في الثاني من حزيران من عام 1991م رحل آية الله العظمى السيد عبد الكريم المدني ، ذلك العالم الديني البارز ، الذي كان من الداعين بإخلاص إلى وحدة الامة والكلمة والصف ومن المنادين بضرورة إجتماع أهل القبلة وتلاقي المسلمين من مختلف المذاهب على المشتركات ، إنه الرجل الذي صاح عام 1959م : ( والله إنّي لشيعي ، ووالله إنّي لسنّي ) ، وإنه عالم الدين الذي رفع صوته عاليا بدعوته إلى ( توحيد الكلمة بكلمة التوحيد ) وُلد السيد المدني في مدينة النجف الأشرف سنة 1899م ( 1317هـ ) ، وهو من أسرة حسينية علوية هاشمية قريشية عدنانية ، هي فرع وارف من فروع الدوحة المحمدية ، وهو الإبن الرابع للسيد حسين بن السيد محمد بن السيد حمادي ، الذي يصل نسبه إلى جده السيد علي خان المدني الحسيني وهو من أعلام الامة الكبار في العلم والأدب واللغة والتاريخ والشعر ، و( خان ) لقب هندي أسبغه عليه ملك أوزبك أيام إقامته بعضا من حياته هناك ، أما ( المدني ) فجاء نسبة إلى المدينة المنورة التي وُلد فيها سنة 1052هـ ، ثم يمتد نسب
السيد المدني رحمه الله ليصل إلى الإمام علي بن أبي طالب ( كرم الله وجهه ) وسيدنا إسماعيل بن إبراهيم الخليل ( عليهما السلام ) ، وقد توفي والد السيد المدني رحمهما الله عندما كان في الخامسة عشرة من عمره فكفله أخوه الأكبر السيد عبد الحسين ورعاه رعاية كريمة ، وقد بُنيت شخصية السيد المدني رحمه الله ونمت وترعرت في النجف الأشرف ، وهي المدينة المعروفة بعلمها وكرمها وفصاحتها ، والعامرة بمدارسها ومجالسها ، والمكتظة بدروسها ومحاضراتها وندواتها حول عيون الكتب والنوادر والمخطوطات وذخاءر التراث الواسعة ، والمائجة بعلمائها ومتعلميها .
كلن السيد المدني رحمه الله رجل ورع وزهد وتقوى وكلام طيب ، وداعية عمل صالح ونفس مستقيمة وأخوة دائمة ، وقد شُغل بالعبادة والزهد والصلاح والإصلاح والتدريس والتأليف ، وقد تتلمذ على كبار علماء النجف الأشرف وتلقى على أيديهم المعارف وعلوم القرآن وعلوم الحديث وعلوم الدين وعلوم الأدب ، وذلك في النصف الأول من القرن الرابع الهجري ، ومن أبرز أولئك العلماء : الشيخ عبد الرسول الجواهري والشيخ حسين الحلي والشيخ محمد علي الجمالي الكاظمي والمجتهد المعروف السيد الميلاني والشيخ مرتضى الطالقاني والشيخ نعمة الله الدامغاني والسيد عبد الهادي صاحب كتاب ( توضيح المسائل ) وكتــاب ( دار السلام في فروع الإسلام ) والمرجع الديني الاعلى الشيخ محمد رضا آل ياسين والسيد أبو الحسن صاحب كتاب ( وسيلة النجاة ) والشيخ ضياء الدين العراقي والشيخ محمد حسين الكسياني الكاظمي والشيخ حسين النائيني .
ولقد علمت من مصادر موثوقة في حسينية السيد عبد الكريم آل السيد علي خان المدني أن الحسينية تحتفظ بتسجيلات صوتية عديدة للإمام السيد عبد الكريم المدني ومنها تسجيل صوتي له وهو يؤذن للصلاة ، واعتادت الحسينية أن تذيع عبر مكبرات الصوت الخاصة بها ذلك التسجيل في الذكرى السنوية لرحيله أي في الثاني من حزيران .
مؤلفات السيد المدني
للسيد المدني رحمه الله مؤلفات عديدة ، منها ما هو مطبوع ومنها ما هو مخطوط ، أما مؤلفاته المنشورة فهي :
1 . معالم الوصول إلى كفاية الأصول : تقديم الشيخ باقر شريف القريشي ، وهو شرح لكتاب ( كفاية الأصول ) للإمام الشيخ محمد كاظم الخراساني الهروي ، وهو أستاذ الفحول في الأصول ، والكتاب يعتبر علامة بارزة في أصول الفقه الإسلامي ، وقد جرى وما زال يجري تدريسه في العديد من المؤسسات الفقهية .
2 . فيوض الرحمن في محاضرات شهر رمضان : وقد ضم المحاضرات التي كان السيد المدني رحمه الله يلقيها في شهر رمضان المبارك ، وقد اشتمل هذا الكتاب على قسمين ، الأول : في الوعظ والإرشاد ، وفيه فوائد علمية جليلة وقصص أخلاقية ثمينة ، والثاني : في أحوال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( كرم الله وجهه ) ، وفي الكتاب دراسة لعلاقة الإمام علي ( كرم الله وجهه ) بسيد الأنبياء والمرسلين محمد ( صلى الله عليه وسلم ) .
3 . كتاب الخمس : وهو شرح لمبحث الخمس في كتاب ( تبصرة المتعلمين ) والمعروف بـ ( التبصرة ) للشيخ الإمام العلامة الحلّي ، واشتمل الكتاب على عدد كبير من المسائل الفقهية ، وزاد عدد صفحاته على الخمسمائة صفحة .
4 . مقتل سيد الشهداء الحسين بن علي .
5 . عبقات الحق : وهو كتاب في بيان المقام الأرفع لأمير المؤمنين عل بن أبي طالب ( كرم الله وجهه ) بالأسانيد الواردة من جهابذة علماء السنة وحفّاظها ، وهو صولة الحق على جولة الباطل .
6 . شرح كتاب ( فرائد الأصول ) لأستاذ الأسانيد الشيخ مرتضى الأنصاري ، وهو أكبر أساتذة النجف لأشرف في النصف الثاني من المائة الثالثة عشرة .
7 . لكل سؤال جواب : وقد صدر منه جزءان ، وقد جُمعت فيه أجوبة السيد المدني رحمه الله عن أسئلة السائلين ، وقد أشار إلى هذا الكتاب الدكتور حسين علي محفوظ .
