قصتان قصيرتان : لـــ ماهر نصرت


الأنفجار
يا ألهي ! عاد الغروب ثانيةً ، وراحت الشمس تغرق من جديد في أفقها الأحمر وهي تُردد في سرها ( أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ) ... رحت ألملم أدوات رزقي من على حافة الرصيف مسرعاً يراودني إحساسٌ بالرهبةِ والخوفِ ، أُنادي ولدي بصوتٍ يائس أبحه جفاف متواصل في البيع وخسارة لا تتوقف في رأسِ مالي الهزيل .... - هيا يا رامي ، أدخل الميزان وصندوق الطماطم إلى المخزن ، هيا يا ولدي ، أسرع ، يرمقني رامي بنظرةِ امتعاض ويسحب كرسيه المُهترء ويرميه بعنف فوق صناديق الخُضار المحطمة . كان الباعة يتسابقون في رمي موادهم داخل مخازن صغيرة بُنيت جنباً إلى جنبٍ ... أخذت نبضات قلبي تتسارع بإيقاعٍ يسابق زحف الظلام يتملكني إحساس بالرهبة والخوف وكأن مكونات الطبيعة من حولي تشترك في عزفِ تلك السيمفونية المرعبة ، أكملنا على عجل طقوس الأقفال وراح ذلك الإحساس يقشّعر له جلدي ، أنه هو ، نعم هو ، نفس الأحساس الذي لازمني منذ يومين قبل أن ينفجر محل أبو وميض ... صرخت وأنا أرتجف ، هيا يا ولدي أركض .. هيا أسرع .. لنبتعد من هنا قبل أن نموت نحن أيضاً .. لا تلتفت ورائك
، هل سمعت ؟ لا تلتفت . وصلنا لاهثين إلى ما يسمى بمنعطفِ الأمان وبانت من بعيد خرائب مساكننا المكعبة ، وما شرع فمي ينطق عبارة ( الحمد لله على سلامتنا ) حتى سمعنا دوي انفجار مهول قادم من جهة متجرنا ! ضممت ولدي إلى صدري وأسرعنا الجري نحو خرائبنا صامتين . ******************* مجنون الصباح في صباح يوم ربيعي مشمس ، أسرعت الخطى لألحق بنشرة أخبار الساعة السابعة على تردد إحدى المحطات العالمية بجهاز المذياع مثل كلِ يوم .. حاولت بصعوبة أن التقط الموجة التي أبحث عنها وهي مقحمة بين عشرات الأصوات المتداخلة ... وبالمصادفة ، ألتقطت محطة مجهولة يصدر منها صوت أستغاثة غريب يشبه الى حدٍ كبير الأصوات المجسمة ذات الصدى المتموج التي تطلقها ألعاب الكمبيوتر تكسوه نبرة خشنة فيها غموض ، ثبّتُ المؤشر بدقة على تردد تلك القناة وأرهفت السمع لها . أخذ الصراخ يزداد لوعة ويسبق كل صرخة دوي ضربة من آلة قاطعة حسبتها فأساً يهوي بقوة ليقطع شيئاً ما ، والأمر الذي أدهشني أن قرقعت الفأس كانت تصلني من نافذة الغرفة المطلة على حديقة منزل جاري تتعقبها على الفور صرخة الاستغاثة المنبعثة من جهاز المذياع ... لم اتمالك نفسي وأنطلقت كالسهم قاصداً جاري لنجدته ! في الطريق ... رحت اتفحص قبضتي تحسبا ًلمقاتلة مجرم أقابله ، أقتحمت الباب الخارجي للمنزل بهجومٍ صاعق وقطعت مدرجات الممر الطويل المؤدي الى الحديقة فوجدتُ جاري أبو مصطفى يجلس على الأرض وهو يلهث بعدما أنهكه التعب في قطعِ شجرةِ( رماّن ) كبيرة وقد هوت على السور متدلية بأغصانها كأجسادٍ شنقت رقابها للتو . وقفت خجلاً عند نهاية الممر لا أدري ماذا أفعل فهجومي العنيف أرعب جاري وجعله مشلول البصر ينظر نحوي بفزعٍ وذهول . تجمد جسدي وأنحبست كلماتي وأبتسمت ابتسامة مزيفة كابتسامة محتضر ورحت أتأمل تلك الشجرة التي قضت نحبها وهي تصرخ وتتوسل دون جدوى وتمنيت مشفقاً أن احملها بموكبِ جنازة مقدس أسوة ببني البشر ونعلن بعدها الحداد ونقيم مراسيم مأتم نقدم فيه تعازينا الى الزهور والطيور والشجر ، عدت أدراجي أسير الحزن ، جريح المشاعر وكتمت الأمر في نفسي من أن يناديني الناس ب ( مجنون الصباح ) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق