الهويدر ... مدينة من ذهب ... مدينة من نور ..... كتابة عمر الدليمي / تصوير سامي ابو ريا



* الهويدر ... مدينة من ذهب ... مدينة من نور

* زارها الملك فيصل الأول وكتب عنها الملا عبود الكرخي

* اقترحها نهر ديالى على الطبيعة ، فاقترحت الجمال على الحياة

* الهويدر ... شريعة بيضاء وهواء عذب


أنا رأيت ...

رأيت ليمونا يقرا قصائد وفواخت ترتل آي من الحب الكبير ؟

انأ رأيت شاعرة ونهرا وضحكة بلاد ، فهل نظرت مليا وعرفت سرا ؟

أنا تعلمت أسرارها قبلة ، قبلة ، فوجدت نهارا يضيء حلما بعيدا بالسلام ، فهل تذوقت طعم التحية في ارض قال لها الله - تعالى من قائل - عليك السلام وعليك العطاء واليك النعمة موفورة هانئة ؟

إنها الهويدر التي أراد لها الرحمن أن تكون قطعة من جنانه أرضا ونِعَمَا وإنسانا مؤمنا صبورا حييا عطاء .


في فورة تيه ثملة بجمال المكان كتب الشاعر الكبير جبران خليل جبران :

هل تخذت الغاب مثلي منزلا دون القصور

وتتبعت السواقي وتسلقت الصخور

هل تحممت بعطر وتنشفت بنور

وشربت الفجر خمرا في كؤوس من أثير

هل جلست العصر مثلي بين جفنات العنب

والعناقيد تدلت ككريات الذهب

هل فرشت العشب ليلا وتلحفت الفضا

زاهدا فيما سيأتي ناسيا ما قد مضى

إنني اتسائل ماذا سيكتب جبران لو عاش ليلتين - كما عشت أنا - في ارض وفضاء وحضن الهويدر ، آنذاك عانقني ليمون وغرد لي صباح واحتفت بي حلاوات وهنأتني قصائد أو تذكرين ؟

قمر وليمون وقصيدة ،..

كان ديالى ينساب هادئا بابتسامة جن فيها شعراء ورسامون وحالمون.

أو تذكرين يا صديقة ذلك الجرف الذي اشتعل بالأخضر الشفاف والفواخت ؟

انه يسال أشجار صافحتك - ذات سلام - كل مساء عنك .

يا أنت ... ما زال عطرك يلهم عصافير ويقترح أغنيات ، وكم سمعت خريسان يضحك محتفلا بذلك الاسم الغريب الذي اقترحته قصيدتك لزمن لن يذبل ما مرت قرى وما حاول عشاق أن يرسموا شهقة الفجر وهي تهدهد وردة تتوسد كف الندى .

تلك كانت الهويدر التي أسبغت على روحي صباحا لن أنساه ما سرى في عروقي شعر وما خزن القلب من ذكريات .

ها أنا ذا أعود للهويدر أ ابحث عنك ، أم ابحث عني ، أم أحاول أن استكشف شيئا يطمئن روحي بان العراق ما زال يعيش حلمه رغم كل ما حل به ؟

سؤال أجابت عنه عيون الهويدراويون وأنا أتجول في بلدة رفعت الإيمان والسلام والمحبة راية فوق منار شامخ المقام اسمه الإنسان في هذه الأرض فطوبى لكل سيدة وسيد عاش ويعيش قريرا عليها .



الهويدر .. جغرافيا احلام .. جغرافيا محبة

عجيبة هي علاقة الإنسان بالنهر ، فمنذ أن وجد على البسيطة اتخذ من النهر مصدر رزق ووسيلة لحياته وكل الحواضر المهمة في العالم قامت على أكتاف الأنهر .

لقد أحب الإنسان النهر وقدسه مثلما شكل مصدر خوف وقلق دائم له ، بل ومصدر خطر حقيقي في أحيان أخرى .

قريتنا أي ( الهويدر ) هي إحدى المدن التي قامت وتشكلت بفعل النهر ، واعني به نهر ديالى العظيم .

هذا النهر الذي لا يمل التاريخ سيرته ، ففي حوضه وعلى أكتافه قامت عشرات المدن والحواضر منذ آلاف السنين وما زالت قائمة تحكي قصة الإنسان .