وقد طُبعت جميع تلك الكتب في ( دار الزهراء للطباعة والنشر والتوزيع ) ـ بيروت ـ لبنان .
أما المؤلفات المخطوطة للسيد المدني رحمه الله ، فهي :
ـ كتاب كبير عالج فيه مسألة خلق القرآن الكريم بين المعتقدين والمانعين.
ـ شرح العروة الوثقى .
شرح تبصرة العلامة .
ـ مباحث الأصول .
ـ عبقات الإيمان .
ـ محاضرات الإمام في محرم الحرام .
ـ الكشكول ( جامع المعلومات ) ، وقد جمع فيه بديع النقول في المعقول والمنقول .
ـ رسالة في آداب النوم .
ـ رسالة في الروح .
ـ رسالة في نجاسة الكفر مطلقا .
ـ بحث في علم الأخلاق .
ـ حياة الرسول صلى الله عليه وسلم والأئمة الأطهار عليهم السلام .
ـ كشف الحجاب للمسائل الواردة لطلب الجواب .
حسينية السيد المدني في بعقوبة
يعود تاريخ حسينية بعقوبة إلى العام 1921م ، ففي ذلك العام قام الخطب الحسيني المعروف السيد صالح الحلي بتأسيس الحسينية ، محقِّقا حلمه الذي طالما حلم به ، بمساعدة الأخيار والميسورين والوجهاء والأعيان والأهالي في بعقوبة ومحافظة ديالى ، وبعد وفاته وقع الإختيار على السيد سعد الدين الشديدي وهو من علماء الدين في الكاظمية المقدسة ليكون العالم الديني في بعقوبة ومحافظة ديالى ، ولم يدم بقاؤه طويلا إذ وافاه الأجل فانتقل إلى رحمة الرحمن الرحيم ، وبقيت حسينية بعقوبة دون عالم ديني فترة امتدت لما يقرب من عشرة أعوام ، وبسبب طول تلك الفترة ، توجهت وفود من أبناء محافظة ديالى إلى المراجع العليا في النجف الأشرف ومنهم الإمام الشيخ محمد رضا آل ياسين والإمام السيد أبو الحسن الموسوي مطالبة بترشيح مرجع ديني لديالى وبعقوبة ، فوقع الإختيار على سماحة السيد عبد الكريم آل السيد علي حان المدني . وفي عام 1940م وصل السيد المدني رحمه الله إلى بعقوبة ، ومنذ لحظة وصوله لم ينزل في بيت من بيوت بعقوبة بل نزل في قلوب أهل بعقوبة وأهل ديالى عامة ، فقد استقبله الجميع بوافر المحبة وفائق التكريم وكثير التقدير ، وطيلة فترة بقائه في بعقوبة والتي بلغت ( 51 ) عاما عمل على جمع القلوب ولمِّ الأيدي ورصِّ الصفوف وكان حضوره دائما حضور خير وأهل خير ، وكان يحث على الدوام على تهدئة النفوس وحقن الدماء والحمل الصالح في كل مكان وكل زمان .
ويروي نجل السيد المدني رحمه الله الدكتور عبد الحايم المدني ( أن مجلسا حسينيا كان قد أقيم في أحد مساجد الخالص ، وكان الخطيب فيه يردد : يا شيعة أهل البيت ، يا شيعة أمير المؤمنين ، وكان رواد المجلس من المسلمين عامة ، فكتب أحدهم إلى السيد عبد الكريم المدني رحمه الله قائلا : إنني أرتاد المجلس الحسيني وأُكبر دور الإمام الحسين الشهيد عليه السلام في حفاظه على الرسالة المحمدية باستشهاده في سبيل كلمة التوحيد ـ لا إله إلا الله محمد رسول الله ـ ولكنني لست شيعيا ، فهل هذا المجلس لهم دون غيرهم أم أنه للمسلمين عامة من شيعة وسنة ، فما كان من السيد رحمه الله إلا أن توجه إلى الخالص وإلى المسجد المذكور تحديدا ، ثم سأل عن صاحب الرسالة فقيل له إنه موجود ، فقام السيد رحمه الله خطيبا موضحا أن السني هو من اتبع سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قولا وفعلا ، وأن الشيعي هو من والى رسول الله وآله واتبع هديهم ومنهجهم سلام الله عليهم أجمعين ، وأقسم في ذلك المجلس ـ وكان نادر القسم ولم يُسمع عنه أنه أقسم قبلا ـ أقسم بالله قائلا : والله إني لسني أطبق سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قولا وفعلا ، وإني لشيعي أحب محمدا وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين ) ، وقد ظلت مقولة السيد المدني رحمه الله تلك خالدة وتتناقلها الأفواه عاما بعد عام حتى يومنا هذا وستبقى ، ونذكِّر أن هذه الحادثة حصلت عام 1959م .
ولقد جمع السيد المدني رحمه الله بين تدريساته في الحوزة العلمية في النجف الاشرف وإمامته للمسجد الحسيني في بعقوبة ، وظل قرابة عشرين عاما يحاضر في الحوزة العلمية رغم وجوده في بعقوبة ، فكان يقضي وعائلته الكريمة ستة أشهر في النجف الأشرف ومثلها في بعقوبة ، حتى قارب الستين من عمره ، ولكنه بعدها لم يتمكن من فعل ذلك بسبب المرض الذي ألمَّ به وآلام المفاصل الذي لحقه والذي كان السبب وراء منعه من السفر الطويل .
ولا بد لنا هنا من أن نذكر أن السيد المدني رحمه الله قد قام بنفسه بتدريس نجله السيد علي ( وُلد في 18/10/1952م ) كل مـا يتعلق بـ ( المقدمات ) و( السطوح ) بعد حصوله على البكالوريوس في الفيزياء من كلية العلوم بالجامعة لمستنصرية عام 1974م ، ليكون بذلك جامعا ين علوم الدنيا وعلوم الدين ، ومن الخطب التي لا تُنسى للسيد المدني رحمه الله تلك الخطبة التي ألقاها في أخريات أيّامه وبعد أن أتعبه المرض والتي أعلن فيها أن سماحة العلامة السيد علي السيد عبد الكريم المدني هو الذي سيأتي من بعده إماما وخطيبا للحسينية ، موضحا أنه استخار الله تعالى في ذلك ، وقد وقف السيد المدني رحمه الله عام 1410هـ بين صفوف المصلين وأعلن تنسيب السيد علي المدني ، ثم توَّجَهُ بالعمامة ، فقام المصلون بتهنئة السيدين في تلك المناسبة المهمة .
