بعقوبة تفتح ذراعيها لعنادل الشعر وملائكة اللون : عمر الدليمي

ليمونة اشنونا تضيء من جديد .. ديالى تحتفي بالتشكيل والشعر والصورة الفوتوغرافية بعقوبة – عمر الدليمي بعقوبة المدينة التي احتضنت الكثير من رموز الإبداع في الآداب والفنون وتركت مساهمات أبنائها بصمة واضحة على خارطة الثقافة العراقية ، وحلم فنانو العراق مثل شاكر حسن أل سعيد ومحمد غني حكمت وخضير الشكرجي وحتى فائق حسن وجواد سليم – حسبما يذكر الفنان التشكيلي مثنى البهرزي – بان تكون هذه المدينة عاصمة للثقافة العراقية ، كونها تمثل العراق بكل تكويناته الاجتماعية والعرقية وتحوي بين جنبيها تعايشا فريدا للأديان والثقافات يمتد عميقا في تاريخ المنطقة والبلاد ، فضلا عن الطبيعة الخلابة ، وهو ما جعلها بيئة نموذجية لاشتغال التشكيلين فكانت مصدرا

لتحف فنية ستبقى خالدة ما خلد الإنسان تحكي قصة عطاء العراقي للإنسانية وتدحض الظلام الذي حاول ان يتسلل لنهار بساتينها فرد خائبا ، ذلك لان ارض ينبت المبدعون فيها مثل الأشجار لن تستسلم لمدية القاتل ولن تمنح أوقاتها إلا قربانا للجمال . أكثر من سنتين مرتا ، منذ أن أقفلت شرفات الثقافة والإبداع في ديالى سلامها وبهاءها ، لتخلد لصمت حزين عندما نعقت غربان الإرهاب فوق سهولها ورباها . تسعة شهداء من أعضاء اتحاد الأدباء في المحافظة وأكثر من ثلاثين مهجر منهم ، وكذلك بقية أغصان شجرة الإبداع الديالية التي دهمتها ريح العنف ونزعة الجريمة عند اؤلئك الذين حاولوا أن يبرقعوا أرواحهم المافونة ببرقع الدين وهو منهم براء – فاستحقوا اللعنة الأبدية ، ونال الشهداء الرحمة والعلياء .. فسلاما وطوبى أيها الشهداء . بعقوبة المدينة التي يعد الإبداع بعض من سماتها وروحا تحركها في أبدية الحياة والإنسان - وما ان فرت غربان الدم بعيدا في غياهب ظلامها – عادت لتفتح ذراعيها لعنادل الشعر وملائكة اللون لترسم أحلاما وغدا باذخ الحنو وتؤرخ لإنسان هذه الأرض ما مر من إحداث وما فعل الأشرار من جرائم ، فبسطت جامعة ديالى كف النور- من خلال كلية التربية الأساسية - لتحتضن فناني المحافظة في أول معرض للفن التشكيلي منذ قرابة أعوام خمس مضين ، وبمشاركة بدت وكأنها احتفال بالفن والحياة إذ جمع المعرض أكثر من عشرين فنانا مثلوا مختلف المدارس الفنية ، وما ميز هذا المعرض هو التقارب في مستوى تقنية الأساليب التي جسدت رؤى مختلفة وزوايا نظر متعددة لشتى التفاصيل الحياتيةالأمر الذي يدلل على نهضة في الفن التشكيلي تواصلها المحافظة ، لترفد بذلك الحركة الفنية في العراق بما تميزت به من إبداع وتفرد . يقول الفنان عمر ألحسك – الذي يقوم ، وبتكليف من زملائه الفنانين بإدارة أعمال نقابة الفنانين المبدعين ، والتي أسست في المحافظة عقب سقوط النظام السابق ، خلفا للفنان الشهيد إحسان الهدو - : اعد هذا المعرض خطوة تلاحمية نهض بها تشكيليو المحافظة بعد ركود أملته الظروف الاستثنائية التي عاشتها ديالى ، لا يمثل لي هذا المعرض جانبا فنيا صرفا فحسب ، بل أعده ردا على كل الذين أرادوا قتل الحياة في هذه المنطقة مفاده بان الإنسان لا يموت ، فضلا عن المستوى الإبداعي الذي منحنا الثقة بحيوية زملائنا الفانين وتواصل تألقهم الإبداعي في فضاء الفن التشكيلي ، وهنا أؤكد بان الفنان في ديالى ممتلئ بالعطاء ، انه بحاجة ليد وروح تناصره وحسب ، وفي هذا الصدد لابد لي ان اشكر جامعة ديالى