دراسة نقدية: الشاعرة شيرين . ك .. بيـن معياريـة اللغـة النثريـة وفنيـة اللغـة الشـعريـة

الشاعرة شيرين . ك .. بيـن معياريـة اللغـة النثريـة وفنيـة اللغـة الشـعريـة بلاسم الضاحي بدءا لا بد أن أعترف بان الشاعرة ( شيرين .ك أو شيرين كمال أحمد ) اسم لم أطالعه شخصيا من قبل أن تقع هذه المجموعة بين يدي وان كان وصولي إليها متأخرا فإنها صدرت عن دار الثقافة والنشر الكردية عام 2005 والقصور ليس في عدم شائعية هذا الاسم أوانتشاره أو تسويقه إعلاميا بل ربما كان بسبب عدم قدرتنا على أن نلم ونتابع بكل ما يصدر وينشر بهذا الكم الهائل الذي جاد به علينا سيدنا ( ألنت ) ونوافذه الكثيرة والتي تحتاج إلى جهود مضاعفة للإلمام ببعض ما يطالعنا به على مدار الساعة ولكثرة الصحف اليومية التي أغرقتنا بفيض نعمها سيدتنا ( حرية الصحافة ) وتنوع صفحاتها الثقافية ، خصوصا إذا لم يصرخ الاسم صرخة مدوية تنبهنا بقوة إليه وكون الشاعرة تكتب باللغة الكوردية وتعمل في مجال الصحافة الكوردية كان لنا نصيبا ضيقا من سماع صرختها التي بقيت محصورة ضمن جغرافية مداها وبقينا خارج مجال التغطية أو خارج دائرة إمكانية التعرف عليها مبكرا . عتبة العنوان : قبل أن نذهب إلى المتن لابد أن نتوقف قليلا عند واجهة المجموعة ( الغلاف ) والتي زينتها صورة شخصية للشاعرة تعمدت في أن تحيطها بشئ من الضبابية والتشويش الذي أخفى الملامح الحقيقية
وأحسب ان اختيار الصورة الشخصية على الغلاف بدلا من اختيار لوحة تشكيلية أو تخطيط .. له ضرورته الابستمولوجيه للدلالة على شخصانية المتن وانتمائيته لذات الشاعرة وحدها وعلى اعتباره إباحة وكشف أسرار تقف عند حدود صاحبها وان خروجها إلينا وتعميمها على إنها تجربة تخضعها ذائقة وشخصانية المتلقي للتجريب والخروج منها بنتائج سالبة أو موجبة بحسب تمثل هذه التجربة عند المتلقي ، وتشخص في منتصف الغلاف عتبة معنونة ( فصول وحروف ) والفصول وحدات زمانية مجزاة ربطها يكوّن( زمن / سنة ) والسنة تتكرر بانتظام لبناء ( زمن / محسوب ) كذلك الحروف فهي وحداث جزئية ربطها يكوّن ( كلمة ) والكلمة تتكرر بانتظام لبناء ( معنى / محسوب ) وبما ان الفصل لوحده لا يشكل زمنا كليا كذلك الحرف لوحده لا يشكل معنى كليا لذلك جاء التوكيد بمفردتين مجردتين من ( أل التعريف ) لفرض علاقة دلالية بين ضبابية الصورة الشخصية وبين تنكير مفردتي العنوان . ونزولا إلى المتون التي تطالعنا بـ ( 44 ) عنوانا ثانويا لا بد أن نؤشرمديات تعالق العنوان الرئيس مع هذه العناوين ومتونها فنجده لا ينفصل عنها في اللامرئي ( الإيحائي ) ، منفصل عنها في المرئي ( المقروء ) وغياب أية إشارة يمكن من خلالها أن نجد هذا التعالق حقق نجاحه بإيجاد علاقة مكتوبة ترشد المتلقي الفاحص بدقة لإبرازها وتأشيرها أو إيجاد قصيدة تحمل اسم العنوان الرئيس داخل متون المجموعة وهذا يدعم ما ذهبنا إلى تشخيصه في هذه المجموعة على إنها تجارب شخصية تفرض هيمنتها من معطيات منجزها الشعري ليتبناه المتلقي ويشبع فضوله بكشف