وبعد رحيل السيد المدني رحمه الله تولى زمام الأمور بعده السيد علي السيد عبد الكريم المدني ، محاطا بأفئدة أهل بعقوبة وأهل ديالى ، وقد أثبتت الأيام أن سماحته كان أهلا لذلك الإختيار ، فقد استطاع أن يجمع القلوب من حوله على طريق حب الله ورسوله وآل بيته الأطهار وصحابته الأخيار .
بين السيد المدني والدكتور حسين علي محفوظ
كان شيخ بغداد العلامة الدكتور حسين علي محفوظ الذي رحل عنا في 20/1/2009م عن عمر ناهز الـ ( 83 ) عاما من أكثر الباحثين اطِّلاعا على جهود السيد المدني رحمه الله في البحث والدراسة ، وقد قال الدكتور محفوظ عن السيد المدني رحمه الله : ( يمثل السيد عبد الكريم آل السيد علي خان المدني خلاصة طلاب النجف الأشرف ، وعصارة خريجي مدرسة الفقه الكبرى في مدينة العلم ، سيرة وسريرة ، وخصالا وصفات ، وعلما وأدبا ، وخلقا وتقى ) .
وقد كتب الدكتور محفوظ عن السيد المدني رحمه الله بعد رحيله مباشرة دراسة مهمة نشرتها جريدة ( الجمهورية ) البغدادية على ثلاثة أجزاء وذلك في الأيام 9و10و11 حزيران 1991م ، وكانت تلك الدراسة بعنوان ( السيد عبد الكريم السيد آل السيد علي خان المدني : خلق عظيم وعمل صالح وطريقة مستقبمة ) ، وقد أسهب الدكتور محفوظ في سرد تاريخ السيد المدني رحمه الله وجهوده على الأصعدة كافة ، ومما جاء في تلك الدراسة : ( كان رحمة الله عليه يدعو إلى المحبة والمودة والألفة والقرب والدعوة إلى التحاب والتواد والتراحم والتعاطف ، وهي دعوة النبي العظيم ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعترة النبي أهل البيت ـ عليهم السلام ـ وعلماء الدين الطيبين ، وهي من الدروس التي تلقاها في بيته المؤثل وبلدته المقدسة النجف لأشرف وأساتذته العقلاء الفضلاء ، وهي من خصائص العراق التي تعاطفت فيه الأديان واعتنقت المذاهب وتواصلت الآراء ) .
ولا يفوتنا أن نذكر أن الدكتور محفوظ هو الذي كتب ( تصدير ) الكتاب الذي قام بتأليفه السيد سعدي عبد الرزاق دفتر القيسي عن حياة السيد المدني رحمه الله والذي كان تحت عنوان ( في ذكرى الإمام السيد عبد الكريم آل السيد علي خان المدني ) والذي صدر في عام 1992م في الذكرى الأولى لرحيل السيد المدني رحمه الله ، وأشرف على طبعه الدكتور عبد الحليم السيد عبد الكريم المدني ، وقد جاء ذلك ( التصدير ) تحت عنوان ( السيد عبد الكريم آل السيد علي خان المدني : خريج النجف الأشرف مدينة العلم ومدرسة الفقه الكبرى في العالم الإسلامي ) ، ومما جاء فيه : ( يعتبر المرحوم السيد عبد الكريم آل السيد علي خان المدني من اواخر طلاب مدرسة النجف الأشرف ومدرسة الفقه الكبرى في العالم الإسلامي ، ومن أفاضل خريجيها الكبار في عهده الأخير ، في النصف الأول من القرن الماضي ) .
رحم الله السيد عبد الكريم المدني والدكتور حسين علي محفوظ وأسكنهما فسيح جناته ، فقد كانا علمين زاهرين من أعلام العراق الخفاقة عاليا .
نقاط بارزة لا بد من ذكرها
1 . قام السيد المدني رحمه الله في عام 1961م بهدم المبنى القديم للمصلى الذي كان سقفه من جذوع الأشجار والذي مضى عليه أكثر من أربعين عاما في ذلك الوقت ، وبناء المصلى الجديد على أفضل وجه باستعمال الحديد والطابوق وأصبح المصلى يتسع لعدد أكبر من المصلين .
2 . في نهاية عقد الستينيات من القرن الماضي قرر السيد عبد الكريم المدني رحمه الله إزالة المنشآت القديمة باجمعها وتجديدها وإقامة مبنى خاص ضمن الحسينية لمشروعه الثقافي الكبير ( مكتبة الإمام الحسين عليه السلام العامة ) لتي كانت نواة لإنشاء ( كلية الإمام الحسين عليه السلام للدراسات الإسلامية ) والتي كان ينوي أن يكون التدريس فيها للمذاهب الإسلامية كافة ، وهكذا تم هدم الأجزاء القديمة وأقامة بناء جديد تضمن المصلى الذي شيد دون أعمدة وسطية وتم فتحه على ساحة الحسينية بعد استبدال حائط المصلى بقاطع زجاجي إذا ما فتح أصبحت الحسينية ساحة فسيحة تتسع لآلاف المصلين في الأعياد والمناسبات خاصة قي شهر رمضان المبارك وشهر محرم الحرام .
وتم افتتاح المكتبة لكل المتلقين الذين كانوا يرتادونها ويبحثون في مراجعها ومصادرها التي زادت على الخمسة عشر ألف عنوان في التفسير والحديث والسنة والفكر الإسلامي والفقه والأصول ( على اجتهادات كافة المذاهب الإسلامية) والعلوم الصرفة واللغات وآدابها وجميع جوانب المعرفة، وقد نهل من هذه المؤسسة العديد من الأسماء التي ظهرت على ساحة العراق الثقافية والعلمية والفكرية والذين ما زالوا يتذكرون فضلها العلمي والثقافي عليهم .
