ادباء مهجّرون... الشاعر والمسرحي والناقد بلاسم الضاحي في ضيافة ( بعقوبيون)

* عملية التهجير الرخيصة لم تؤثر ولم تتحول عندي إلى محنة قاسية * الواقع الثقافي في ديالى كان وما يزال وسيبقى واقعا حيويا معطاءً حاوره: ضياء السيد كامل مبدع لا يمكن ان تُـؤرَخ الثقافة في مدينة بعقوبة الاّ وهو في طليعة مبدعيها عرفته منابر الشعر والمسارح وشوارع مدينته وبساتينها شاعراً ومسرحياً وناقداً وإنساناً طيباً كما الخبز انه بلاسم إبراهيم الضاحي الذي ولج الحياة عام 1957 في محافظة ديالى – قضاء بعقوبة – ناحية كنعان – 60 كم شرق العاصمة بغداد. ماجستير / أكاديمية الفنون الجميلة – قسم الفنون المسرحية – جامعة بغداد – 1980 – 1981 ، عضو اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين و عضو اتحاد المسرحيين العراقيين. كان محظوظاً اذ اتاح له القدر ان يتتلمذ على يد أعلام الأدب والمسرح العراقي ( الأستاذ بدري حسون فريد والأستاذ سامي عبد الحميد / في الصوت والإلقاء ، الدكتور عوني كرومي والفنان الكبير محمد توفيق / في التمثيل والإخراج ، والأستاذ جعفر علي والأستاذ هاشم النحاس / في التذوق السينمائي ، والدكتور علي جواد الطاهر والدكتور جميل نصيف والدكتورة وفية أبو أقلام / في الأدب والنقد) . اخرج الكثير من الأعمال المسرحية كان اهمها: (عائد عكس السير) إعدها الشاعرالراحل أديب أبو نوار / عن قصة للكاتب غسان كنفاني عام 1979 ، ( جدوا لها عنوان ) تأليف جليل القيسي عام 1980، ( أغنية التم) لـتشيخوف / أطروحة في كلية الفنون الجميلة، (طيور تبحث عن سماء) إعداد وإخراج . وعمل ممثلاً في العشرات من الاعمال المسرحية منها ( الخناك ، اليوزباشي / اخراج سالم الزيدي )، ( كوريولان ، غاليلو / اخراج د. عوني كرومي) ، (كلكامش / إخراج الفنان الكبير سامي عبد الحميد ) ، (مارا صاد إخراج مقداد مسلم ) . صدر له (يا عراق الله) بغداد 2001 ، ( لم أعد أحلم ... وأنت؟ ) ، ( بعد موتي بقليل). هجّر تهجيراً قسرياً من بيته ومدينته التي تربى ونشأ واحب فيها مفارقاً كل الذكريات الجميلة خلفه حاله حال العشرات من ادباء ومثقفي وفناني محافظة ديالى لكنه رغم ذلك لم ينثني فها هو يتنفس الحياة مع ابداعاته الادبية والثقافية مؤكداً بقوله (العراق وطني بكل مكوناته ومدنه سواء عندي أكنت في بعقوبة أم في السليمانية أم في البصرة لذلك فان عملية التهجير الرخيصة لم تؤثر ولم تتحول عندي إلى محنة قاسية . بقاء الأديب بعطائه الأقوى من سيوفهم الخائبة ورصاصاتهم الطائشة ، القادم لنا ـ أخي العزيز ـ وما لهم سوى الندم والذل والخيبة) . وقد فاز مؤخراً بالجائزة الثالثة في المسابقة الكبرى التي اقامها نادي القصة العراقية في اتحاد أدباء وكتاب العراق عن بحثه ( معطيات المكان / منجزات الحوار ) قراءة في المجموعة القصصية الموسومة ( محطات قصية ) للقاص سعد محمد رحيم. ولمناسبة فوزه هذا التقيناه ليكون لنا معه هذا الحوار. س/ الجراد الذي اجتاح مدينتك وهجّرك من ديارك كيف تعايشت مع هذه المحنة القاسية ؟ كل ما يحتاجه الأديب ... فسحة من الآمان كي يستطيع أن يتواصل بعطائه مع المشهد الثقافي ، لكني أجد حتى هذه الفسحة أضيفت إلى قائمة الأمنيات المؤجلة كون المثقف عائق كبير في وجه المد السوداوي ، ألظلامي الذي أرادوا له أن يعم ويحجب زرقة سماء الوجود الإنساني فمارسوا هجمتاهم الوحشية التي لا تبقي ولا تذر في محاولة لإلغاء كل مصادر إشاعة البهجة التي يبثها الأديب والمثقف فمارسوا وحشية الذبح والتهجير والإقصاء دون رادع أو رقيب ، كي تظل الساحة مظلمة ولتسبح خفافيشهم العمياء في أجوائها العفنة ، كي لا يروا إلا أنفسهم المريضة ، هذه الأفعال مهما اشتدت وعظمت لا توقف عجلة الإبداع الخالقة لغد مشرق لذلك بقيت كل الأسماء المبدعة أقمارا تنير شوارع مدن العراق ، لم تنجح أقزامهم من الوصول إلى مصادر إشعاعها لعلو هامات أصحابها الشامخة رغما عن أقزامهم شراذمهم المهزومة . العراق وطني بكل مكوناته ومدنه سواء عندي أكنت في بعقوبة أم في السليمانية أم في البصرة لذلك فان عملية التهجير الرخيصة لم تؤثر ولم تتحول عندي إلى محنة قاسية . بقاء الأديب بعطائه الأقوى من سيوفهم الخائبة ورصاصاتهم الطائشة ، القادم لنا ـ أخي العزيز ـ وما لهم سوى الندم والذل والخيبة . س/ كيف ترى الواقع الثقافي في ديالى بعد إغلاق أبواب اتحاد الأدباء بسبب الإرهاب واستشهاد وتهجير العشرات من أعضاءه ؟ اتحاد الأدباء نافذة نطل منها وتطل بنا على الآخرين ، نافذة ضوء تبث روح الجمال وتنثر عطر القداح ، توزع مئونة الفرح للفقراء والابتسامة للأطفال ، هذا سلاح الاتحاد الذي به قاتل أعداء الإنسانية وهزمهم رغم متاريسهم المحشوة بالموت . اتحاد الأدباء ليس مكانا فقط بل كينونة وصيرورة حياة يمتلكها أعضاءه فمن استشهد منهم ـ رغم خسارته ـ يظل كائنا بما كان عليه من إبداع ويظل علامة مهمة تؤشر أهميتها أمام خسة القتلة . ومن بقي منهم يواصل عطاءه حتى لو أغلق الاتحاد ـ كمكان طبعا ـ أبوابه فكل أديب ومثقف اتحاد أدباء يستطيع أن يفتح أبواب الجمال في كل زمان ومكان ولكل عمل خير . والواقع الثقافي كان وما يزال وسيبقى واقعا حيويا معطاء ، منيرا ومشرقا . س/ هل حقاً ان المثقف العراقي يعاني التهميش والإقصاء بسبب المحاصصة، كيف تنظرون لمستقبل الثقافة العراقية في ظل هذه الأجواء ؟ الثقافة في كل زمان ومكان تعمل بأحد المحورين إما مع السياسية والسياسيين وفي هذه الحالة تتحول إلى وسيلة إعلامية أو تقترح وتؤشر وتوجه وتراقب الخط البياني للسياسة نحو تحقيق المنهجية السليمة التي يتعامل بها السياسي مع الإنسان وعليك أن تقدر مع أي محور تتعامل الثقافة اليوم ؟ . الثقافة لا يمكن لأي قوة في العالم ان تهمشها ، الثقافة كائن ذاتي ينطلق بقوة أكبر من قوة التهميش ما نجده اليوم طارئ مؤقت لا يكدر صفو الثقافة حتى لو أجبرت على ان تظل خارج مكانها الحقيقي وأنا شخصيا أجد من الأفضل للثقافة ان تعيش خارج أجواء الصراعات السياسية تراقب ـ في هذه الفترة على اقل تقدير ـ كي لا تتلوث بسموم الخلافات ومعطياتها السلبية التي تؤثر على سلامة الثقافة والمثقف في الغد ، أما إذا كان هناك ثمة من يعاني من التهميش فهذا شئ آخر أظنه كان يبحث عن موقع له في مشهد الإدارة السياسية ولم يجده فنمت عنده عقدة التهميش وينطلق من شخصانيته ليعممها على كلية المشهد الثقافي بشكل عام . الثقافة جمال ... فمن يستطع تهميش الجمال ؟ س/ ما بين الشعر والنقد والمسرح أين تجد نفسك وأيهما أغواك للكتابة أولا ؟ أنا كتبت الشعر قبل أن اعرف المسرح وتخصصت بالمسرح وأنا اكتب الشعر بل ذهبت إلى المسرح لأني شاعر فكلاهما يشتغل على خلق الصورة المدهشة وخلق الجمال . ومارست النقد على أعمالي الشعرية والمسرحية فوجدتني شاعرا ومسرحيا وناقدا ... وللاسترسال في الإجابة أقول : أن لكل من هذه التوجهات الثلاثة أدواته ومولداته . فالشعر مثلا محض ذات يكتفي بك منفردا بمعنى انه نشاط شخصي أما المسرح فهو عمل جماعي يحتاج إلى ظروف إنتاج عملية وجماعية فهو يحتاج إلى كاتب والى ممثل والى مخرج والى فني والى مكان عرض والى جمهور. أما