أسرار شخصانية لأنثى شاعرة فلا بد إنها قد زينتها بأدوات لا يمتلكها غيرها فهي امرأة في . كل صباح يطوف الضجر بغرفتي الضيقة ولا يدع قلبي يهدأ . ص14 وفي قصيدة أخرى تقول : سوف افتح هذا الباب مرة أخرى انه باب الجنة وتتفتح الزهور البرية لجسدي واسمح لجنيات العشق وحوريات الحب وغلمان اللذة بالدخول ليكن هذا الباب الذي منه يأتي نسيم الحياة مفتوحا دائما . ص22 وفي نص آخر تقول : أمن عينيك أجدل لشعري إكليلا من ذهب ؟ أو من بسمتك ألون شفاهي بغيمة من الورد ؟ ص47 وفي إشارة إلى ( لعبة العنوان ) والتي يمكن أن نكتشفها تأويليا بعملية حسابية تخترق وتأول وتكتشف لوحدها مديات العنوان من خلل لعبة سأفترضها أنا من داخل النص : وقبلني بعدد البراعم الصفراء المنقوشة على فستاني الأسود وأنا سأتعرف عليك من رائحة المنفى وأقبلك بعدد الأيام والليالي وسنوات الفراق . ص59 فمثلا لو أخضعنا مفردات العنوان إلى ما يؤول أدائها القاموسي ونقتبس لها أرقاما من معطياتها التي تقول : فصول السنة = 4 فصول ، حروف اللغة العربية = 28 حرفا ، عدد قصائد المجموعة = 44 نصا 1ـ الرقم 4 من مضاعفات الرقم 28 وهو نصف الـرقم ( 8 ) وضعف الرقم ( 2 ) وان الرقم 44 مكرر الرقم ( 4 ) ومن مضاعفاته وكلها أعداد زوجية 2ـ 28 – 4 = 24 عدد ساعات اليوم الواحد 3ـ 28 ÷ 4 = 7 عدد أيام الأسبوع 4ـ 44 – 28 – 4 = 12 عدد شهور السنة 5ـ 44 × 4 + 28 – 4 = 366 عدد أيام السنة ( على اعتبار ان الرقم 4 يتكرر مرتين في الرقم 44 ) من هذا نخرج إلى ان التعالق الذي حصل ما بين دوال العنوان ومتونه والزمن الذي اختصرته الشاعرة في نصف العنوان وأخفته خلف رموزه القابلة ربما إلى تأويلات أخرى بقي محصورا في دائرة الزمن الذي يتصدر العتبة جزء منه ، فصول ، . واحسب ان هذا نجاح منجز يحسب لصالح الشاعرة ونصوصها على تقدير صحة ما ذهبنا إلى تأويله . معطيات ومتون : لم تغب الطبيعة من أن تكون محسنا مهما من محسنات الخطاب الشعري طوال وجوده ولكثرة استهلاكها تحولت إلى محسنات تقليدية لم تغادرها القصيدة العربية التي تغنت بما تنتجه الطبيعة من جماليات وتعيد علينا عرض هذه الجماليات دون أن تستثمرها في إنتاج مغايره أو إعادة خلق جماليات تستوحى من الطبيعة وتشاكسها في الخلق كي تؤسس منطقا جديدا لفهم الجمال من خارج مالوفيته التي منحتها الطبيعة وهذه احسبها من أهم مهمات الفن والإبداع كي لا تظل الطبيعة مهيمنة على الذائقة الجمالية ويظل الجمال يخرج من معطف الطبيعة ، لم نجد حلا لهذا الإشكال إلا في القصيدة النثرية التي نفضت عنها هذا المعطف وأتحفتنا بمسميات وابتكارات تتلاءم والذائقة الحضارية المتطورة بحكم تطور آليات الجمال من خارج خلق الطبيعة له بفعل التطور الحاصل في وسائل الثقافة وآليات المعرفة وتطور الذائقة المتلقية والشاعرة ( شيرين . ك ) وعت وتغايرت مع هذه المسلمة بانزياحات أثثت نصوصها باكتشافاتها المستوحاة من خارج ما تفرضه الطبيعة مستفيدة من ان الطبيعة تخلق الجمال والفن يعيد هذا الخلق فنيا فلم تشتغل على ان الجمال الطبيعي سابق الوجود وتوظيفه كأداة تزيين أو ديكور نصي بل أسقطت عليه ذاكرة الخيال فصنعت منه وجودا مركبا من الفكر والجمال وجعلت له وجودا إنسانيا بعد أن شحنته بطاقات الترميز التي أحالته إلى وجود شعري يقوي ويوسع دلالات الملفوظ وأنسنت هذا الاكتشاف بنوع من الشمولية واستثمار التوظيف الرمزي لخلق وبث المعنى الذي يؤثث خطاب النص . في الخريف عندما تطبع السماء القبلة على خد الأرض بعد طول فراق . نجد في هذا المقطع ابتكارا واضحا في تحويل السماء كوجود جمالي مألوف من صنع الطبيعة إلى وجود جمالي مبتكر حين تحولت ـ السماء ـ في النص إلى كائن ذو شكل نستطيع أن ندركه ونخلق صورته ، كائن مثلنا يطبع قبلته ، وعلى مَن ؟ على خد الأرض التي حُولت إلى كائن يستقبل هذه القبلة ، وأي قبلة ؟ بعد طول فراق هذه المفردات، السماء / الأرض خرجت من نمطيتها الجمالية الجامدة المألوفة نحو خلق جمالي جديد متحرك يرتبط بوشائج إنسانية حميمة مع بعضه البعض . وفي قصيدة ( ملاكي ) وغيرها نجد تكرارا لهذا الابتكار في خلق الجمال من خارج مالوفيته التي اعتدنا أن تمتعنا الطبيعة به : ( الخريف يلف روحي الحزينة وجسدي شجرة رمان عطشى تتساقط أزهارها الحمراء العليلة وأناملك الرقيقة لا تقوى على لملمة أزهارها الذابلة الحزينة ) وفي مقطع آخر من قصيدة بعنوان ( حكاية مكررة ) : عن حب يموت كل خريف وينبعث مع الربيع انه الفجر والحكاية لم تنته . ص45 وفي نص آخر يقول عن الشتاء : في الشتاء . عندما يضع (بيره مكرون ) تاج الثلج وتمتلئ حديقة بيتي بالزرازير الطائشة يمتلئ حضنك بالنور ويتساقط على شفتيك المن والسلوى ص62 وفي نص آخر يخبرنا عن تفاصيل نعرفها مسبقا لولا تناولها بفنية الشعر لبقيت كلاما عاديا استطاعت الشاعرة أن تلون المألوف بزخرفة لفظية أخرجته باتجاه الشعر كما في قصيدة ( فصول ) التي تتناصف مع الحروف في إنتاج عتبة العنوان : انه أيلول والخريف آت على حصان الريح والغبار والمطر وورود الجهنمية الحمراء تستعد باكية للرحيل انه كانون الأول وقد غزى الشيب شعر الخريف الذهبي واغتسلت قامات الصفصاف بالمطر وغطى ثلج رقيق جدائل الكرمة . ص 67 أولا : نجحت الشاعرة بعقد ألفة خيال شعري بينها وبين الطبيعة وتسويق هذه الألفة إلى المتلقي وذلك بنقل موجودات الطبيعة من كونها مناظر طبيعية جامدة تدعو لتأمل جمالها إلى كائنات متحركة موحية ناقلة للفعل الشعري تؤدي فعلها خارج وجودها الجامد نحو تخليقات خيالية مرمزة وإحالتها إلى وجود فاعل داخل النص فمثلا ( الجبل ) هذه الكتل الترابية التي لا نرى منها سوى ما ظهر وما تحتفظ به ذواكرنا من إيحاءات خارج الرؤية العينية لهذا الكائن بتكويناته المادية والجمالية بل اتخذت منه كيفية لافتة نحو ترميزه على انه مكان يولد معان أخرى منطلقة من سعة وجوده الزمني وعبر ما تركت عليه الفعاليات الإنسانية من وجود جديد خارج وجوده الجغرافي عبر التاريخ وهذا الاعتبار بسعته وامتداده أحال إلى تطورات ورؤى وتشظيات بفضل ما أزاحه النص المتخيل والأهم