قصة قصيرة فتاة في المطر / سعد محمد رحيم


تمشي الفتاة في المطر.. يداها في جيبي قمصلتها الجلدية.. المطر يهمي على رسله، وثلاثة شبان يقفون تحت مظلة متجر مغلق، تتعلق بها عيونهم، غير أنها لا تكترث.. تترك الرصيف وتنزل إلى وسط الشارع.. الشارع، الآن، ساقية متدفقة.. تمر بمحاذاتها شاحنة تطلق صوت منبه صارخ وترشها بالماء. هي لا تكترث أيضاً.. نظرتها مصوبة إلى نقطة، أمامها، بعيدة، والماء يقطر من شعرها على جلد قمصلتها، يهبط على بنطالها الجينز، على حذائها الرياضي.. خطواتها ليست
سريعة، ليست بطيئة كذلك، وليست متبخترة.. إنها واثقة.. هذه هي الكلمة الصحيحة؛ خطواتها تشي عن ثقة بالنفس، عن كبرياء. الشاب الجالس خلف زجاج المقهى الذي يتابعها بنظره، يخمِّن عمرها؛ ستة عشر عاماً.يخمِّن اسمها؛ لبنى، أو سناء.. لبنى. يفكر؛ هذه البنت مهمومة، أو هي تتحدى وضعاً ما.. قد يكون خذلها حبيبها.. يبدو الأمر هكذا. وعلى حين فجأة ينتابه شعور كما لو أن تغيراً هائلاً على وشك أن يطرأ على حياته، فيقرر بتصميم عالٍ، أن يغادر مكانه في دفء المقهى ويخرج إلى الريح والمطر. يلحق بها.

ـ لبنى.

تقف وتلتفت نحوه.

ـ نعم.

يأخذ نفساً عميقاً.

ـ أنت لبنى إذن.

ـ أنا لبنى، من أنت؟.

ـ أنا علاء.

يبصر شعاعاً آسراً في عينيها.

ـ أهلاً علاء.

المطر يشتد، والريح. بيد أنه لا يعرف على وجه الدقة ما عليه أن يقول.. يقول؛

ـ ماذا لو نركض.

تبتسم، ابتسامتها ناعمة، دافئة.

ـ نركض؟!.

تمط شفتيها، ويرفع هو رأسه باتجاه السماء.

ـ إنها تمطر.

تفتح هي ذراعيها.

ـ إذن، نركض.

ـ وليقولوا ما يشاؤون.

تضحك.

ـ ليقولوا.

ـ مجنونان.

تصيح؛

ـ عاشقان.

ـ لا يهم من سيغلب.

تشد قبضة يدها وتهزها.

ـ لا يهم.

يصعد إلى وجهها دم نشوة حارقة، فيلتمع خدّاها، فيما ماء المطر يسيل عليهما.

ـ هيّا.

ثم.... لا يسمعان سوى طرطشة الماء المتطاير من تحت أقدامهما القوية.