذات صوت ساحر، تمردت على تقاليد أسرتها ومجتمعها من أجل فنها. ولكن أن تكتنف جوانب من حياتها الأسرار، وأن تشارك بجرأة نادرة في الحدث السياسي، فعلاً لا قولاً، وأن تموت وهي في عز شبابها وعطائها الإبداعي، بطريقة مبهمة ومريبة، فإن شغف الكتابة عنها يبلغ أقصاه.
تلك المرأة المطربة هي أسمهان، التي تنقلت بين الشام ومصر، في النصف الأول من القرن العشرين، وخاضت تجربتها/ معركتها الشخصية الاجتماعية والفنية، ومن ثم السياسية، بطريقة لافتة وصاخبة، متجاوزة مواضعات عصرها وظرفها وجنسها. ومحققة في غضون سنوات قليلة إنجازاً فنياً لا يُضاهى. وقد ولدت في الماء/ البحر يوم كانت عائلتها هاربة من الأناضول إلى بيروت، حتى كاد والدها ان يطلق عليها اسم ( حربية ) لولا معارضة أمها التي اقترحت اسم ( أمل ). لتموت في الماء أيضاً ( في قناة للري ) بحادث سيارة، بين القاهرة ورأس البر، تماماً مثلما تنبأ لها عرّاف قبل ذلك بسنوات طويلة!.
شغلت أسمهان ليس الوسط الفني فحسب، وإنما الجمهور كذلك. ومع تورطها في السياسة والحرب، وما أشيع عن تجسسها ومحاولاتها أن تكون عميلة مزدوجة بين الإنكليز والألمان، ومع تمردها على تقاليد قومها وأسرتها ومجتمعها أضحت ما يشبه الأسطورة في نظر الناس، ولا سيما بعد حادثة موتها الفاجع بحيثياتها الملتبسة. ولاشك أن حياةً كتلك وموتاً كهذا، لابد أن تستثير المخيلة، ولا بد أن تُحبك عنها وحولها القصص، ولابد أن تُحاصر بأمواج من الشائعات.
صارت تلك الموهبة المبكرة، المشعّة المحلّقة موضع إطراء واسع، وإعجاب شديد، وحسد أيضاً، وريبة.. دخلت أسمهان ميدان فن الغناء بثقة وتفان وإصرار. وبدت للمهتمين والعارفين بأصول الطرب والمقامات، وقدرة الحنجرة البشرية على الأداء معجزة صغيرة تعد بمنجز هائل مع وجود ملحنين كبار ( محمد القصبجي، ورياض السنباطي، ومحمد عبد الوهاب، وشقيقها فريد الأطرش ). وبمزاحمة صوت جبار ذي حضور طاغٍ ( أم كلثوم ).
يحاول كتاب ( أسرار أسمهان: المرأة، والحرب، والغناء ) لمؤلفتها الباحثة ( شريفة زهور.. ترجمة؛ عارف حديفة، ومن إصدارات دار المدى/ 2006 ) فك بعض الألغاز التي طبعت حياة أسمهان القصيرة والشاقة والمترعة بالإثارة والغموض. والتذكير بموهبتها وإبداعها الخلاق. ودورها في تحديث الغناء العربي.
لمّا أراد صديقي الناقد السينمائي علاء المفرجي إعارتي هذا الكتاب، لاحظ ترددي في أخذه، فقال؛ هذا كتاب لا يشبه بقية كتب السيرة المكتوبة عن المطربين والمطربات العرب، اقرأه، ولاشك أنك ستغير رأيك.. واكتشفت بعد قراءة بضع صفحات أن علاء كان على صواب.. هذا كتاب مختلف.
