بلاسم الضاحي : بعض ( ما قالته النخلة للعشاق ) عن أخبار العراق


إلى الشاعر وديع العبيدي
صــــدفــــــة ….وأنا افرغ كتبي من أكياسها المغبرّة والمرزومة بغير انتظام بعدما أنزلتها من على عروشها الملكية حيث كانت تستقر فوق أرائكها الموغلة بالكبرياء في مكتبتي بعد ان تسربت بكل حروفها الى خزين الذاكرة التي تقلبها وقتما تشاء وتنظف أغلفتها الزاهية من أتربة الزمان لتعيدها مزهوة بعطر أسماء مبدعيها الى حيث عروشها .حملتها قبل ان احمل زوادة سفري الذي هجّرته ورقة ليلية دسّت من تحت الباب ،حملتها إلى حيث لا ادري كشاهد على خيباتياو ربما ……… ؟ !وصدفة ……وأنا ارتب كتبي ربما للمرة الـ ( …. )
بلا مبالغة لأننا نقطن وطنا يقف عند آخر طرف قرن ثور مجنون يغيير مواقعه الكسولة بقدر ايام السنة الكبيسة وما علينا نحن أفراخه الزغب إلا ان نستجيب لرغبته لذلك تحولنا الى حقائب جاهزة للسفر والترحال نتبادل مودتنا بإيماءة الأصابع قبل ان نموت من موضع الى موضع من منفى الى منفى من حرب الى حرب من لغة الى لغة ومن موت الى موت ليس لنا سوى أرواحنا الزجاجية الفارعة لا ندري اين نخفيها من خضم الرصاص المنفلت الطائش ، لغة الرصاص هذه الوحيدة التي حفظنا حروفها عن ظهر قلب في مدارس الوطن ، تقتلنا وتُقتل بنا لغة شممنا رائحتها منذ أول شهيق بعد انقطاع الحبل السري ، ندمنا عليها ، وخجلنا منها لأننا لم نستطع ان نقذفها مع أول دمعة سكبناها على أرواحنا التي حلت بهذا الفناءكتبٌ مهجّرة او أعيد تهجيرها ليقع بين يدي ( وطن الحب وطن الكبرياء ) وريقات شحبت ألوانها ومالت الى الصفرة من الخوف . ربت على وجهها بمحبة طاردا ما علق بها من غبار الحروب لعلي أهدئ من روعها وتعاد إليها ألوانها … لكن بلا جدوى .إذن سأعيد قراءتها بعد ما افرغ من إعادة تصفيف أضلعي المبعثرة .يا الله …. وهذا ( أغنية الغبار ) أي زمان هذا الذي ينسكب بين يدي بشحمه ولحمه لا بد ان اصرخ ، اصرخ بكل قواي ابتهاجا بعودته .اينك الآن يا ( وديع ) أيها البهرزي المشاكس ، هجّرتك المسدسات وتركتنا نسبح في دماء أخلاقها النتنة .أيها الشيوعي ـ هل سمعنا احد ـ الذي نخاف دروبه المحفوفة بالعسس وآذان الحياطين ، نخافك ونخاف من رزمة كنت تخبأها تحت إبطيك النحيفين ، كنا نعرفها ، نتهامس بسرها ونركض خائفين نلوذ بأقرب ظلّ ننظر وننتظر مرورك المحفوف بالموت .يـــــــــــــاه ….. هذا ( ما قالته النخلة للعشاق ) لا بد ان افرد هذه الليلة لوديع أعيد أوجاع بساتينه ودروبها الخيطية التي تنساب من بين فجوات الأصابع نعدُها وتعِدنا بالحفظ والسلامة تحت تلك النارنجة التي تجود بثمارها وتحني ضفائر أغصانها نحو موائدنا الليلية .