أنا أُحرقُ أشعاري لأُضيءَ ظلامَ العالم / غزاي درع الطائي

 
( 1 )
 
لا تتعجَّبوا إذا ما رأيتُموني
وأنا أُحرقُ أشعاري
.........
أنا أُحرقُ أشعاري
لأُضيءَ ظلامَ العالم
أنا أُحرقُ أشعاري بخوراً
إكراماً لأنفِ العالمِ
( 2 )
الكلمةُ هيَ المَلِكَةُ
والكاتبُ هوَ المَلِكُ
( 3 )
على ساحلِ الهَمِّ العربيِّ
أفرشُ عباءَتي
وأضعُ عِقالي ويشماغي جانباً
وأضعُ عصايَ تحتَ رأسي
وآخُذُ قيلولتي الكاملةَ
تحتَ شجرةِ التّاريخِ العربيِّ
تاركاً ورائيَ مستشفياتٍ بلا صحَّةٍ
وحقولاً بلا زروعٍ
وأنهاراً جافَّةً
وأراضيَ سبخةً
ومصانعَ بلا صناعاتٍ
ومدارسَ بلا تربيةٍ ولا تعليمٍ
وكلِّيّاتٍ بلا تعليمٍ عالٍ ولا بحثٍ علميٍّ
وعرائضَ لا يطَّلعُ عليها مسؤولٌ
ويافطاتٍ لا يقرؤها أحدٌ
وملفّاتٍ مصيرُها مجهولٌ
وقضايا لا ينظرُ فيها أحدٌ مِنَ القُضاةْ
وَمِنَ العجائبِ
أنَّ التأخُرَ تحملُهُ إلينا الطّائرةُ
أمَا التَّقدُّمُ فتحملُهُ إلينا السلحفاةُ
هلْ أتكلَّمُ ؟
أَوَيَصُحُّ الكلامْ
عنِ الكرامةِ والكرامْ
في أُمَّةٍ منزوعةِ الحرِّيَّةِ
ومنزوعةِ السِّلاحِ إلا على أبنائِها
والغرباءُ
لَهُمْ فيها مقامٌ كريمٌ
وتحيَّةٌ وسلامْ
أُمَّةٍ هيَ أُمَّةُ المُلمّاتْ
عليها النّازلاتُ ملتمّةْ
سماؤها غائمةٌ بالخساراتِ
وهيَ مُغتمَّةْ
لو سُئلتُ عمّا أعرفُهُ مِنَ العَجَبْ
لقلتُ :
كلُّ دكتاتوريّاتِ العَْرَبْ
قصورُها مِنْ برديٍّ
وخيولُها مِنْ قَصَبْ
( 4 )
دخلتُ المدينةَ مِنْ بعدِ تسعٍ
دنا رجلٌ في الثلاثينَ مِنْ خوفِهِ ، قالَ :
يبدو عليكَ التَّعبْ
قلتُ : يا صاحبي الأمرُ لا يستحقُّ العَجَبْ
قلتُ : أينَ أصبحَ ( رشيدْ ) ؟
قالَ : قضى في انفجارٍ شديدْ
قلتُ : و( طارشْ ) ؟
قالَ : قتلَهُ الرَّصاصُ الطّائِشْ
قلتُ : وأينَ أصبحَ ( سعيدْ )
قالَ : أتعرفُهُ ؟
قلتُ : كانَ معي في الجيشِ برتبةِ عريفْ
قالَ : دفنّاهُ قبلَ خمسٍ في مقبرةِ الإمامِ الشَّريفْ
قلتُ : وأينَ الحاجُّ ( أحمدُ ) بائعُ الذِّرةِ والتُّوتْ ؟
قالَ : مهجَّرٌ في الكوتْ
قلتُ : وماذا عن ( جَمالْ ) ؟
قالَ : أوه ، ألا تعلمُ
      لقدْ أصبحَ ذا مالْ
قلتُ : و( أبو فراتْ ) ؟
قالَ : أصبحَ مسؤولاً كبيراً
      وهو اليومَ لا يسيرُ
      إلا في حشدٍ كبيرٍ مِنَ الحماياتِ والسَّيّاراتْ
قلتُ : وأينَ ... ؟
       وأينَ ... ؟
       وأينَ ... ؟
كفى
كلُّ شيءٍ تغيَّرَ
لقدْ تغيَّرَ حتّى اللاشيءُ
قدْ تغيَّرَ حتّى اللاتغيُّرُ
بلْ لقدْ تغيَّرَ حتّى التَّغيُّرُ نفسُه
هذهِ هيَ الدُّنيا
الدُّنيا الدُّنيا الدُّنيا
الدُّنيا كمْ هيَ همّازةْ
كمْ هيَ لمّازةْ
كمْ هيَ غرّارةْ
كمْ هيَ غدّارةٌ غيرُ غفّارةْ
جمّاعةٌ مُفرِّقةٌ
ولا ترسو على حالْ
فَمِنَ استدارةٍ إلى استدارةْ
كانتْ يوماً للطَّربوشِ
ثمَّ استدارَتْ لتكونَ للسِّدارةْ
ثمَّ استدارَتْ مرَّةً أخرى
لتكونَ فيها للبيريَّةِ الصَّدارةْ
ننظرْ إليها اليومَ بتأمُّلٍ
فَلَها أيضاً استدارةْ
( 5 )
الأسدُ واحدٌ