3 . حقق السيد المدني رحمه الله احد مشاريعه الكبرى ببناء مأذنة الحسينية الشهيرة التي بنيت على الطراز الإسلامي المشابه لمآذن العتبات المقدسة في العراق ، وتمت الاستعانة بخبرات معمارية وهندسية عراقية فبلغ ارتفاعها ستة وأربعين مترا من مستوى الشارع العام واشتهرت بذلك الارتفاع على مستوى العراق كله .
4 . بعد تولي سماحة السيد علي السيد عبد الكريم المدني المسؤولية الدينية بعد والده المرحوم السيد عبد الكريم المدني قام بإعداد مشروع عملاق للانتقال بالحسينية نقلة حضارية كبرى بجعلها مؤسسة إسلامية علمية مرموقة , وصولا إلى إقامة ( حوزة بعقوبة العلمية ) التي تليق بالقرن الحادي والعشرين ، ففي نهاية العقد التسعيني من القرن الماضي أحيل مشروع بناء الحسينية إلى إحدى المؤسسات الاستشارية الهندسية العراقية المعروفة لإعداد مخططاته فتم هدم البناية القديمة كلها عدا مأذنتها التاريخية التي أبقيت تخليدا لذكرى السيد المدني رحمه الله الذي وضع حجرها الأساس بيده المباركة ، ثم أحيل المشروع إلى إحدى الشركات الهندسية الكبيرة لتنفيذه فبدأ العمل به في مطلع القرن الجديد ، وقد احتوى البناء الجديد على مصلى ضم المساحة الأكبر من ارض الحسينية الذي صمم على أساس القاعة الكبرى المغلقة تعلوها قبة سماوية زينتها الآيات القرآنية الكريمة ارتفعت بحدود الثلاثين مترا كما كان هناك طابق علوي لصلاة السيدات مشرف على المصلى الكبير وكان يؤمل أن يتسع المبنى الجديد بعد انتهائه لآلاف المصلين ، وقامت في الطابق الثاني من المبنى ( مكتبة السيد المدني العامة ) التي احتوت على قاعة للمطالعة ومخازن للكتب ، كما احتوى المبنى الجديد على قاعة الاستقبال الخاصة بالعالم الديني ومواقع إدارية منها قاعة الانترنيت والحاسب الآلي والمكتبة الالكترونية وأستوديو للبث التلفزيوني والنقل الداخلي وأجهزة الصوت وأقيمت شاشات عرض كبيرة في طابقي الحسينية ، وبنيت محال الوضوء والحمامات في مبنى خارجي ملحق من أوقاف الحسينية يقع أمام المبنى الرئيسي مباشرة ، لقد كان البناء الجديد بناء يليق بمؤسسة دينية كبرى هي ( مؤسسة الإمام المدني الإسلامية ) وهي مؤسسة حضارية تدخل القرن الحادي والعشرين من أوسع أبوابه ، ولما كان البناء قد أوشك على الانتهاء حصل الإحتلال الأميركي للوطن في ربيع2003م فتوقف البناء وتعرضت الحسينية لعمليات تخريبية أربع مرات لم يكن آخرها نسف مأذنته الشهيرة التي بقيت انقاضها تحكي قصة طموح للعمران والتحضر والتجديد الديني للوصول بالمؤسسة الدينية الإسلامية التي اقترن اسمها باسم سيد الشهداء الحسين بن علي عليهما السلام وحفيده البار التقي السيد المدني رحمه الله إلى مصاف حداثوي معاصر .
5 . عادت حسينية السيد عبد الكريم المدني رحمه الله عام 2009م إلى مزاولت مهماتها باندفاع إيماني كبير ، وسط ابتهاج وترحيب الجميع ، وهذا ما أزعج اعداء الله الذين ارتكبوا عملا إجراميا كبيرا في شهر رمضان المبارك في ذلك العام حين قام مجرم يحمل حزاما ناسفا بتفجير نفسه في شارع الحسينية ، في الوقت الذي كانت تقام فيه صلوات التراويح ، فراح ضحية ذلك الفعل الإجرامي الجبان عدد من الشهداء والجرحى ، ولولا فطنة المسؤولين عن أمن الحسينية وانتباههم الشديد وتضحيتهم بأنفسهم حماية لضيوف بيت الله العلي القدير لتمكن ذلك المجرم من الدخول إلى الحسينية ولحصلت من جراء ذلك الدخول مجزرة دفعها الله عنا .
واليوم يشرف على الحسينية حماها الله من كل مكروه الحاج السيد طاهر عصفور باعتباره وكيلا عن سماحة العلامة السيد علي السيد عبد الكريم المدني ، ويعاونه الحاج قاسم عباس أمير ، الذي يؤم المصلين ويقوم بإلقاء خطبة الجمعة فيها .
المراثي : وداع صادق للراحلين
رثى السيد المدني رحمه الله أكثر من أربعين شاعرا عراقيا ، وقد ضمَّ كتاب ( في ذكرى الإمام السيد عبد الكريم آل السيد علي خان المدني ) لسعدي عبد الرزاق دفتر السعدي قصائد أولئك الشعراء وكنت واحدا منهم ، وقد كان عنوان قصيدتي ( مرثية الموحِّد ) ، وقد ألقيتها في الحفل التأبيني الكبير الذي أقيم في حسينية بعقوبة في ختام أيام مجلس الفاتحة الثلاثة ( 5 حزيران 1991م ) ، ومما قلته في تلك المرثية :
يا سيِّدي كلماتي اليـــومَ تختنقُ
فإنَّني عن نعيمِ العلمِ أفترقُ
يمضي الرِّجالُ وتبقى بعدهم طرقٌ
يسعى لها النّاسُ أنّى ضاقتِ الطُّرُقُ
إنّي لأرثي جبيناً عاشَ مرتفعاً
مثلَ الجبـــالِ ومنهُ النّورُ يندلقُ
إنّي لأرثي عيوناً حطَّمتْ أُطراً
كانتْ تُفرِّقُ عـــن عَمْدٍ وتفترقُ
( عبد الكريمُ ) مِنَ الأخيارِ ما ارتفعَتْ
كفّاهُ إلا بقولٍ ليـــس يُخترقُ
وها أنا مِنْ مكانِ الحقِّ أنطلقُ
لكي أقولَ كلاماً ما بـــهِ قلقُ
واللهِ إنَّكَ شيعيٌّ وإنَّكَ سُنِّـ
ـيٌّ وإنَّكَ باســــمِ اللهِ تتَّفقُ
أنتَ الموحِّدُ لا زلفى أُردِّدُها
وإنَّني بسواكَ اليـــومَ لا أثقُ
السيد المدني رحمه الله ليصل إلى الإمام علي بن أبي طالب ( كرم الله وجهه ) وسيدنا إسماعيل بن إبراهيم الخليل ( عليهما السلام ) ، وقد توفي والد السيد المدني رحمهما الله عندما كان في الخامسة عشرة من عمره فكفله أخوه الأكبر السيد عبد الحسين ورعاه رعاية كريمة ، وقد بُنيت شخصية السيد المدني رحمه الله ونمت وترعرت في النجف الأشرف ، وهي المدينة المعروفة بعلمها وكرمها وفصاحتها ، والعامرة بمدارسها ومجالسها ، والمكتظة بدروسها ومحاضراتها وندواتها حول عيون الكتب والنوادر والمخطوطات وذخاءر التراث الواسعة ، والمائجة بعلمائها ومتعلميها .