صدقني يا وديع لم أكن اعرف اني أمين على خزائنك العراقية نسيت اني احتفظ لك بكل هذه الأسرار ، حسننا فعل النسيان معي ، لو كنت ادري لقلتها بأول ( فَــَلقـَةِ ) تحقيق في ( امن بعقوبة ) او لحولتها الوالدة ـ أسوة بغيرها ـ الى فم تنورها الصباحي وهي تعدّ خبزها الذي تبعثه لنا كل صباح فيأكله الشرطي الخفير عند أول باب .لم اذكر يا وديع … والله لم أذكرفي أول قراءة جلب انتباهي ورود اسم الشاعر ( عبد الصمد البصري ) في هذه المجاميع الثلاث العتيقة .ما الذي جعل وديع البهرزي البعقوبي ان يكرر ذكر البصري في مجاميعه الثلاث أكثر من مرة ؟؟وبعد عناء وجدت الإجابة على غلاف ( ما قالته النخلة للعشاق )( وديع العبيدي حصل على جائزة البكالوريوس في الاقتصاد من جامعة البصرة ) .إذن البصرة والشعر .. !!وبعقوبة الشاعر يلتقيان عند تمثال ( السياب ) في ظهيرة حرب ساخنة انتقلت أوجاع حرارتها اليّ بعد ثلاثين عاما من النسيان وإراقة الأحلام وارتجاف الخوف وارتجاع الصدى بمن نلوذ الان واشباح الموت تلتهم الأرصفة المذعورة بأقدام أميبية تخفينا بجيوبها الوهمية وتهربنا ( بالصناديق ) لاقرب قاطع رؤوس ليسلم جثثنا الهامدة الى نهر ( ديالى ) .ديالى لم يعد ذلك النهر الوديع الذي يفيض غناء ومحبة حد عذوق العسل ويغطي ماءه الطيني قلوب البرتقال صار مأوى لأجسادنا الميتة أما رؤوسنا فيظهر انها ثمينة يغلفونها بأكياس قاتمة السواد ويضعونها عند عتبات أبوابنا المهجورة .أما نوارس ( خريسان ) ذلك النهر الذي كان يرافقك من المنبع حتى المصب قتلتها شظايا العبوات وفززها ضجيج السرفات الصديقة وأسوة بنا نحن أصحابك هاجرت مع حقائبها الى حيث منافيها مخافة ان يسجلها احد كشاهد عيان على جثثنا الطافية الى حيث بهرزك المدللة .وماذا بعد …. ؟ !حب عراقي ام رباعيات ام عائد من الموت ؟ماذا بعد نخلة حمدان ام قصيدة البصرة ام الرحيل الاخير ؟ !سيان عندك الموت او الرحيل كلاهما يحجب عنك سماء بعقوبة ويطبق شفتي خريسان على أسرارنا ……….. أسرارنا لمن سيحكيها بعدنا النهر وقد أثقلت ظهره جثثنا المنتفخة وقعرت تحدبه البهي .لمن هذا المساء ؟لمن هذا الليل ؟لمن هذا الرثاء ؟ لك ايها الوديع الذي لم تتلامس اكفنا ولو مرة واحدة .كنت أرقبك بعينين من خوف واليوم التقيك بعينين من ورق وضوء ، تدهشني ، احبك ولم أصافحك لقد مات ( أديب ) وجنّ ( البهرزي ابراهيم ) وتانق الخياط بربطة عنق نظيفة لم تعد كما عهدتها ربطة حمراء .. هذه المرة نثر عليها كل ألوان الطيف .و( الانباري ) استبدل موقعه من على طرف قرن ثورنا المجنون ليجلس على ظهر ثور استرالي مروض مثل ذلك الزمان اقصد زمان البرتقال والنوارس وفخذي خريسان اللتان كنا نجلدهما بقدمين من الأسى والخوف كل مساء نحو ( نقابة المعلمين ) .اما ( معمر وخالد ) فقد استهوتهم الوظيفة ونسوا دموعهم عند آخر ساتر وتركوا أولادهم أكياس الرمل لوحدها بلا صفارة العريف الذي كان منشغلا بتقليب ( الطماطة المقلية )نعم ان البلاد التي عذبتكتضيعنا كل يوم ضياعا جديداكيف اهتدي اليك كي :ترى الرؤوس بلا انتظاميغتالها شبح الظلامقطرات دم في الرغاموترى الشظية تنظر في كل وجهوانت مازلت تؤمن انك :تحمل امك في كل ارضمن بلاد النخيل ….