يعطينا الكتاب، على الرغم من صغر حجمه، قدراً وفيراً من المعلومات في التاريخ الحديث وصراعات السياسة، والأنثربولوجيا ( الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط ) وفن الموسيقى والغناء والسينما. فها هنا نقرأ عن حياة أسمهان، ومن خلالها نقرأ عن حياة جيل ومجتمع. فأسمهان في هذا الكتاب موضوعة في سياق تاريخي، وتتحرك على خلفية أحداث سياسية واجتماعية وفنية.. وقد جاءت الفصول المكتوبة نتيجة بحث واستقصاء جادّين، ونظر موضوعي، وتحليل تاريخي وعلمي دقيق. وفي النهاية لم تتبجح الكاتبة ـ وهذا ما يُحسب لها ـ بأنها وصلت إلى اليقين النهائي، ولم تقل أنها فكت الألغاز المشتبكة مع تلك الحياة المائجة ( حياة أسمهان ). لقد ظلت الكاتبة تتحقق من الاحتمالات.. تطرح الادلة والقرائن، وتعود إلى الأرشيف والسير السابقة، وتستنطق أولئك الذين كانوا قريبين منها.. ترجِّح هذا الاحتمال على ذاك، وتقترب من الحقيقة أو تسعى إليها، لكنها لا تدّع أنها تعرف ما لا يعرفه حتى الشيطان ( إذا ما استعرنا بتصرف مقطعاً من قصيدة لعبد الوهاب البياتي استشهدت به الكاتبة ).
تغدو الكتابة عن فنانة مثل أسمهان تورطاً في شبكة روايات، على حد تعبير حنا أردنت.. تقول المؤلفة: "والواضح هو أن أسمهان كانت مغنية عظيمة، إلاّ أن الدعاوى بأنها كانت أميرة، أو جاسوسة، أو خائنة، أو بطلة وطنية، أو امرأة خائبة العاطفة، يمكن بالنسبة إلى مجتمعها العربي أن تتعايش من غير معضلة. وحين كان يصعب التأكد من تفاصيل الماضي كانت تُخترع أو تزخرف". والكتاب، عموماً، موجّه للقراء الغربيين، ومؤلف باللغة الإنكليزية. وغالباً ما تشير الكاتبة إلى البيئة الشرقية/ الشرق أوسطية ودورها في تحديد مسار حياة أسمهان وقدرها، ومن ثم في صياغة قصتها بتناقضاتها وملابساتها وخفاياها. وفي المقطع الآنف الذكر، المقتبس من الكتاب ( كما في مقاطع عديدة أخرى تحفل بها الفصول، حيث تشير غالباً إلى البيئة العربية الأبوية الشرق أوسطية ) نلحظ نوعاً من نبرة الاستعلاء والتمييز، وإن لم تكن حادة. وأكاد أقول؛ شيئاً من روح استشراقية، على الرغم من الأصل الشرقي العربي للمؤلفة ( شريفة زهور؛ وهي أستاذة مختصة في أبحاث الشؤون الإسلامية والعالم العربي بمعهد الدراسات الإستراتيجية التابعة للجيش الأميركي ). غير أنها، والحق يقال، متحررة من عوالق نظريات المؤامرة، وأيضاً مما تسميه هي بتحيزات الرجال في أثناء الكتابة عن النساء، والمعنية هنا ( أسمهان ). إذ يمكن، بالقراءة المتأنية للكتاب، تلمس طريقتها المنهجية في البحث العلمي، ومن غير اتهامها بالافتقار إلى الموضوعية في معظم الأحيان.
إن الإشارة إلى زخرفة واختراع تفاصيل الماضي تبدو هنا كما لو أنها مثلبة يختص بها الشرقيون وحدهم، ولا يمكن وجودها في الغرب. لكن بدءاً من النظر إلى الشائعات المتناقضة التي تطارد حياة المشاهير في الغرب ( حياة وموت مارلين مونرو في سبيل المثال ) وحتى تفكيك خطاب الغرب عن الشرق وما يتضمن من اختراع شرق متخيل، يصبح من اليسير دحض براءة الغرب مما يصيب الشرق بهذا الصدد. في مقابل القول أن هذه الظواهر هي إنسانية عامة، بدرجات متفاوتة، ساهم تطور قنوات الاتصال والإعلام، ( وعوامل أخرى لا مجال للخوض فيها في هذا المقام )، في تعزيزها وانتشارها في الغرب والشرق معاً. فضلاً عن ضرورة عدم إنكار بعض خصوصية العالم العربي، بهذا الصدد، لأسباب تاريخية معروفة.