كلن السيد المدني رحمه الله رجل ورع وزهد وتقوى وكلام طيب ، وداعية عمل صالح ونفس مستقيمة وأخوة دائمة ، وقد شُغل بالعبادة والزهد والصلاح والإصلاح والتدريس والتأليف ، وقد تتلمذ على كبار علماء النجف الأشرف وتلقى على أيديهم المعارف وعلوم القرآن وعلوم الحديث وعلوم الدين وعلوم الأدب ، وذلك في النصف الأول من القرن الرابع الهجري ، ومن أبرز أولئك العلماء : الشيخ عبد الرسول الجواهري والشيخ حسين الحلي والشيخ محمد علي الجمالي الكاظمي والمجتهد المعروف السيد الميلاني والشيخ مرتضى الطالقاني والشيخ نعمة الله الدامغاني والسيد عبد الهادي صاحب كتاب ( توضيح المسائل ) وكتــاب ( دار السلام في فروع الإسلام ) والمرجع الديني الاعلى الشيخ محمد رضا آل ياسين والسيد أبو الحسن صاحب كتاب ( وسيلة النجاة ) والشيخ ضياء الدين العراقي والشيخ محمد حسين الكسياني الكاظمي والشيخ حسين النائيني .
ولقد علمت من مصادر موثوقة في حسينية السيد عبد الكريم آل السيد علي خان المدني أن الحسينية تحتفظ بتسجيلات صوتية عديدة للإمام السيد عبد الكريم المدني ومنها تسجيل صوتي له وهو يؤذن للصلاة ، واعتادت الحسينية أن تذيع عبر مكبرات الصوت الخاصة بها ذلك التسجيل في الذكرى السنوية لرحيله أي في الثاني من حزيران .
مؤلفات السيد المدني
للسيد المدني رحمه الله مؤلفات عديدة ، منها ما هو مطبوع ومنها ما هو مخطوط ، أما مؤلفاته المنشورة فهي :
1 . معالم الوصول إلى كفاية الأصول : تقديم الشيخ باقر شريف القريشي ، وهو شرح لكتاب ( كفاية الأصول ) للإمام الشيخ محمد كاظم الخراساني الهروي ، وهو أستاذ الفحول في الأصول ، والكتاب يعتبر علامة بارزة في أصول الفقه الإسلامي ، وقد جرى وما زال يجري تدريسه في العديد من المؤسسات الفقهية .
2 . فيوض الرحمن في محاضرات شهر رمضان : وقد ضم المحاضرات التي كان السيد المدني رحمه الله يلقيها في شهر رمضان المبارك ، وقد اشتمل هذا الكتاب على قسمين ، الأول : في الوعظ والإرشاد ، وفيه فوائد علمية جليلة وقصص أخلاقية ثمينة ، والثاني : في أحوال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( كرم الله وجهه ) ، وفي الكتاب دراسة لعلاقة الإمام علي ( كرم الله وجهه ) بسيد الأنبياء والمرسلين محمد ( صلى الله عليه وسلم ) .
3 . كتاب الخمس : وهو شرح لمبحث الخمس في كتاب ( تبصرة المتعلمين ) والمعروف بـ ( التبصرة ) للشيخ الإمام العلامة الحلّي ، واشتمل الكتاب على عدد كبير من المسائل الفقهية ، وزاد عدد صفحاته على الخمسمائة صفحة .
4 . مقتل سيد الشهداء الحسين بن علي .
5 . عبقات الحق : وهو كتاب في بيان المقام الأرفع لأمير المؤمنين عل بن أبي طالب ( كرم الله وجهه ) بالأسانيد الواردة من جهابذة علماء السنة وحفّاظها ، وهو صولة الحق على جولة الباطل .
6 . شرح كتاب ( فرائد الأصول ) لأستاذ الأسانيد الشيخ مرتضى الأنصاري ، وهو أكبر أساتذة النجف لأشرف في النصف الثاني من المائة الثالثة عشرة .
7 . لكل سؤال جواب : وقد صدر منه جزءان ، وقد جُمعت فيه أجوبة السيد المدني رحمه الله عن أسئلة السائلين ، وقد أشار إلى هذا الكتاب الدكتور حسين علي محفوظ .
وقد طُبعت جميع تلك الكتب في ( دار الزهراء للطباعة والنشر والتوزيع ) ـ بيروت ـ لبنان .
أما المؤلفات المخطوطة للسيد المدني رحمه الله ، فهي :
ـ كتاب كبير عالج فيه مسألة خلق القرآن الكريم بين المعتقدين والمانعين.
ـ شرح العروة الوثقى .
شرح تبصرة العلامة .
ـ مباحث الأصول .
ـ عبقات الإيمان .
ـ محاضرات الإمام في محرم الحرام .
ـ الكشكول ( جامع المعلومات ) ، وقد جمع فيه بديع النقول في المعقول والمنقول .
ـ رسالة في آداب النوم .
ـ رسالة في الروح .
ـ رسالة في نجاسة الكفر مطلقا .
ـ بحث في علم الأخلاق .
ـ حياة الرسول صلى الله عليه وسلم والأئمة الأطهار عليهم السلام .
ـ كشف الحجاب للمسائل الواردة لطلب الجواب .