ولان ديالى يجري في أراض طينية ، فانه غالبا ما يغير مجراه مدفوعا بعوامل جغرافية متعددة ، ومن هنا شكل ديالى في حالة من حالات مزاجه الشعري منطقة الهويدر بعدما اقترح على مياهه تغيير المسار الروتيني الذي كان يتبعه ، ملتفا على أحلامه القديمة ، ليحظ بالتالي بماسة خرافية الجمال هي الهويدر الآن !

أ رأيت ،..؟

أنا رأيت ديالى يقهقه عاليا وهو يتأمل طفلته المترعة عذوبة ( الهويدر ) ، فهل رأيت أنت ؟

أي نهر يستطيع وبهداية من الرحمن أن يَخْلِقِْ ؟

انه ( تامرا ) العظيم صانع حضارة البشرية فلتنحني له الأزمنة .

فالهويدر ونتيجة من تغيير النهر لمساره تمثل شبه جزيرة بعدما احتضنها ديالى من جهات ثلاث فلا عجب أن لها مدخلا واحدا تحيط به نخيل باسق و

بساتين الحمضيات وللشمال منها تقع قرية خرنابات التي يفصلها عن الهويدر التفاف نهر ديالى وفي الشرق منها يجري بكر ديالى ، نهر المحبة ( خريسان ) الذي تروى بساتينها من مياهه وتتصل به من خلال مدخلها الوحيد وفي الأعلى من كل ذاك تقع ناحية العبارة والى الجنوب تقع مدينة بعقوبة التي تتبعها الهويدر إداريا وترتبط معها بطريق مبلط .

الشريعة البيضاء

عاشق الهويدر وتاريخها ، ابنها البار الأستاذ عبد الكريم جعفر احمد مدير تربية محافظة ديالى السابق التقيناه في مكتب اتخذه محلا لأبحاثه ولقاء أصدقاءه وجمع فيه كل ما يعني الهويدر من وثائق وكتابات فسألناه عما في جعبته فيما يتعلق بتاريخ الهويدر فحدثنا قائلا :

- يقول فرمان عثماني مؤرخ في 529 للهجرة أي سنة 1551 ميلادية - يحفظ الهويدراويون نسخة منه وهذه النسخة جيدة ولم تتعرض للتلف إلا بجزء يسير منها لم يؤثر على محتواها .

المنطقة كانت تسمى الشريعة البيضاء قبل أن تكنى باسمها الحالي وقد سجلت هي ومنطقة خرنابات ودكة القاطع ( أي ناحية العبارة الحالية ) وحد مكسر والدوريين ملكا صرفا – وفق الفرمان الذي ذكرنا – باسم القائد العربي رضي الدين بن صدر الدين الشيباني تكريما له من قبل الوالي حسن الطويل نظرا لبلائه الحسن في صد القوات الفارسية التي غزت العراق في تلك الفترة وان أصل التسمية الحالية هو ( هوا دار ) أي ما يعني بالفارسية الهواء النقي ، أو ( هواء أيدر ) أي ما يعني باللغة التركية ، الهواء العذب .

أما المرحوم مصطفى جواد – والكلام للأستاذ عبد الكريم جعفر – فيقول حسب رسائل حصل عليها من مكتبة السور بون في فرنسا والمسماة ( رسائل ابن الشبرسي ) ، إن أصل تسميتها جاء من شخص اسمه (حويدر ) تصغيرا لحيدر وقد ذكر ذلك نيبور في رحلته سنة 1766 ميلادية حيث قال .. ( لقد عبرنا بمعبر من خان السيد إلى قرية الحويدر ) وخان السيد هو خان اللوالوه الحالي .

أول من سكن المنطقة هم المعدان ( مربي الجاموس ) وكان يطلق عليهم ( الدبات ) نسبة إلى الدابة وسكنوا منطقة تسمى الآن ( مال دبي ) ومن ثم انتقلوا إلى بستان آخر تدعى أيضا ( الدبابيس ) ومن ثم سكنتها عشائر ربيعة من آل ليلو وعشيرة طي وتميم والشيبانية وغيرها من عشائر العراق .

الهويدر حياة بطعم البرتقال

يحتفظ محدثنا الأستاذ عبد الكريم جعفر احمد بأختام وعقود زواج ووثائق تعود لسنين خلت وكل هذا هو تعبير جميل عن المحبة التي تربط الإنسان بالأرض ، انه وطن ، وهل أغلى وأحلى وأجمل منك يا وطن .. يا عراق ، ويالهويدر ، يا دالية المحبة والعذوبة وأنشودة أزمنة استقرت على قمة تاريخ هذه الأرض .