التي فتحت ذراعيها للفن والأدب في خطوة أعدها في صلب وجود الجامعة ودليلا على حيوية إدارتها . المعرض الذي افتتحه الأستاذ الدكتور علي حسين عبيد عميد كلية التربية الأساسية إنابة من قيل رئيس الجامعة مثل تظاهرة فنية احتفت بها محافظة ديالى ليومي20 – 21 أيار الجاري ، إذ شهد إقبالا كبيرا لنخب ثقافية وأكاديمية ومثل مناسبة لطلبة الجامعة - خاصة أقسام التربية الفنية في كلياتها - للاطلاع على الأعمال الإبداعية لتشكيلي ديالى . (بعقوبيون) استطلعت أراء عدد من الفنانين المشاركين في المعرض عن انطباعاتهم ورؤيتهم لمستقبل الحركة التشكيلية في المحافظة ، وكان أول المتحدثين الفنان مثنى البهرزي الذي ذكر بان هذا المعرض يمثل خطوة مهمة لتفعيل دور نقابة الفنانين المبدعين بعد فترة الركود الطويلة ومد جسور التواصل ما بين التشكيلين ، وهو الأمر الذي افتقدناه خلال السنوات الثلاث الماضية ، وقد شاركت بخمسة أعمال واقعية عكست بيئة مدينتي ( بهرز ) في أربعة منها ، أما الخامس فكان تعبيريا رمزيا جسد إرهاصات الأحداث التي عاشها المواطن خلال الفترة الماضية وهدف للتذكير بأهمية السلام لاستمرار تدفق الحياة وتوهجها . الفنانة الدكتورة وفاء حسين عطا التي شاركت بثلاثة أعمال في المعرض تحدثت قائلة : اعد هذا المعرض بهذه السعة من المشاركة والتنوع وفي مثل هذه الظروف المعيقة ، انجازا مهما وخطوة لتحريك الأجواء ناهيك عن المستوى الفني للأعمال المعروضة . ديالى زاخرة بالفنانين روادا وشبابا ونحن ركن أساسي في الحركة التشكيلية في عموم العراق ومستقبل الفن التشكيلي في ديالى يعتمد على جهد الفنانين أنفسهم ، تأسيسا على إن الإبداع قضية فردية أولا وبالتالي هو رؤية فلسفية للحياة يجسدها الفنان من خلال العمل الفني ، وشخصيا اعد هذا المعرض كوة نطل من خلالها على المستقبل بجرأة ذلك لان ما شهدته ديالى ليس بالأمر الهين ، وهنا أجد إن زملائي من التشكيلين المشاركين في هذه الفعالية لم يؤطروا الواقع فحسب ، بل إنهم يساهمون في توجيه مستقبله على اعتبار إن الفن محاولة متقدمة لصياغة الحياة من خلال أفق الحلم اللامتناهي . الفنان سامي أبو ريه ، المصور الفوتوغرافي المبدع ، شارك بعدد من اللوحات التي صورت طبيعة مدينته بهرز والحياة اليومية فيها ، ذكر بان الصورة الفوتوغرافية جانب آخر من جوانب الإبداع ، حيث جسد حياة الناس ودهشة الطبيعة بعيدا عن صور الموت والدمار التي يراد لها أن تطبع صورة العراق في نظر الإنسانية والتي طالما احتفت بها فضائيات ودقت لها طبول .. إنها الحياة كما هي في حقيقتها وكما يحلم بها العراقيون عطاء وجمالا يتحدى الموت . فنانو ديالى المشاركون في المعرض كانوا على إجماع بأهمية مشاركتهم مثنين على بادرة الجامعة من خلال كلية التربية الأساسية في احتضان النشاطات الفنية والأدبية ، وهو الأمر الذي أشار إليه أدباء المحافظة الذين سبق وان جرت استضافتهم في أصبوحة شعرية بالتنسيق مع اتحاد الأدباء الذي عد على لسان رئيس الفرع القاص صلاح زنكنة إن ذلك الملتقى الذي استمر لساعات وشارك فيه نخبة من شعراء ديالى ، على انه نهار أول بعد ليل استمر لأيام وشهور وأحزان . إنها بعقوبة ليمونة اشنونا التي تضيء أبدا بعطاء تواصل عبر دهور وأجيال وهو ميزة مدينة كان الحلم بالغد الجميل هاجس ليلها الذي طالما نقل على مهل ضحكات أطفالها فوق سطوح ضيفها الدائم قمر وأغنية .