إن هذه المخلوقات الجديدة لم تأتي من فراغ خيالي وإنما أخضعتها الشاعرة إلى مدركات المتلقي نتيجة لما استثمرته من تعالقات حكائية لها ارتباط ذهني مع المتلقي ، صحيح انها غرائبية ، مدهشة لكنها مدركة باليقين الجمعي للمتلقي . أراك قادما من جهة الجبل والضباب يلف قامتك الفارعة تخطو نحوي .. يتلاشى الضباب أخطو نحوك .. تبرق البسمة في عينيك . وثانيا : اشتغل وعي الشاعرة الذي أسقطته على كلية نصوص ( فصول وحروف ) على استثمار آلية ( التقابل ) في بنائية نلمس سطوة الوعي المصنّع في إنتاج النص ـ صنعة الشعر ـ وتحضير مواد هذه البنية ووضع خرائطها قبل إنتاجها وهذه من آليات النثر الذي هيمن على نصوص المجموعة وأحالها إلى النثرية اقرب لها من الشعرية لكن ... بسبب خبرة ووعي الشاعرة بقيت هذه الممازجة ذات فاصل وهمي عصي على الاكتشاف بسهولة لأنه اشتغل على مساحة الخدعة أو الصدمة التي تحدثها الصياغة التي تقترب كثيرا من الشعر وما تولده عملية التقابل داخل النص من توليد المعنى الواضح بلا عناء يبذله المتلقي المسترخي المستمتع ببنائية تقابلية مصنوعة بخبرة صانع متمكن من صنعته واستغنت الشاعرة عن الاستعارة بمفهومها البلاغي المعروف واستعاضت عنها بالتقابل بين فكرتين أو مفردتين متطابقتين أو متناقضتين في الشكل المرسوم أي باستثمار آليات المقابلة والطباق والجناس بمعنى آخر إنها لم تصف بريق العيون بومض النجوم أو جمال الوجه بالقمر وإنما استفادت من معطيات مفردتين متشابهتين في عدد الحروف وتناسقها ومختلفتين في أداء المعنى لإنتاج استعارة غير مخلقة من قبل ( على اعتبار ان المقابلة الجمع بين فقرتين أو جملتين في كل منهما معنى في احدهما ما يناقضه في الأخرى ) والطباق ( الجمع بين المعنى وضده ) والجناس على اعتباره ( تماثل الألفاظ في النطق واختلافها في المعنى ) تنظر / تنتظر ، العشق / العشاق قطرات / نغمات ، باب الجحيم / باب الجنة ، نصفي اسود / نصفي ابيض ، نصفي نار / نصفي ماء ، الأيام الفردوسية والليالي الجحيمية / الليالي الفردوسية والأيام الجحيمية ، تفقد حضوري / تهمل وجودي ، أحلام نارية من رجل مائي / لرجل ترابي من امرأة نارية ........... الخ جحيم .. جنة جنة .. جحيم ماء .. نار .. نار .. ماء اسود .. ابيض .. ابيض .. اسود أي منها قلبي ؟ ( ص 26 ) بنت الشاعر على حطام متقابلاتها تصادما أنتج المعنى وليس تضادا أو تناقضا . يا لها من أكذوبة كبرى عندما تقول لي : احبك إلى الأبد عندما أقول لك : احبك منذ البدء . وهناك تطبيقات كثيرة تكاد لا تخلو منها قصيدة من قصائد ( فصول وحروف ) هذا لا يعني ان المجموعة قد خلت من أخطاء وهفوات لغوية يمكن أن نؤشرها بسهولة يمكن أن نجد لها مبررات كون الشاعرة تجيد التحدث باللغة العربية إضافة إلى لغتها الأم ( اللغة الكردية ) التي تتعامل بها في حياتها اليومية مثل : 1ـ ويملأ( عيناي ) وفمي والذكرى والصحيح يملأ عيني 2ـ روحي ( لا يحتمل ) شعاعا من العشق ( ويحترق ويصبح ) نثارا .. والصحيح روحي لا تحتمل ،،،، وتحترق وتصبح نثارا . 