هرب أفراد أسرة أسمهان من مدينة ( ديمرجي ) في الأناضول، حيث كان رب الأسرة ( والد اسمهان؛ فهد الأطرش ) يشغل وظيفة قائمقام لمّا عرفوا أن اليونانيين يزحفون باتجاههم، وكان ذلك في تشرين الثاني 1917، وكانت زوجة فهد ( علياء ) حاملاً في شهرها الأخير، فأنجبت في البحر وهم في طريقهم بين أزمير وبيروت، وأطلقت الأم على المولودة اسم ( أمل ) تفاؤلاً بنجاتهم. ( هناك رواية أخرى يذكرها الصحافي محمد التابعي عن ولادتها في العام 1912 ). وعائلتها ( آل الأطرش ) هم فرع متنفذ في العائلة الدرزية. وقد لجأت الأم مع أولادها الثلاثة ( فؤاد وفريد وأمل ) إلى القاهرة في العام 1923 للابتعاد عن خطر الاضطرابات الحاصلة في الشام. وربما كانت أمل في الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة من عمرها حين استمع إليها الملحن محمد القصبجي مندهشاً وهي تغني، وقال؛ "هذا صوت من الفردوس". وأطلق عليها الملحن داود حسني اسم أسمهان ( اسم حسناء فارسية ساحرة من زمن غابر )، ورأيه أن الاسم هذا يتصف بالفخامة اللائقة بصوت هذه الطفلة المعجزة. ومنذ ذلك الحين بدأت قصة المغنية التي شغلت لوقت طويل الصحافة والنخبة والرأي العام.
تتبعت المؤلفة مسار وتفاصيل تلك القصة، كما وردت في السير المكتوبة عنها، وما قاله وصرّح به أقرباؤها الأحياء. وما رددتها الصحافة في حينها. ولكن في إطار المشهد الكبير ( الاجتماعي والسياسي والفني، الأقليمي والعالمي ).. قصة مترعة بالإثارة والتنوع والألوان المتعددة الدرجات، والغموض، والتي تضيئ كما تقول المؤلفة: "رؤية الشرق الأوسط للشأن الجنسي، والسلطة، والرعاية، والغناء، وكيف تطورت هذه الرؤية في الثلاثينيات وأوائل الأربعينيات. لقد عاشت ( أسمهان ) تجربة الحياة في سياق النهوض القومي والإحباطات. فالتوترات بين الغرب والشرق وبين الطبقات الاجتماعية يتردد صداها في ملحمتها الخاصة. ويتواصل التصادم بين الشرف والشهرة، وبين التحوّل والعرف، ونحن نفكر في المرأة، وموسيقاها، وحرب عالمية".
تزوجت أسمهان من حسن الأطرش، للمرة الأولى، في العام 1933. وكانت حكايات زيجاتها إشكالية أخرى في حياتها اختلطت مع قضايا التقاليد الاجتماعية والقبلية والفن والسياسة والهوية والهجرة والسمعة. وأنجبت فتاة ( هي الوحيدة: كاميليا ) وربما لم تستطع قط العثور على حب حياتها. كافحت من أجل فنها، وجرفتها تيارات السياسة وصراعات الأمم والأحزاب. وأحياناً أفرطت في الشرب ولعب القمار وأسرفت في إنفاق المال وغلب الطيش على سلوكها.. مثلت في فيلمين هما؛ ( انتصار الشباب ) مع شقيقها فريد الأطرش وأنور وجدي، و ( غرام انتقام ) مع يوسف وهبي. وفي الفيلم الأول غنت مجموعة من أغنياتها وكلها من ألحان فريد الأطرش. منها ( يا بدع الورد، الشمس غابت أنوارها، كان في أمل، يللي هواك شاغل بالي ). أما في الفيلم الثاني فغنت ألحاناً أخرى لفريد هي ( ليالي الأنس في فيينا، أهوى أهوى، يا ديرتي مالك علينا لوم ) فيما غنت من ألحان رياض السنباطي ( دمعة على حبيبي، نشيد الأسرة العلوية ) ومن ألحان محمد القصبجي غنت ( امتى حتعرف امتى، أنللي استاهل ).
إن ما جعل منها مغنية عظيمة أداؤها المرهف، والشحنة العالية للعاطفة في صوتها، ونطقها السليم للعربية، ومزجها الأساليب القديمة مع الجديدة.. تقول المؤلفة: "إن تمكّن أسمهان من العناصر الكلاسيكية في أعمالها يشتمل على عناصر أداء أسلوبية، واستيعاب نظام المقامات، مع إدماج هذا الاستيعاب في الغناء المرتجل، والاستفادة من المزايا الشعرية للغة العربية بغية خلق دينامية، وتوكيد وتواصل غنائي وعاطفي مع جمهورها".
