وصـيّة مهجـّر في بـلاده

ضياء السيد كامل وصيتي اذا ما متُ فشيّعوني هنـاك .. أتعرفون أين يقع الهناك؟ في بعقوبة... ولأن الطريق ينـزّ بالموت دعو جثتي تشيّع نفسها لماذا؟!! لا تتسائلون ارجوكم أخشى عليكم . . السيطرات الوهمية!! دعوا جثتي .. دعوها فهي أدرى ... آهٍ كم رائع أنت ( يانهر الحجّيه) وانت تطوّق ظهور بيوتنا صغاراً كنا نلهو مع طينك واسماكك الصغيرة مثلنا ، كبرنا وأندثرتََ ... دعوا جثتي .. دعوها فهي أدرى ... ستمر على حي المعلمين الذي أضحى _ حي المهجرين _ شعارات تملأ الجدران ( روافض _ الموت لكم _ جائتكم القاعدة _ اخرجوا من ديارنا ... ) وكأن الافغان والسعوديون واليمنيون والليبيون وغيرهم هم اصحاب الارض !!! دعوها ... لتطرق باب منزلها الذي هجّرت منه وسكنه أغراب أغراب لكنهم ... لتطوف في كل غرفـهِ .. لتستلقي على سطحهِ .. او في غرفةٍ اثثتها للزواج لتنعم باغفاءة، تٌقبّل كل طابوقةٍ فيه .. وتغني . . تغني (هلي يامن ضيعوني _ عدوان يامن هجـّروني) تبكي.. وتبكي لتمحو آثار الغرباء عنها بالجدران تحدّق فالصور ما تزال مطبوعة في ذاكرة الجدران و لتطرق بيت (أبو الحسن حيدر) أخي .. أول المهاجرين على جناحه عيار ناري في الراس وجوازه شيعيته .. لتزيح الغبار الذي غطّى آثاثه _ ملابسه _ لُعب طفليه الصغيرين آهٍ أبناء أخي ( أبو الحسن _ رضا ) كم يؤلمني فراقكما ملعون من أيتمكما ... دعوا جثتي .. دعوها فهي أدرى ... ستمرّ على ابواب الجيران الطيبين . . الاصدقاء . . باباً باباً ستمسح بدموعها كل الشعارات المغرضة سلاماً يا حي ..... المهجرين !! دعوا جثتي .. دعوها فهي أدرى ... لتقصد ضفة خريسان لتتجول..تتذكر .. لتغتسل بمائه قبل المواراة ولكي تذهب انيقةً تزين اكفانها باوراق النارنج وينثر القداح أريجه عليها وعبق الحدائق يودعها ،( يحاللها يواهبها ) دعوا جثتي .. دعوها فهي أدرى ... حتماً ستزور ستوديو الامل لتلتقط اخر صورة لها قد لا تليق إلاّ بذكرى أثير مطر إلتقطها بعدستك الرائعة رجاءاً ودَعْ أسعد نور يضع لمساته عليها ، دعوا جثتي .. دعوها فهي أدرى ... شاي كريم على ناصية الكوثر لذيذ جداً مع سجارة من(جنبر علاء ) يكتمل الوداع لترتقي سلم كازينو (الريحانه) لتودّع آخر الاصدقاء المنتظرين حتفهم , داوود .. ماجد .. عامر محسن .. هاشم حنا والقائمة تطول دعوا جثتي .. دعوها فهي أدرى ... لتعبر خريسان نحو محلة السراي لتملأ عينيها من أزقتها الضيقة وشناشيلها القديمة لتملأ أذنيها من صراخ الاطفال . . وثرثرات النسوةالقابعات على عتبات البيوت لتصل الى بناية السراي وتدخل دونما إستئذان لاتحاد الادباء لعلها تجد صلاح زنكنه العظيم بافلاسه وتذمره الشديد .. لتتبادل معه سوء الطالع وهو يشتم الافلاس والمال اللعين او تضحك لرغبته العارمة بأن يُكمل دينه بأمراة رابعة ليحقق ما لم تستطعه الحكومة من لَمْ شَمل الاطياف العراقية الله .. الله يابناية السراي القديم يارئة الادباء .. وملتقى الطيبين الرائعين اصدقائي يانباتات الظل الحالمين ابداً سعد محمد رحيم ، علي فرحان ،أديب ابو نوار ، امير الحلاج ، هادي العنبكي ، خالد السعدي ، محمد الاحمد ، ياسين ابو ظفار .. أينكم من هذا الخراب والموت المتربص في رؤوس شوارع مدينتكم ؟ مدينتنا الحسناء التي اغتصبها الاوباش والغرباء دعوا جثتي .. دعوها فهي أدرى ... انها تبحث عن عمر الدليمي (عاشق الجمال) حتما ستعثر عليه في ظل شجرة و بيده وردة مقترحاً سلفاً إهدائها لإمرأة جميلة إيـهٍ ايها الصديق الاخ الذي لم تتعبه الحروب والحصارات اما زلت تحتسي خمرتك ببطء متأكد ومعرفة راهب إيـهٍ يا عمر الدليمي . . كم مضى من الزمن وانت ما تزال تواصل الغزل لنساء شخن من الانتظار ؟ ! الخراب من حولك وانت تنثر كلمات الغزل كلما مرّت حسناء اما زلت تحارب الخراب بالدعة والجمال ؟ كم أغبطك ايها الصديق هذه جثتي التي رافقتك عمراً دعها تحتضن العود وأبدء الغناء (عيون القلب سهرانه ) وكيف تنام و ملؤها الحزن على بلادٍ سحقتها السرف وذبحها الغرباء دعوا جثتي .. دعوها فهي أدرى ... لترتقي السلم حيث بيت المقام فصوت ناظم شكر اسمعه يندب البلاد يرثيها وهو يقرأ بمقام بهيرزاوي حزين: ,, خيي خيي لا ونت خيي ياخوي هذا الوطن محتاج منك وفه ,, إيه يبن شكر أي وفاء تطلبه من الذين تنكّروا للخبز وكفروا بالماء ، سلاماً على البساتين التي طالما ضمتنا بين حنايا أشجارها سلاماً على الشوارع التي احتضنت خطانا بكتنا البساتين .. بكتنا الشوارع بكت اولادها الطيبين الذين غصّت بهم المنافي بكت شهدائها الذين ساحت دمائهم ظلماً وعدواناً على جنباتها دعوا جثتي .. دعوها فهي أدرى ... لتدخل حسينية الأمام عبد الكريم المدني لتبكي انقاض منارتها منارتها التي يعشقها البعقوبيون وتفتّحت آذانهم على صوت الحاج عباس شكر وهو يرتل القرآن ترتيلاً لتنتفض كل طابوقة فيهاً ولتأذن بصوت أتعبه الحنين للراحلين سووا صفوفكم ... أقيموا الوطن يرحمكم الله ...