هل نسيت مثلي بلاد النخيل ؟نسيت دفاتر ملاحظات ( علي ) التي بقيت سرا من أسرار ( الليلكية ) في باحة دارك القديمة اذكرها كانت على مشارف نهر ( خريسان ) على مقربة من المقبرة ، مقبرة مدينتنا لم تعد تكفي لموتى جدد ، قل لي اين ندفن موتى بساتيننا لو اغلقت مقبرة في بهرز وسدت بالعراق النوافذ ؟أنباك يا وديع …ان اللحى ولف العمائم والمسبحات غدت موضةفي بلاد النخيلفـ ( أي الرصاص أحب إليك وأي الذكريات ) ؟ذكرى ( علي ) ؟؟هنا خطوة من خطاهوهذي خطوط مدرعتهوذا صوته في الهواءلم يعد يغني كما عهدته ويضحك لقد ساقطته المسبحات نحو اندثاره الأخير في بلاد العجائبفـ ( أي البلاد أحب إليك )وصاحبك ( مؤيد سامي ) قتله رصاص ملتحي على مرآي من شواربنا دون ان نحزم مكتبته التي ظلت تتناسل دنانيرا مع زوجته .و ( ياسين ابوظفار ) قتلته قبعته التي اشتراها من سوق ملابس الموتى بآخر دينار استلفه من ( كريم الدهلكي ) ويظهر انها كانت لميت شرس لذلك لم تناسب رأس ياسين فكان آخر شيوعي يُدخله ( سعدي يوسف ) الى الجنة ففرحنا ولم نقم له مأتما مخافة ان يباغتنا ( حزام ) من سلالة سلفية متطورة ويفسد علينا فرحة الجنة .لأننا نحن الفقراء كما قال الشاعر ( كاظم الحجاج )اجلنا أكل التفاح إلى الجنة .هل فكرت ان تعيد لنا شريط البكاء عند مغادرتك الحدود ؟؟شرور مدينتنا يكفييكفينا الرمان !!والقهوة بعد ان تخلع الهاءكي نختصر يومنا من ( 24 ) ساعة الى ساعة واحدة حسب مقياس الكهرباء لتستأنف رحلتها نحو شاحنة الموبايل ونعرف أخبار موتانا .اما التلفاز فمستمر ببث صمته بهدوء ـ لا نحتاجه في الوقت الحاضر ـ ولندعه يزهو بكفنه الملون الذي لفته به الوالدة قبل موتها بسنين .اما الليل فأذعن لأمرك :هو الليل آت فلا تعجلينيسيرخي الستائر عما قليل عليناويقفل باب غرفته بالرتاجالمثل استبدل مقولته البائرة بأخرى وصارت بلادنا بدلا من ( مقهى بين مقهى ومقهى ) ( قتيل بين قتيل وقتيل ) فكيف تكتمل أحلامنا وسط هذا الضجيج ؟حتى لو سكبت خلفه ماءا كثيرا ولنقل بحرا .هذا الوطنلم يرجع نحونا سريعا كما تضن !!لانه انصاع لنصيحة المثل فصار ذئبا قبل ان تأكله الذئابوديع … قبل ان أنسىالصورة التي على غلاف ( ما قالته النخلة للعشاق ) تختلف كثيرا عن صورتك على شاشات الانترنت تغيرت ملامحك وتوقفت مرايا الخوف عن عكس صورتها على خدك الأسمر ؟وماذا بعد ………… ؟؟لا ادري ..معذرة لقد عاودتني نوبات النسيان ..قبل ان أنسى ، سالتقيك ثانية ربما عند منفى جديداو عندما أعيد ترتيب كتبي في مكان آخر .معذرة … هل سلمت عليك ؟؟لا ..لا هذا ليس اناهذا ما قالته النخلة للعشاق .