مشتاق عبد الهادي /قصة قصيرة برميلان

برميل(1)



تصلني أخبار كثيرة عن إخوتي،هم الآن يشغلون وظائف هامه،يتنقلون في البلدان الأجنبية، يحملون مشتقات الذهب الأسود،منهم من استقر هناك ومنهم من عاد إلى ارض الوطن ليقوم برحلة أخرى،أما انأ...انأ المتفاخر دوما بقرابتي من نسب الحديد الذي لا يموت إلا واقفا ولا تعلق بناصيته إلا الأشياء الثمينة،أجد نفسي خائبا دون أفراد عائلتي،أنا دون الخلق جميعا لا املك غير أن اجثم بباب هذا القصر واحمل قذارات ساكنيه،كل ذلك لا يحزنني،فان لي أصدقاء من فصيلتي ووظائفهم كوظيفتي،ولكن ما يجعلني متشائما هو جسدي
المتخم دوما وما ألقاه بسبب ذلك من متاعب وعذاب،فزملائي يلعبون طوال الليل،يتدحرجون على العشب،يتسكعون في الأزقة والطرقات،كل ذلك بسبب أحمالهم الخفيفة التي لا تتعدى غير مجموعة من الصحف والأوراق الممزقة،أما أنا فأجد نفسي محشوا منذ الصباح الباكر حين تلقي المرأة البدينة بداخلي بقايا الطعام،وسرعان ما يغزوني الذباب،وفي المساء لا أجد الرحمة في قلوب الكلاب السائبة،فهم يتسلقوني ويطرحوني أرضا،يأكلون ما بداخلي، يتصارعون بجانبي،يدحرجوني ثم يذهبون،يذهبون ويتركوني لسخرية أصدقائي الفارغين الذين لا تسقط عن أفواههم كلمة(إن ما في جوفك كمائدة الفقراء يا بدين)ثم يفرون من أمامي ضاحكين،حاولت أن أتخلص من معاناتي وذلك عندما حاولت الاتصال بابنة عمي خزانة النقود التي تعمل في الداخل حيث الدفيء والحنان،فقد وجدت بأنها تستطيع أن تأخذ بعضا من حملي الثقيل فكلانا يحمل القاذورات،وسرعان ما أصبت بالخيبة حين لم أتلقى منها أي جواب،وبقيت وحدي أجاهد،اخمد بالصبر لهيب نيراني وذلك كلما قذفت المرأة البدينة أشيائها التي اخجل من الإفصاح بها لكم،وكذلك زوجها الذي يوقف سيارته الفارهة بجانبي كلما عم الاضطراب في المدينة ويلقي بداخلي مجاميع كبيرة من الكتب والأوراق،وسرعان ما يلفني جحيم النار حين يقذف بداخلي عود الثقاب،تكررت مثل هذه الصور المأساوية في حياتي،لذلك قررت أن أثور عليهم،أن اصفع وجوههم بتلك القذارات،وافر إلى البراري واستقر هناك في مرج بعيد،لكن ما حدث جعلني مسمرا كالوتد في مكاني،وقطعت آخر آمالي بالهروب،وذلك حين حدث صخب في المدينة وإطلاق للرصاص، اعتصرني رعب مميت،ذلك حين دخل مجموعة من الغرباء وجرجروا المرأة وزوجها وأودعوهم في جوفي، ومنذ ذلك الحين وهم ضيوف عندي،يقتاتون على بقايا قوت ماضيهم،وعندما فكرت بالتخلص منهم منعني الكبرياء،فانا كما قلت سابقا من عائلة الحديد،أموت واقفا كي لا يسقط عشا أو يتحطم بسقوطي أي جدار.



برميل(2)



كم ابغض البدين،إن ما بداخله كمائدة الفقراء،أتلذذ دوما بمعاناته حين يراني العب ليلا مع زملائي،انه غير قادر على التحرك،فمنذ الصباح الباكر أجده متخما بالعظام وبقايا الطعام، يصرخ ويهدد الذباب،أما متعتي الكبيرة فهي حين يجن الليل،في تلك الأوقات أتشفى به حين تتسلقه الكلاب وتطرحه أرضا،تدحرجه تلتهم ما فيه وتنصرف،ولكن ما يغيظني هو غروره،فهو رغم ذلك يتفاخر ويدعي بأنه من عائلة الحديد الذي لا يموت إلا واقفا ولا يعلق بناصيته غير الأشياء الثمينة،كان يسخر مني،يتطلع إلى ما بداخلي ويضحك قائلا(أنت لا تحمل غير أحلام الفقراء وأحلامك،إن ما فيك لا يتعدى الصحف والتراب والأوراق الممزقة)كل ذلك جعلني اكرهه،أسعى لإذلاله،أمزق رسائله حين يطلب مني أن أتوسط لدى أصدقائي العصافير لكي يوصلوها إلى ابنة عمنا خزانة النقود،كيف يطلب العون مني وهو يستهين بي وبأصدقائي؟ولو توقف الأمر على ذلك لهان الأمر علي،ولكن فوق كل ما ذكرت الكذب،انه يكذب كثيرا،دوما يجد الأعذار لما يحدث له ويحولها إلى شرف ينسب إليه،فحينما يحدث ضجيج في المدينة يسارع صاحب القصر برمي أوراقه وكتبه في بطن البدين،وحين تستعر فيه النار كان يصرخ ويتوسل ويستغيث،وحينما اسأله في اليوم التالي عما حدث يحدثني عما فعل ويدعي بأنه قد قام بعمل بطولي كبير،وذلك عندما ساهم بإتلاف كتب ووثائق كان البعض يسعى للحصول عليها من صاحب القصر،أنا اكرهه فانا خائب مثله واعترف بخيبتي غير انه لا يفعل ذلك،كنت دوما اذكره بإفراد العائلة وبأبناء عمومتنا،فهم الآن يعملون في نقل النفط إلى البلدان الأجنبية،وكل يوم لهم مكان يرحلون إليه معززين مكرمين،كان يضحك مني ويقول(ما جدوى التسكع ياغبي؟إنهم مشردون،أما أنا فلي كياني وعملي الخطير...)كل ذلك جعلني أتلذذ بعذابه الذي يحاول جاهدا أن يخفيه عني،كنت ادعوا الرب أن يكسر عنقه بمصيبة كبيرة لا يجد مخرجا لإنكارها،وكان ذلك حين حدث صخب في المدينة وإطلاق للرصاص،في حينها رايته يرتعش خوفا،وقبل أن يهم بالهرب دخل عدد من الغرباء إلى القصر وجرجروا المرأة وزوجها وأودعوهم في جوفه،في تلك الساعات أحسست بأنه سيعترف بهزيمته،لكنه بطريقة مهرج أثارتني قلب جميع الصور وادعى بأنه شرف جديد قد توسم به نسبه،وتساءل فيما إذا كان احد البراميل قبله قد تكرم قبله باتخاذ الأغنياء من جسده منزلا لهم؟لذلك أنا اكرهه...اكرهه...اكرهه.