3ـ كان ( لقاءا ) عابرا / التنوين لا يكون على ألف بعد همزة مسبوقة بألف 4ـ وأنا الـ ( شهرزاد ) أنصت للحكايا لكني لا املك ( مسروا ) ليقطع لي رأس الضحايا والمقصود هنا السياف ( مسرور ) ثم لا ادري لماذا عرفت شهرزاد بأداة التعريف مع أنها اسم معرفة ؟ 5ـ تتساقط أزهارها ( الحمراء ) العليلة / والصحيح الحمر العليلة كذلك ولافتات سود بدلا من سوداء . 6ـ لم ( ينفع ) معك كل سنوات عمري / والصحيح لم تنفع كذلك / وتصالحت بك جسدي على روحي / والصحيح وتصالح بك ...... ص 82 7ـ ولم تبق لي زمن انتظرك فيه ص20 / والصحيح لم يبق لي ......... كذلك ورد تناص أو محاكاة جميلة مع أمثال ومقولات ومثيولوجيات استثمرتها الشاعر في اغناء النص معرفيا مثل شهرزاد ، شهريار ، مسرور السياف ، المن والسلوى ، ألف ليلة وليلة / قبلني ألف قبلة وقبلة / أو كما في هذا المقطع وغيره : لا هذا الباب الذي منه تاتي الريح أبقيه مسدودا وفي قصيدة ( خطيئة ) ص48 استفادة واضحة من مقولة المسيح المشهورة من كان منكم .... ـ قال لهم من منكم لم يخطئ فليرجمها بحجر ـ وهنا أود أن أنبه إلى إشكال يقع فيه معظم الشعراء وهو تقويس الجمل الشعرية داخل النص الشعري بدون إدراك أهميته السيميائية وقد يساء فهم أهمية وجوده في النص فـ ( التقويس ) تقنية إذا لم تكن مقصودة بذات وجودها تعد تقنية اعتباطية تضر النص أكثر مما تنفعه كونها تؤدي إلى اضطراب تأويل المتلقي ووضعه في حيرة ليظل يتساءل عن جدوى عزل هذه الجملة بين قوسين هل هو استدراك ؟ هل هو تفسير لما سبقه أولما يليه ؟ هل هو مقتبس من نص آخر لا يعود للشاعر نفسه ؟ هل التقويس لأجل جلب انتباه المتلقي لتركيز اهتمامه بأهمية الكلام المقوس ؟ يجب أن نلتمس له سببا وإلا يعد اعتباطا . التشبيه بلاغيا يعني عقد مماثلة بين شيئين أو أكثر في وصف مشترك بينهما أو اكثرغير أن الشاعرة أخفقت في إيجاد تشبيه مدهش في نهاية هذا المقطع : عسى أن يأتي في يوما ما خلسة كنسيم كشعاع هذا تشبيه جميل ومستوفي لشروطه الإخفاق حصل هنا : أو نشوة الكأس الأولى للنبيذ هذا تشبيه مستهلك وغير حقيقي من قال ان للكأس الأولى نشوة تختلف عن غيرها لأشبه بها عودة الحبيب ؟ كذلك في قصيدة ( أعياد ) حبنا بلا أعياد هكذا هو قدري عندما يحين عيد مولدي تكون بعيدا عني كبعد النجمات ص7 هذا تشبيه ضعيف وتقليدي لم يُخرج الكلام من معياريته نحو فنية الجملة الشعرية التي يفترض أن يخلقها التشبيه بلاغيا مما أوقع النص كله في مطب التسطح وعدم امتلاك القدرة على خلق صورة مدهشة حتى لو كانت بلعبة لفظية يخلقها التجاور الفني لمفردات الإنشاء كما في : ذات مساء تبتلع الغيوم الداكنة اللون الأزرق للسماء . فالفعل ( تبتلع ) هنا خلق تغايرا في اللغة المعيارية أدى إلى خلق لغة فنية تتجه نحو شعرنة الجملة فلو استبدلنا هذا الفعل بفعل آخر ( تغطي ) لضعفت البنية التكوينية واكتفت بمعيارية شائعة ومألوفة بعيدة عن اللغة الشعرية وهناك ضعف في الإنشاء في مواضع كثيرة مثل : العشق لا يموت انه خالد العشاق يموتون ص34 الخ القصيدة ومن قال غير ذلك ؟ ما الجديد في هذا الخبر كي يمرر على انه شعر ؟ هذا كلام عادي عبرته الشعرية من زمن بعيد لا ننتظر من الشاعرة أن تعيده على أسماعنا مرة أخرى نريدها أن تقول : القمر في المحاق هل تحبني ؟ القمر هلال .. ألا زلت تحبني ! ص46 ومن قصيدة ( حيرة ) نقتطع ... أمن عينيك اجدل لشعري إكليلا من ذهب ؟ أو من بسمتك ألون شفاهي بغيمة من الورد ؟ ص47 وفي قصيدة ( ضلال ) نجد ممازجة المحسوس بالملموس لإنتاج الصورة الغرائبية كما في : وعندما يصبح القمر بدرا وينهمر ضياؤه رذاذا أرى ظلينا يتمشيان في الزقاق ص65 وأخيرا أقول : إن ابرز ما يميز ( فصول وحروف ) انها تتلفع بأردية الجمال وتكثيفه ليتخذ أشكالا ومظاهر مخلقة ترجع إلى بواعث هذا التحسس والأمكنة المفتوحة نحو الطبيعة بهوائها النقي تشوب هذه الأحاسيس شعور بالخسارة لفداحة الحياة والاقتراب من شبح الشيخوخة التي ظهرت ثيماتها المتشظية في قصائد المجموعة والتي اقتربت في بعض مظاهرهــــــا من العبــث ولا جـــــدوى الحياة وهذا ما تبوح به بعض القصائد التي سجلت للشاعرة إخفاقاتهـــــــــــا علـــى المســـتوى العاطفـــي فـــادت بها إلى الإحســـاس بالاســــــــــتيحاش والخوف من الوحدة فتحولت إلى أزمة أنتجت نصوصا فيها بوح كبير حيث نجدها في آخر المطاف تقف في قصيدة عنونتها بـ ( التنبؤ ) وهي بحق أجمل قصائد المجموعة فيها اعتراف صريح لتأثير الزمن على الوجود البشري وفيها تلقائية منقطعة النظير وانسيابية لانثيالات شخصية مذهلة كونها قد بثت من امرأة غالبا ما تكابر ولا تعترف بفرشاة الزمان التي لا تتوقف لحظة عن تغيير الملامح البشرية لتقول : يوما ما سأكف عن البحث في وجوه المارة عن ملامح رجل اشتقت إليه كثيرا ولا أرهف السمع لصوت ، كان قلبي يدق سريعا عند التقاط نغمته المألوفة يوما ما لن يبقى في دليل هاتفي إلا أرقام الأطباء وقارئات الفنجان والسحرة . ص35 وتؤثث الشاعرة معظم نصوصها بسردية تلقائية تتراوح بين الابتعاد عن الشعر والاقتراب منه كأني بها تمسك بسمكة حية وتمهد بوعي تكنيك القصة القصيرة التي تصبو إلى أيجاد نهايات صادمة مدهشة غير متوقعة وظلت تراوح بين نجاح هنا وإخفاق هناك يمكن أن يؤشره المتلقي بسهولة مثل : وأشعلنا ثورة في كيانينا ص28 أما في قصيدة فصول فقد نجحت في لم متناقضات الفصول الطبيعية وبثها في نهاية موفقة : حان الوقت لاستبدال ستائر التول البيضاء بستائر القطيفة الحمراء أنت والشتاء ستدقان الباب !!! ص 68 وهناك قصائد فيها زوائد أدت إلى ترهل النص ولو كان للشاعرة أن تتوقف قبل حدوث هذه الزوائد التي أدت إلى الترهل الذي افسد اللذة الشعرية لكان أصوب وأقوم للنص ولحافظ على تراصه ومتعته ففي قصيدة ( وأنا أيضا ) لو توقف النص عند هذه النهاية لأدى غايته بنجاح دون الحاجة إلى ما ألحقته به قسرا . واقفة ولا تراني ارفع يدي لأحييك وابتسم فيخطف المطر يدي . هامش : 1ـ فصول وحروف / شعر / شيرين . ك / بغداد دار الثقافة والنشر الكردية 2005