أثناء تجوالنا في دروب الهويدر وإذ كنت أتحدث لشيخ جليل لفت نظري رجل يعتمر ( الجراوية الهويدراوية ) ويضع يديه في حزامه الجلدي الأحمر العريض وهو ينادي على مأدبة سوف تقام في احد بيوت القرية حاثا الناس إلى تشريف الداعي صاحب المناسبة وعندما تطلعت في الوجوه لم أجد من يستغرب الحال إلا أنا ، إذ اعتاد الناس أن يسمعوا صوت الحاج لطفي حميد حساني وهو المنادي الرسمي للقرية والذي تنحصر مهمته بإعلام المواطنين بكل الأحداث والمناسبات وإعلانات بيع المنازل والبساتين ويقول انه ورث المهنة عن أبيه .

و نواصل الحديث مع المربي عبد الكريم جعفر احمد فيفدنا قائلا :

- عام 1920 زار الملك فيصل الأول الهويدر وحل ضيفا في منزل جميل زاده والتقى الوجيه شارود أفندي الذي كان من زعماء الحركة البهائية في العراق ويقال إن الملك فيصل كان يعتنق المذهب البهائي ولهذا السبب كانت زيارته .

كان في الهويدر دواوين تسمى ( الديوخانه ) وهي أشبه بالبيوت الثقافية وأشهرها ديوخانة الشيبانية وشارود أفندي وأمين أفندي المجمعي وشاكر القره غولي ، وهذه الديوخانات لم يعد لها وجود الآن ومحلاتها صارت مساكن .

أصحاب الديوخانات التي ذكرنا هم من الأسر الهويدراوية العريقة ، ومن عوائل الهويدر المهمة والعريقة أيضا آل ساره وهم من عشائر شمر العنزة وآل شحاذه الدليم وآل طي وعائلة الكشفية من ربيعة وكذلك عوائل من الخزرج والغرير والعبيد ما يعني تنوع مجتمع الهويدر وكان هذا التنوع يزيد الحياة جمالا والناس ألفة .

أما أشهر المعالم الأثرية فهو الحمام الذي يعود للعائلة الشيبانية وقد بني عام 1850 ومازال قائما حتى الآن و يرتاده الناس رجالا ونساء .

وشهدت الهويدر بناء أول مدرسة ابتدائية عام 1919 فيما شيّدت أول مدرسة للبنات في عام 1938 .

تبلغ مساحة الهويدر ( 1200 ) دونما منها ( 1000 ) دونما من البساتين والباقي سكنية تقطنها ( 1826 ) عائلة مجموع نفوسها ( 9015 ) نسمة حفظهم الله من كل مكروه .

شخصيات هويدراويه

يقول السيد عبد الكريم جعفر :

تعد الأسرة الشيبانية من أوائل من سكن الهويدر سيما وان جدها الذي اشرنا إليه كان هو المالك للمقاطعة ولذلك كان أبناء هذه الأسرة العربية الشريفة ،

في طليعة الهويدراويين الذين برزوا على المستوى الوطني وتولوا مراكز قيادية ومنهم الوزير طلعت الشيباني الذي تولى حقيبة وزارة التخطيط عام 1958 ( وقد طالعنا مخطوطة بقلمه يحتفظ السيد عبد الكريم جعفر احمد بنسخة منها تحوي على معلومات قيمة عن المنطقة وتاريخها ، لكن أسرته تتحفظ على نشرها ) .

ويواصل السيد احمد قائلا :

- من شخصيات الهويدر البارزة عبد الحميد كاظم وزير التربية عام 1957 والدكتور رفعت الشيباني والمربي مصطفى ألخابوري وكامل أنور وأكرم الشيباني الذي كان من شعرائها البارزين ومن أشهر شعرائها أيضا الشاعر عبود عبد الكريم والمرحوم احمد حسين ألبياتي وكاظم الأعور.

ونضيف نحن إن من أدباء الهويدر المحدثين المرحوم صادق الربيعي والذي كتب الرواية والقصيدة الشعبية وله كتاب في أوزان الشعر الشعبي وآخر لتبسيط العروض وقد وافاه الأجل قبل سنوات قليلة ، وكذلك يعد الشاعر فراس الشيباني من الشعراء الشباب البارزين الذين كتبوا قصيدة الحداثة في تسعينيات القرن الماضي ومازال مستمرا في عطاءه الشعري .

ونعود لمحدثنا الذي يواصل قائلا :

- في عام 1920 وعلى اثر معرفة ابن عبدكة الشقي المعروف بثورة العشائر العربية في الجنوب ضد الانكليز تقدم صحبة أخيه وابن أخته ومجموعة من أعوانه من جهة بعقوبا الشمالية – قنطرة خليل باشا حاليا – باتجاه مبنى سراي بعقوبا مقر الحكومة ، انتقاما لمقتل أبيه قبل عام في قرية ذيابه التي تقع في أطراف قضاء المقدادية ، فأمطر مقر الحكومة بوابل من الرصاص مما اضطر الحاكم المدني للهرب باتجاه الحامية البريطانية في غرب بعقوبة ، وبعد ملاحقة القوات البريطانية هرب صوب خرنابات واختفى في بساتين الهويدر ومن هناك عبر النهر نحو الخالص ، وكان الوجيه محمود عبادة العنبكي هو من أخفى ابن عبدكة عن عيون البريطانيين .

شجرة البرتقال ... انين صمّت زراعة ديالى آذانها عن سماعه

في قصيدة للشاعر المعروف الملا عبود الكرخي يقول فيها :

يصير ترسل للهويدر برتقال

يصير ترسل تتن غرشة للجمجمال

يصير للمشخاب ترسل رز شتال

وكان الكرخي رحمه الله يَعِدُ ذلك من محال الأمور ،

لكني أقول له ... لا يا سيدي ، الآن يمكنك أن ترسل للهويدر برتقال ، بل ربما هي بأمس الحاجة إليه بعدما تلفت بساتين وماتت أشجار ..

ماتت وهي تستغيث ولا من مغيث ، اليوم يا شاعري قد فتكت الآفات الزراعية بعمتنا النخلة وصارت خاوية هزيلة دامعة وهي ترقب الهويدر وغيرها من قرى محافظة ديالى أن تفعل شيئا من اجل إنقاذها ولكن أهل هذه القرى حالهم كحال أشجارهم ينتظرون من يمد لهم يد العون وينقذ أرزاقهم ومستقبلهم لان الشجرة في الهويدر هي المستقبل ، وهي ماض وحاضر .

أبي كان فلاحا وأنا قد جُبِلْت على حب الأرض مثله وما عادت الأرض قادرة على أن تجود وأنا جودي من جودها فلذا قد صرنا إلى هلاك معا .

أمراض غريبة داهمت الحمضيات بعد ذبابة الياسمين إذ يقول حسن محمد حسين إن حشرة غريبة صارت تثقب ثمرة البرتقال وتدخلها فتبدو في الظاهر سليمة ولكنك إذ تفتحها ستجد إن الحشرة قد عشعشت داخلها وأتلفتها فضلا عن الدوباس المزمن الذي خفض إنتاج الشريكين النخلة والبرتقالة إلى ما دون 20% عن معدلاته الطبيعية دون وجود إجراء فاعل من قبل دائرة زراعة ديالى ، فضلا عن إن الأدوية المتداولة في السوق المحلية رديئة المناشيء ، كما إن شح المياه صار مشكلة بحد ذاتها وتحتاج إلى معالجة لإنقاذ الزراعة ليس في الهويدر فحسب بل في عموم محافظة ديالى .

هويدراوي آخر هو المرشد الزراعي المتقاعد عبد الزهرة جواد مهدي حدثنا عن معاناة منطقة الهويدر نتيجة إهمال معالجة الآفات الزراعية قائلا :

- انتشرت في السنين الخمسة عشر الأخيرة أمراض حشرية متعددة فألحقت أضرارا بالغة بأشجار الحمضيات وأشجار النخيل نتيجة من المعالجات القاصرة وعدم الجدية بالنظر إلى المشكلة .

ومن ابرز الأمراض التي تصيب الحمضيات في منطقة الهويدر مرض تعفن الجذر والذي تسببه فطريات التربة التي تعيق الشجرة عن امتصاص الماء والغذاء ما يؤدي إلى سقوط الأوراق وتعطل الفعاليات الحيوية والتدهور السريع وبالتالي موت الشجرة .