حسينية السيد المدني في بعقوبة
يعود تاريخ حسينية بعقوبة إلى العام 1921م ، ففي ذلك العام قام الخطب الحسيني المعروف السيد صالح الحلي بتأسيس الحسينية ، محقِّقا حلمه الذي طالما حلم به ، بمساعدة الأخيار والميسورين والوجهاء والأعيان والأهالي في بعقوبة ومحافظة ديالى ، وبعد وفاته وقع الإختيار على السيد سعد الدين الشديدي وهو من علماء الدين في الكاظمية المقدسة ليكون العالم الديني في بعقوبة ومحافظة ديالى ، ولم يدم بقاؤه طويلا إذ وافاه الأجل فانتقل إلى رحمة الرحمن الرحيم ، وبقيت حسينية بعقوبة دون عالم ديني فترة امتدت لما يقرب من عشرة أعوام ، وبسبب طول تلك الفترة ، توجهت وفود من أبناء محافظة ديالى إلى المراجع العليا في النجف الأشرف ومنهم الإمام الشيخ محمد رضا آل ياسين والإمام السيد أبو الحسن الموسوي مطالبة بترشيح مرجع ديني لديالى وبعقوبة ، فوقع الإختيار على سماحة السيد عبد الكريم آل السيد علي حان المدني . وفي عام 1940م وصل السيد المدني رحمه الله إلى بعقوبة ، ومنذ لحظة وصوله لم ينزل في بيت من بيوت بعقوبة بل نزل في قلوب أهل بعقوبة وأهل ديالى عامة ، فقد استقبله الجميع بوافر المحبة وفائق التكريم وكثير التقدير ، وطيلة فترة بقائه في بعقوبة والتي بلغت ( 51 ) عاما عمل على جمع القلوب ولمِّ الأيدي ورصِّ الصفوف وكان حضوره دائما حضور خير وأهل خير ، وكان يحث على الدوام على تهدئة النفوس وحقن الدماء والحمل الصالح في كل مكان وكل زمان .
ويروي نجل السيد المدني رحمه الله الدكتور عبد الحايم المدني ( أن مجلسا حسينيا كان قد أقيم في أحد مساجد الخالص ، وكان الخطيب فيه يردد : يا شيعة أهل البيت ، يا شيعة أمير المؤمنين ، وكان رواد المجلس من المسلمين عامة ، فكتب أحدهم إلى السيد عبد الكريم المدني رحمه الله قائلا : إنني أرتاد المجلس الحسيني وأُكبر دور الإمام الحسين الشهيد عليه السلام في حفاظه على الرسالة المحمدية باستشهاده في سبيل كلمة التوحيد ـ لا إله إلا الله محمد رسول الله ـ ولكنني لست شيعيا ، فهل هذا المجلس لهم دون غيرهم أم أنه للمسلمين عامة من شيعة وسنة ، فما كان من السيد رحمه الله إلا أن توجه إلى الخالص وإلى المسجد المذكور تحديدا ، ثم سأل عن صاحب الرسالة فقيل له إنه موجود ، فقام السيد رحمه الله خطيبا موضحا أن السني هو من اتبع سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قولا وفعلا ، وأن الشيعي هو من والى رسول الله وآله واتبع هديهم ومنهجهم سلام الله عليهم أجمعين ، وأقسم في ذلك المجلس ـ وكان نادر القسم ولم يُسمع عنه أنه أقسم قبلا ـ أقسم بالله قائلا : والله إني لسني أطبق سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قولا وفعلا ، وإني لشيعي أحب محمدا وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين ) ، وقد ظلت مقولة السيد المدني رحمه الله تلك خالدة وتتناقلها الأفواه عاما بعد عام حتى يومنا هذا وستبقى ، ونذكِّر أن هذه الحادثة حصلت عام 1959م .
ولقد جمع السيد المدني رحمه الله بين تدريساته في الحوزة العلمية في النجف الاشرف وإمامته للمسجد الحسيني في بعقوبة ، وظل قرابة عشرين عاما يحاضر في الحوزة العلمية رغم وجوده في بعقوبة ، فكان يقضي وعائلته الكريمة ستة أشهر في النجف الأشرف ومثلها في بعقوبة ، حتى قارب الستين من عمره ، ولكنه بعدها لم يتمكن من فعل ذلك بسبب المرض الذي ألمَّ به وآلام المفاصل الذي لحقه والذي كان السبب وراء منعه من السفر الطويل .
ولا بد لنا هنا من أن نذكر أن السيد المدني رحمه الله قد قام بنفسه بتدريس نجله السيد علي ( وُلد في 18/10/1952م ) كل مـا يتعلق بـ ( المقدمات ) و( السطوح ) بعد حصوله على البكالوريوس في الفيزياء من كلية العلوم بالجامعة لمستنصرية عام 1974م ، ليكون بذلك جامعا ين علوم الدنيا وعلوم الدين ، ومن الخطب التي لا تُنسى للسيد المدني رحمه الله تلك الخطبة التي ألقاها في أخريات أيّامه وبعد أن أتعبه المرض والتي أعلن فيها أن سماحة العلامة السيد علي السيد عبد الكريم المدني هو الذي سيأتي من بعده إماما وخطيبا للحسينية ، موضحا أنه استخار الله تعالى في ذلك ، وقد وقف السيد المدني رحمه الله عام 1410هـ بين صفوف المصلين وأعلن تنسيب السيد علي المدني ، ثم توَّجَهُ بالعمامة ، فقام المصلون بتهنئة السيدين في تلك المناسبة المهمة .
وبعد رحيل السيد المدني رحمه الله تولى زمام الأمور بعده السيد علي السيد عبد الكريم المدني ، محاطا بأفئدة أهل بعقوبة وأهل ديالى ، وقد أثبتت الأيام أن سماحته كان أهلا لذلك الإختيار ، فقد استطاع أن يجمع القلوب من حوله على طريق حب الله ورسوله وآل بيته الأطهار وصحابته الأخيار .