إن روح أسمهان الجامحة الحرون، وموهبتها النادرة، وصراعها مع محيطها، وولعها بالفن والحياة، وميلها السياسي ( الوطني مثلما أزعم ). هذا كله قد رسم مصيرها في النهاية وحدّده. ولقد ماتت بطريقة دراماتيكية ملغزة، كأنها أرادت أن تبقى أسطورة متجددة.. ماتت في حادث سيارة بعد أن نزلت من القطار، في اللحظة الأخيرة، مع صديقتها ماري قلادة التي رافقتها في رحلة الموت كذلك. وهذا يذكِّر بحادثة موت المفكر والأديب الفرنسي ألبير كامو مع صديقه ( ميشيل غاليمار ) حيث قضيا في حادثة سيارة، فيما عُثر على تذكرة قطار في جيب كامو.
أكان موتها غرقاً في قناة للري قضاءً وقدراً؟ ربما.
أم هو أمر دُبِّر بليل كما يُقال؟ حدسي يرجح الاحتمال الثاني. وإذا كان هذا صحيحاً فمن يقف وراء مقتلها؟ أهي الغيرة القاتلة لـ ( أم كلثوم ) بحسب بعض الشائعات التي راجت يومها؟. شخصياً أستبعد هذا الاحتمال، بل ألغيه، لأن فنانة بعظمة أم كلثوم لا يُعقل أن تقامر بمستقبلها وسمعتها، ناهيك عن حسّها الإنساني الذي لابد أن يجعلها تأنف عن اقتراف جريمة بشعة كهذه.. أهم الدروز ( قومها ) من فعلوا ذلك، لأن أميرة منهم انتهكت خطوطهم الحمر التي لا يسمحون بتجاوزها من قبل امرأة/ أميرة ترتبط بهم بصلة الدم؟ محتمل، وأقوله على مضض.. أهو القصر الملكي والإنكليز والسياسة؟ أظن؛ أجل، هذا ما أرجحه. وهذه وجهة نظر شخصية ليس إلاّ.
في كل كتابة نجد بعضاً من نَفَس الكاتب وروحيته ومزاجه وتحيزاته يتغلغل بين تضاعيف الكلمات والجمل. وغالباً ما تجعلنا كتب السيرة، بإيحاءات خفية من المؤلفين، نتعاطف مع الشخصيات التي كُتبت عنها، ونحبها، أو ننفر منها ونبغضها. وفي حالة هذا الكتاب لشريفة زهور، عن أسمهان، فإن القارئ لا يكتفي بالتعاطف والتفهم، وإنما ينجذب إليها ( إلى أسمهان ) بفعل القوة التي تحلت بها شخصيتها؛ الأنثى الباهرة والشجاعة، والمرأة المنغمسة في الشأن العام، والمطربة ذات الصوت الملائكي.
بلاد ناجية : علي فرحان
باصابع الطين تمسح انهارا شربتها الاصياف
تدعك بلادا ناجية من الكهولة
صحيح انها تئن كينابيع غائرة
ويندلق من جرارها الصباح
بيتاً بيتاً
بيد انها تقترب من الحطام
وتنفخ بوق الملحمة لتزين المراثي
تأسر الحكاية بلهاثٍ مكسورٍ
فاتحةً الزوابع للزوابع
كطفل يجمع الريح في دشداشته
عاقداً طيشها بحزام الجلد
غير عابئٍ بسهام المطر ،
اطلق مرحه في مهب المأساة
عارياً وطئ الغمام ،
غير صحيح انه حافلٌ بترفٍ مهزوم
وموعده يترنح بين قدمين حافيتين
وتراب طائش
هذه البلاد او هذا الطفل
حلو في مرحه
بعيدٌ عن الكهولة ايما بعد
و كموتٍ يشهر قرونه يبقر بطن اليقين
فمن يعاتب بلاداً ضربتها الصواعق
فانتشرت اصيافاً تبطش
من يعاتب بلاداً منبسطة كالفجيعة تنفض اذرعها
وتخلع سياج الحديقة ؟
حلو مرحك ايتها البلاد
وليس ترفاً مهزوماً طيشك ايها الطفل
فانصب الفخاخ / جسدك
اطلق اشباحك الملطخة بالدم الجاف
والعن من شئت
الشرق والغرب والشمس والقمر
من الوحدة ،
ايها المارد
كأنك فاجأت الارض
كغيبٍ يطلق ثيرانه ،
ذاهلة من حولك قرى الطين
تغلق النوافذ بالتراب ! 16/4/2002
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)