وهناك أمراض تصيب الأنواع النادرة من أشجار الحمضيات مثل اللالنكي والنومي الحلو والكريم فوت وهذا الفطر يصيب جسد الشجرة نفسه على شكل ندبة وتتحول هذه الندبة إلى سائل مائي يقوم بإتلاف الشجرة كلها ، كما هناك مرض آخر ناجم عن سوء استخدام المبيد من قبل الفلاح والوكيل الزراعي الذي يبيع المبيدات ولذلك يتوجب على الجميع الحذر في استخدام المبيدات وان استشارة المختصين مهمة في تحديد الإصابة والعلاج .

ومثل ذاك أمراض النخيل وخاصة الدوباس الذي عم مناطق ديالى كلها بعد إن كان مقتصرا على مناطق محددة ، وكانت طريقة علاجه في السابق بواسطة الطائرات ناجعة ومفيدة فضلا عن نوعية المبيد التي كانت ترش وتوقيتات المكافحة كل ذلك تردت نوعيته الآن ولذلك صار هذا المرض وبائي وساهم في انتشار ذبابة الياسمين التي تصيب الحمضيات .

واقع مر بحاجة إلى وقفة ميدانية من قبل زراعة ديالى وليس كلاما للمؤتمرات فلقد أصاب الناس الغثيان من كثرة الكلام ، فهل نشد الحزام ونعمل يا زراعة ؟



قرية مؤمنة صابرة

في الزورق تمخضت فولدت طفلها .. بورك طفلك سيدتي معمدا بخرير الماء ولون الشجر .

إنها إحدى نساء الهويدر التي حضرها المخاض أثناء نقلها إلى المستشفى بواسطة زورق صغير بسبب حصار القرية من قبل الإرهابيين ما بين عامي 2005- 2006 ، إذ لم يبق للناس من منفذ للوصل إلى المستشفى أو أي مكان في المدينة سوى نهر ديالى الذي حمل أحلامهم وهمومهم على مدار سنين وسنين وها هو يحمل تلك السيدة لكي يعبر بها إلى ضفة الأمان وتتلقى العلاج والمساعدة في وضع طفلها ،لكن منة الرحمن ليس لها من حدود فيسر مخاضها ووضعت طفلها في الزورق جاريا نحو الأمل .

السلام عليك يا موسى واني أبشرك بان من تولاك - جلت قدرته - هو من تولى العراق طفلا يعبر نزعة الموت إلى ذرى السلام والغد المؤمن .

أكثر من ( 400 ) شهيد هم ضحايا الهويدر .. ضحايا العراق الأبرياء خلال تلك الفترة المظلمة من أعسر أيام العراق .

خلال عامين كان الناس في الهويدر ينقلون المرضى والجرحى والموتى عن طريق النهر نحو خان اللوالوه ، وكانت القرية تقصف بالهاونات الثقيلة وفي يوم واحد سقطت ( 27 ) قذيفة ثقيلة على القرية .

أي صبر يا مؤمنة ؟

أي ظلم يا صبورة ؟

الهويدر متسامحة ... هذا ليس قولا بل إن من رحل عن القرية خلال تلك الفترة وترك بيته وبستانه وعاد بعد حين فقد وجد كل شيء كما هو إذ – وعلى شح الماء – كان هناك من سهر الليل ليروي برتقالة شربت مياها صافية ولن تقبل بغير ذلك بعد ، فطوبى لصفائك يا لهويدر النجيبة الحيية المباركة .

في الهويدر جامع وحيد حرسه الله والناس والشجر ، ولم يمسه احد .

انه خوف من الله ، مثلما هو حفظ للذمم وما تعود العراق من خلق قويم فيما دمر المجرمون من نصرة القتل كل مسجد وحسينية لا يرون إنها تشبه ظلامهم .

أنا هويدراوي سحنة وقلبا وروحا وعشقا وسلاما ،.. هل رأيت ؟

اجل يا حييه .. اجل ، يا شاعرة انه بلدك العراق انه أول التاريخ وآخر الجمال ، ولذلك لن انس عينيك مغرورقة دهشة وهي تتملى جمال الهويدر فعودي.

سلاما يا مدينة أنجبت صادق الربيعي ، سلاما .