بين السيد المدني والدكتور حسين علي محفوظ
كان شيخ بغداد العلامة الدكتور حسين علي محفوظ الذي رحل عنا في 20/1/2009م عن عمر ناهز الـ ( 83 ) عاما من أكثر الباحثين اطِّلاعا على جهود السيد المدني رحمه الله في البحث والدراسة ، وقد قال الدكتور محفوظ عن السيد المدني رحمه الله : ( يمثل السيد عبد الكريم آل السيد علي خان المدني خلاصة طلاب النجف الأشرف ، وعصارة خريجي مدرسة الفقه الكبرى في مدينة العلم ، سيرة وسريرة ، وخصالا وصفات ، وعلما وأدبا ، وخلقا وتقى ) .
وقد كتب الدكتور محفوظ عن السيد المدني رحمه الله بعد رحيله مباشرة دراسة مهمة نشرتها جريدة ( الجمهورية ) البغدادية على ثلاثة أجزاء وذلك في الأيام 9و10و11 حزيران 1991م ، وكانت تلك الدراسة بعنوان ( السيد عبد الكريم السيد آل السيد علي خان المدني : خلق عظيم وعمل صالح وطريقة مستقبمة ) ، وقد أسهب الدكتور محفوظ في سرد تاريخ السيد المدني رحمه الله وجهوده على الأصعدة كافة ، ومما جاء في تلك الدراسة : ( كان رحمة الله عليه يدعو إلى المحبة والمودة والألفة والقرب والدعوة إلى التحاب والتواد والتراحم والتعاطف ، وهي دعوة النبي العظيم ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعترة النبي أهل البيت ـ عليهم السلام ـ وعلماء الدين الطيبين ، وهي من الدروس التي تلقاها في بيته المؤثل وبلدته المقدسة النجف لأشرف وأساتذته العقلاء الفضلاء ، وهي من خصائص العراق التي تعاطفت فيه الأديان واعتنقت المذاهب وتواصلت الآراء ) .
ولا يفوتنا أن نذكر أن الدكتور محفوظ هو الذي كتب ( تصدير ) الكتاب الذي قام بتأليفه السيد سعدي عبد الرزاق دفتر القيسي عن حياة السيد المدني رحمه الله والذي كان تحت عنوان ( في ذكرى الإمام السيد عبد الكريم آل السيد علي خان المدني ) والذي صدر في عام 1992م في الذكرى الأولى لرحيل السيد المدني رحمه الله ، وأشرف على طبعه الدكتور عبد الحليم السيد عبد الكريم المدني ، وقد جاء ذلك ( التصدير ) تحت عنوان ( السيد عبد الكريم آل السيد علي خان المدني : خريج النجف الأشرف مدينة العلم ومدرسة الفقه الكبرى في العالم الإسلامي ) ، ومما جاء فيه : ( يعتبر المرحوم السيد عبد الكريم آل السيد علي خان المدني من اواخر طلاب مدرسة النجف الأشرف ومدرسة الفقه الكبرى في العالم الإسلامي ، ومن أفاضل خريجيها الكبار في عهده الأخير ، في النصف الأول من القرن الماضي ) .
رحم الله السيد عبد الكريم المدني والدكتور حسين علي محفوظ وأسكنهما فسيح جناته ، فقد كانا علمين زاهرين من أعلام العراق الخفاقة عاليا .
نقاط بارزة لا بد من ذكرها
1 . قام السيد المدني رحمه الله في عام 1961م بهدم المبنى القديم للمصلى الذي كان سقفه من جذوع الأشجار والذي مضى عليه أكثر من أربعين عاما في ذلك الوقت ، وبناء المصلى الجديد على أفضل وجه باستعمال الحديد والطابوق وأصبح المصلى يتسع لعدد أكبر من المصلين .
2 . في نهاية عقد الستينيات من القرن الماضي قرر السيد عبد الكريم المدني رحمه الله إزالة المنشآت القديمة باجمعها وتجديدها وإقامة مبنى خاص ضمن الحسينية لمشروعه الثقافي الكبير ( مكتبة الإمام الحسين عليه السلام العامة ) لتي كانت نواة لإنشاء ( كلية الإمام الحسين عليه السلام للدراسات الإسلامية ) والتي كان ينوي أن يكون التدريس فيها للمذاهب الإسلامية كافة ، وهكذا تم هدم الأجزاء القديمة وأقامة بناء جديد تضمن المصلى الذي شيد دون أعمدة وسطية وتم فتحه على ساحة الحسينية بعد استبدال حائط المصلى بقاطع زجاجي إذا ما فتح أصبحت الحسينية ساحة فسيحة تتسع لآلاف المصلين في الأعياد والمناسبات خاصة قي شهر رمضان المبارك وشهر محرم الحرام .
وتم افتتاح المكتبة لكل المتلقين الذين كانوا يرتادونها ويبحثون في مراجعها ومصادرها التي زادت على الخمسة عشر ألف عنوان في التفسير والحديث والسنة والفكر الإسلامي والفقه والأصول ( على اجتهادات كافة المذاهب الإسلامية) والعلوم الصرفة واللغات وآدابها وجميع جوانب المعرفة، وقد نهل من هذه المؤسسة العديد من الأسماء التي ظهرت على ساحة العراق الثقافية والعلمية والفكرية والذين ما زالوا يتذكرون فضلها العلمي والثقافي عليهم .
3 . حقق السيد المدني رحمه الله احد مشاريعه الكبرى ببناء مأذنة الحسينية الشهيرة التي بنيت على الطراز الإسلامي المشابه لمآذن العتبات المقدسة في العراق ، وتمت الاستعانة بخبرات معمارية وهندسية عراقية فبلغ ارتفاعها ستة وأربعين مترا من مستوى الشارع العام واشتهرت بذلك الارتفاع على مستوى العراق كله .
4 . بعد تولي سماحة السيد علي السيد عبد الكريم المدني المسؤولية الدينية بعد والده المرحوم السيد عبد الكريم المدني قام بإعداد مشروع عملاق للانتقال بالحسينية نقلة حضارية كبرى بجعلها مؤسسة إسلامية علمية مرموقة , وصولا إلى إقامة ( حوزة بعقوبة العلمية ) التي تليق بالقرن الحادي والعشرين ، ففي نهاية العقد التسعيني من القرن الماضي أحيل مشروع بناء الحسينية إلى إحدى المؤسسات الاستشارية الهندسية العراقية المعروفة لإعداد مخططاته فتم هدم البناية القديمة كلها عدا مأذنتها التاريخية التي أبقيت تخليدا لذكرى السيد المدني رحمه الله الذي وضع حجرها الأساس بيده المباركة ، ثم أحيل المشروع إلى إحدى الشركات الهندسية الكبيرة لتنفيذه فبدأ العمل به في مطلع القرن الجديد ، وقد احتوى البناء الجديد على مصلى ضم المساحة الأكبر من ارض الحسينية الذي صمم على أساس القاعة الكبرى المغلقة تعلوها قبة سماوية زينتها الآيات القرآنية الكريمة ارتفعت بحدود الثلاثين مترا كما كان هناك طابق علوي لصلاة السيدات مشرف على المصلى الكبير وكان يؤمل أن يتسع المبنى الجديد بعد انتهائه لآلاف المصلين ، وقامت في الطابق الثاني من المبنى ( مكتبة السيد المدني العامة ) التي احتوت على قاعة للمطالعة ومخازن للكتب ، كما احتوى المبنى الجديد على قاعة الاستقبال الخاصة بالعالم الديني ومواقع إدارية منها قاعة الانترنيت والحاسب الآلي والمكتبة الالكترونية وأستوديو للبث التلفزيوني والنقل الداخلي وأجهزة الصوت وأقيمت شاشات عرض كبيرة في طابقي الحسينية ، وبنيت محال الوضوء والحمامات في مبنى خارجي ملحق من أوقاف الحسينية يقع أمام المبنى الرئيسي مباشرة ، لقد كان البناء الجديد بناء يليق بمؤسسة دينية كبرى هي ( مؤسسة الإمام المدني الإسلامية ) وهي مؤسسة حضارية تدخل القرن الحادي والعشرين من أوسع أبوابه ، ولما كان البناء قد أوشك على الانتهاء حصل الإحتلال الأميركي للوطن في ربيع2003م فتوقف البناء وتعرضت الحسينية لعمليات تخريبية أربع مرات لم يكن آخرها نسف مأذنته الشهيرة التي بقيت انقاضها تحكي قصة طموح للعمران والتحضر والتجديد الديني للوصول بالمؤسسة الدينية الإسلامية التي اقترن اسمها باسم سيد الشهداء الحسين بن علي عليهما السلام وحفيده البار التقي السيد المدني رحمه الله إلى مصاف حداثوي معاصر .
5 . عادت حسينية السيد عبد الكريم المدني رحمه الله عام 2009م إلى مزاولت مهماتها باندفاع إيماني كبير ، وسط ابتهاج وترحيب الجميع ، وهذا ما أزعج اعداء الله الذين ارتكبوا عملا إجراميا كبيرا في شهر رمضان المبارك في ذلك العام حين قام مجرم يحمل حزاما ناسفا بتفجير نفسه في شارع الحسينية ، في الوقت الذي كانت تقام فيه صلوات التراويح ، فراح ضحية ذلك الفعل الإجرامي الجبان عدد من الشهداء والجرحى ، ولولا فطنة المسؤولين عن أمن الحسينية وانتباههم الشديد وتضحيتهم بأنفسهم حماية لضيوف بيت الله العلي القدير لتمكن ذلك المجرم من الدخول إلى الحسينية ولحصلت من جراء ذلك الدخول مجزرة دفعها الله عنا .
واليوم يشرف على الحسينية حماها الله من كل مكروه الحاج السيد طاهر عصفور باعتباره وكيلا عن سماحة العلامة السيد علي السيد عبد الكريم المدني ، ويعاونه الحاج قاسم عباس أمير ، الذي يؤم المصلين ويقوم بإلقاء خطبة الجمعة فيها .
المراثي : وداع صادق للراحلين
رثى السيد المدني رحمه الله أكثر من أربعين شاعرا عراقيا ، وقد ضمَّ كتاب ( في ذكرى الإمام السيد عبد الكريم آل السيد علي خان المدني ) لسعدي عبد الرزاق دفتر السعدي قصائد أولئك الشعراء وكنت واحدا منهم ، وقد كان عنوان قصيدتي ( مرثية الموحِّد ) ، وقد ألقيتها في الحفل التأبيني الكبير الذي أقيم في حسينية بعقوبة في ختام أيام مجلس الفاتحة الثلاثة ( 5 حزيران 1991م ) ، ومما قلته في تلك المرثية :
يا سيِّدي كلماتي اليـــومَ تختنقُ
فإنَّني عن نعيمِ العلمِ أفترقُ
يمضي الرِّجالُ وتبقى بعدهم طرقٌ
يسعى لها النّاسُ أنّى ضاقتِ الطُّرُقُ
إنّي لأرثي جبيناً عاشَ مرتفعاً
مثلَ الجبـــالِ ومنهُ النّورُ يندلقُ
إنّي لأرثي عيوناً حطَّمتْ أُطراً
كانتْ تُفرِّقُ عـــن عَمْدٍ وتفترقُ
( عبد الكريمُ ) مِنَ الأخيارِ ما ارتفعَتْ
كفّاهُ إلا بقولٍ ليـــس يُخترقُ
وها أنا مِنْ مكانِ الحقِّ أنطلقُ
لكي أقولَ كلاماً ما بـــهِ قلقُ
واللهِ إنَّكَ شيعيٌّ وإنَّكَ سُنِّـ
ـيٌّ وإنَّكَ باســــمِ اللهِ تتَّفقُ
أنتَ الموحِّدُ لا زلفى أُردِّدُها
وإنَّني بسواكَ اليـــومَ لا أثقُ
pr checker seo value backlink service getting backlinks
ردحذفرحم الله ذلك العالم المجاهد الجليل , ووفق الله أهالي بعقوبة الكرام الذين يحيون ذكراه بعدما التفوا حوله فكان لهم أباً وكانوا له أولاداً , الفاتحة لروحه وأرواح شهداء بعقوبة والعراق ...
ردحذفاسكنه الله فسيح جناته ان شاء الله تعالى
ردحذفرحم الله السيد المربي الكبير وحفظ الله لنا تلك الوجوه الخيّرة من ابنائه الكرام وشكرا جزيلا لطرح هذا الموضوع المهم
ردحذفرحم الله السيد المربي الكبير وحفظ الله لنا الكرام الطيبين من ال المدني
ردحذفمشاعري تتغلب على كلماتي لذا فالدموع لذكرهم تنساب.. آل المدني الكرام طبتم حيثما كنتم
ردحذف