النقد فهو عملية ( بعدية ) بمعنى انه تحتاج إلى مدوّنات مقروءة والى موجهات وذائقة ونباهة لإعادة إبداع النص نقديا وتقديم اقتراحات وموجهات للقارئ غير الناقد ، ويعيّن مواقع النجاح والإخفاق في النص لذلك فان لكل من هذه التوجهات الثلاثة أو الاهتمامات التي اشتغل عليها ظروف ومعطيات وحاجة ، أجد نفسي في كل توجه انجح في أن أقول شيئا مهما من خلاله . س/ بعد القرار المجحف من قبل اتحاد الأدباء العرب في تعليق عضوية اتحاد الأدباء العراقي هل تعتقد أن المثقف العراقي بحاجة إلى أن يأخذ مشروعيته منه؟ كل الاتحادات والمنظمات والتجمعات وما شاكلها كاتحادات الطلبة والمعلمين والعمال والفلاحين الخ تحتاج إلى اخذ شرعيتها من خارج تكوينها إلا اتحاد الأدباء ... فان شرعيته من شرعية وجود أعضاءه فان كانوا مبدعين ولأسمائهم شرعية إبداعية فهذه هي شرعية اتحادهم وليس لاحد الحق في ان يسلب هذه الشرعية ، أما إذا كانوا على غير ذلك فليس لأحد الحق في أن يمنح شرعية لمن لا شرعية له . س/ النشر عبر الانترنت هل أتاح الفرصة للمثقف العراقي في الانتشار عالميا بعيداً عن مزاجية وديكتاتورية محرري الصفحات الثقافية في الصحف اليومية؟ اليوم نجد ان معظم الصحف اليومية تملا صفحاتها الثقافية من الانترنت فأكاد اجزم أن ليس هناك صحيفة يومية أو أسبوعية لا تعتمد( النت ) مصدرا لتمويلها بمواد جاهزة للنشر. النت فتح أمام الأديب والمثقف آفاقا واسعة في الاطلاع والتسويق والانتشار بعدما كان مقتصرا على النشر في الصحف المحلية التي لا تعبر الحدود ، إضافة إلى أنه حرم محرري الصفحات الثقافية من ( متعة ) أن يمارسوا دكتاتورية الأمس في النشر لتعدد الصحف وكثرتها اليوم ، فإذا لم تجد في هذه الصحيفة مكانا لنشر نتاجك الأدبي تجد أكثر من مكان آخر ، أفضّل النشر على شاشات النت وللصحف ان تأخذ ما تجده مناسبا لصفحاتها الثقافية . وكثيرا ما نجد ما ننشره على النت في صفحات صحف عراقية وعربية دون استئذان من الكاتب على اقل تقدير . س/ رغم التهجير والتهديد وتركك لديارك ما زلت متواصلا في مشوارك الثقافي ماذا يعني فوز بحثك في مسابقة القصة القصيرة التي أقامها نادي القصة ؟ النحلة تنتج العسل وعلى الآخرين حق اختيار طريقة حفظه ، ودودة القز تنتج الحرير وللآخرين حق اختيار طريقة ارتداءه والأديب والمثقف ينتج الجمال وللآخرين حق اختيار ما يناسبهم منه . بعد أن أعلن اتحاد أدباء وكتاب العراق عن المسابقة الكبرى التي يقيمها نادي القصة العراقية قدمت بحثا بعنوان ( معطيات المكان / منجزات الحوار ) قراءة في المجموعة القصصية الموسومة ( محطات قصية ) للقاص سعد محمد رحيم واختير البحث ضمن الجوائز الثلاث ، بالطبع أسعدتني هذه النتيجة وكانت محفزا آخر للاستمرار في التشبث بالكتابة رغم ظروف التهجير وما ألقى علي من ظله رغم إني استطعت أن اخرج من فضاءه نحو فضاءات الكتابة والإبداع وإصراري على أن أعلن وجودي في أي مكان وتحت أي ظرف . س/ أين أنت الآن وما هو جديدك؟ الآن دفعت إلى دار الشؤون الثقافية العراقية مخطوطة شعرية بعنوان ( بعد موتي بقليل ) وهي المجموعة الثالثة كتبتها بعد احتلال العراق . إضافة إلى ثلاثة كتب نقدية ( مرايا الماء 1 ) قراءة نقدية في الشعر و( مرايا الماء 2 ) قراءات نقدية في القصة و( مرايا الماء 3 ) كتابات في المسرح أتمنى أن تجد طريقها للنور إضافة إلى ما انشره في الصحف مثل المدى والزمان وجريدة الأديب العراقية وكتابات في الانترنت ، واحضر لنيل شهادة الدكتوراه في المسرح من الجامعة الدنمركية عن طريق الانترنت.