منذ بضعة سنوات خلت كنت أتوقع أن ينبثق منتدى يهتم بالشأن الثقافي لمثقفي الخالص وبمرور الزمن تلاشت هذه التوقعات واضمحلت لنجد أنفسنا في حلقات على أرصفة الشوارع نتبادل الحديث ونناقش الشأن الثقافي في مدينة عرفت بمدينة الأدباء ولعل هذه التسمية بحد ذاتها تجعلنا نفكر مليا هل نحن فعلا نعيش في مدينة كتبت على بوابتها مدينة الادباء أم نعتبر هذا اللقب جزء من الماضي كما أطلق على ديالى مدينة الوفاء فغيب لقبها السابق مدينة البرتقال , والخالص هي حقا مدينة الأدباء والمثقفين وتعليل ذلك واضح لكل ذي بصيرة إذ إن مدينتنا ضمت في بنائها الثقافي والايدلوجي أفكار العلمانيين والاسلاميين معا و إنهما يلتقيان في رافد مهم وهو الاعتناء بالثقافة لسبب جوهري ومهم وهو إن كوادرهما من المثقفين سواء كانوا طلبة جامعات ومعاهد أو مدرسين معلمين وحتى أصحاب المهن الحرة كانوا
يمتلكون من الثقافة ما يؤهلهم لذلك , وفي دراستنا التاريخية لمدينة الخالص نجد جمهرة كبيرة من الادباء وخاصة الشعراء منهم حين كان الشعر المنبر الوحيد لتفجير الطاقات الأدبية وطالعنا قصائد جميلة لشعراء من الخالص تتحدث عن الربيع والحياة والمجتمع ولم نطالع لهؤلاء الشعراء سوى ما يتصل بالحياة العامة , وبما إن الوسيلة الوحيدة التي كانت متيسرة لنشر انتاجاتهم هي الصحف آنذاك وهي صحف قليلة تخضع لمقص الرقيب فوجدنا إن إنتاج هؤلاء ظل مركونا في ذاكرتهم أو مسودات دفاترهم الا من نال حظ النشر بعد أن تجاوز مقص الرقيب , وأنا من المؤمنين بان لا قيمة للأفكار إن لم تجد المساحة الكافية للنشر ليطلع عليها من يريد , وبعد التغيير الكبير الذي حصل في العراق بانهيار النظام الشمولي كنت أتوقع أن يأخذ مثقفو مدينتي فرصتهم في نشر أفكارهم بالشكل السليم والصحيح خاصة مع توفر عدد كبير من الصحف يضاف إلى ذلك سهولة إرسال ما يريدون إرساله عبر البريد الالكتروني السريع جدا , الا إنني وغيري أصيب بخيبة أمل كبيرة في هذه الناحية , وكلما كنت عائدا من بغداد وادخل بوابة الخالص (( واقرأ أهلا بكم في مدينة الادباء)) أشعر بان ثمة خلل أما في المدينة وأما في التسمية , وأسأل أي جيل من الادباء والكتاب نال شرف هذه التسمية ؟؟ هل هو جيل الستينيات ام السبعينيات ام التسعينيات ؟؟ أنا لا أعرف بالتحديد ولكن كل الذي أعرفه إن الجيل الحالي جيل ما بعد التغيير يمكنه أن يؤسس لقاعدة فكرية وثقافية قوية في مدينة الخالص يكون الشعراء ركن من أركانها وليس كل أركانها , ومن خلال متابعاتنا للخارطة الثقافية في مدينة الخالص نجد إنها من المدن المحظوظة إذ تصدر فيها جريدة هي جريدة الرافد الجديد هذه الجريدة التي أستغرب لماذا لا يكتب فيها أدباء الخالص ؟ ونجد مجموعة قليلة من كتاب الخالص يرفدونهم بالمقالات ومنهم على سبيل المثال لا الحصر الأستاذ محمد صادق عبود والأستاذ علي شكير والمبدع مثنى كاظم صادق , وإذا كان محمد صادق عبود ومثنى كاظم من كتاب جريدة الصباح العراقية الواسعة الانتشار لم يبخلوا برفد جريدة المدينة بأفضل ما يكتبون , فان من البديهي جدا إن نجد غيرهم من الادباء والكتاب في مدينتنا إن وجدوا ينشرون ما يريدون في جريدة أسبوعية تصدر وتوزع مجانا في مدينتهم وكلهم يطالعونها دون أن يفكروا في الكتابة إليها , وتناقشت مع زملائي حول عزوف هؤلاء ولم أجد سوى تعليلين الأول إنهم لا يجيدون استخدام النت وتلك مشكلة كبيرة , والثاني انهم غير قادرين عن الكتابة خارج قوالب اعتادوا عليها في حقبة ماضية وبالتالي اختاروا الركون إلى انجازات الماضي معترفين بعدم قدرتهم على مواكبة تطورات العصر , ولمن لا يعرف فان الأدب بمختلف روافده واتجاهاته لم يعد هواية كما يعتقد لأنه يحتاج للتواصل مع العالم وثقافاته , وأشد ما تحتاج إليه أن تنظر للمستقبل بعيون جديدة وآليات جديدة وروحية جديدة . وكما قلت لكم في بداية حديثي أتمنى انبثاق منتدى أو جمعية أو ملتقى يعنى بمثقفي الخالص وأنا من الساعين لهذا ولكن علينا أن نفكر بعقلية جديدة قوامها ما هي نشاطاتك الثقافية بعد التغيير أي بعد 2003 وما هي خارطة مشاركاتك الثقافية وما هي الصحف التي تكتب فيها ؟؟ والجميع يعرف جيدا أهمية النشر في الصحف خاصة الصحف الكبيرة الواسعة الانتشار , والنشر في هذه الصحف يعني فيما يعنيه إن أي باحث يمكنه الاطلاع على ما منشور لك عبر شبكة الانترنت والحمد لله لدينا في الخالص من الكتاب والكاتبات من أحتل مكاتة مرموقة في خارطة الثقافة العراقية في مرحلة ما بعد التغيير ويشار لهم وتوجه إليهم الدعوات , من هنا علينا إن نبدأ لكي نؤسس ما نسعى إليه وفق رؤى صحيحة وسليمة بعيدا عن رغبات شخصية وأن نؤمن بروح الجماعة والعمل الجماعي . طالما إننا نريد تأسيس منتدى ثقافي علينا أن لا نستخدم آليات الماضي طالما إن آليات الحاضر أفضل.