والثَّعالبُ كثيرونْ
( 6 )
الدَّواءُ قدْ يقتلُ
والسُّمُّ قدْ يشفي
( 7 )
ليسَ مِنْ قدوةٍ في الأخذِ والعطاءِ
أفضلُ مِنَ القمرْ
فالقمرُ يأخذُ النُّورَ مِنَ الشَّمسِ
ويعطيهِ إلى الارضْ ،
والأرضُ قَفَصْ
والوطنُ قَفَصٌ في ذلكَ القَفَصْ
والعائلةُ قَفَصٌ في قَفَصَ ذلكَ القَفَصْ
والمالُ والبنونَ شبابيكُ مغلقةٌ
في ذلكَ القَفَصْ
والأيّامُ أُرجوحاتٌ في تلكَ الأقفاصْ
تتأرجحُ ما بينَ العامِّ والخاصْ
وَمَنْ ينشِدُ الخَلاصْ
ستلتبسُ عليهِ الأمورُ أيَّ التباسْ
( 8 )
خبرٌ :
نَفَتْ أمريكا
أنْ يكونَ النفطُ
هوَ ما جاءَ بها إلى العراقْ
تعليقٌ على الخبر :
ولكنَّ عدّاداتِ النفطِ لم تنفِ ذلكْ
وهذا خبرٌ مؤكَّدٌ :
كانوا قبلاً يسترقونَ السَّمعْ
الآنَ يسرقونَ النفطْ
( 9 )
هناكَ مَنْ يستلقي على فراشٍ وثيرْ
و هناكَ مَنْ يستلقي على حصيرْ
هناكَ مَنْ يستلقي على فراشٍ وثيرْ
ولكنَّ نفسَهُ تستلقي على حصيرْ
هناكَ مَنْ يستلقي على حصيرْ
ولكنَّ نفسَهُ تستلقي على فراشٍ وثيرْ
( 10 )
لا ينتهي الطَّيِّبونَ في هذهِ البلادِ
لا ينتهي الطَّيِّبونَ في هذهِ البلادِ
لا ينتهي الطَّيِّبونَ في هذهِ البلادِ ...
والنًَّخلُ شاهدٌ على ذلكْ
( 11 )
رائحةُ الأُمَّهاتِ
هي التي تجعلُ الحياةَ في هذهِ البلادِ ممكنةً
............................................
رائحةُ الحبيباتِ
هي التي تجعلُ الحياةَ في هذهِ البلادِ ممكنةً
( 12 )
يريدونني أنْ أبيعْ
صبّارةَ البردِ
وحمّارةَ القيظِ
يريدونني أنْ أبيعْ
( أنشودةَ المطرِ )
ونورَ القمرِ ..
في بغدادَ
يريدونني أنْ أبيعْ
( عمّي يا بيّاع الورد)
و( فوق النخل فوق )
يريدونني أنْ أبيعْ
بطاقتي التموينيَّةَ
وراتبي الحلالَ القليلَ
وجسدي العليلَ
وخوفي على عائلتي
وقلقي على يومي
ولومي على لومي
وطيبتي
وصُحبتي لخريسانَ
ومشيتي مع أصدقائي بينَ الجسرينِ قبلَ الغروبِ
والقهوةَ المُرَّةَ
والشّايَ المعطَّرَ بالهيلِ
وسَمَرَ الليلِ
وصوتَ الأذانِ
( اللهُ اكبرُ
اللهُ أكبرُ )
وقصيدتي الأخيرةَ
..........
أهلي كانَ ( يُجلجلُ ) عليهمُ الرُّمّانُ
وأنا اليومَ ( تجلجلُ ) عليَّ الأحزانْ
ولنْ أبيعْ
( 13 )
أيُّها المسؤولْ
سمعتُكَ تقولْ
أُريدُ أنْ أراكَ تفعلُ ما تقولْ
أيُّها المسؤولْ
كلامُكَ المعسولْ
لا يُحسِّنُ مِنْ أدائِكَ المعلولْ
أيُّها المسؤولْ
تذكَّرْ وأنتَ تضعُ ربطةَ العنقَ
في رقبتِكَ كلَّ صباحٍ
أنَّ في رقبتِكَ أمانةْ
والأمانةْ
تنتظرُ مِنْكَ الصِّيانةْ
لا الخيانةْ
( 14 )
أيُّها الرّاعي احملْ عصاكَ واذهبْ
لتبحثَ عن نعاجِكَ التي أضعتَها وَسَطَ الضَّبابِ
فالضَّبابُ انقشعْ
( 15 )
تعلَّمْ أيُّها الباحثُ عن الإستنارةِ يا أخي
تعلَّمْ
علَّمْ ... فالجميعُ ، ومهما يكنْ
طلابٌ على مقاعدِ الحياةِ
تعلَّمْ مِنْ كلِّ شيءٍ في الوجودْ
ألمْ يتعلَّمْ قابيلُ مِنَ الغرابْ ؟
الغرابُ تعلَّمَ قتلَ أخيهِ مِنْ قابيلَ
وقابيلُ تعلَّمَ الدَّفنَ مِنَ الغرابْ
قابيلُ والغرابُ
والقتلُ والتُّرابْ
رباعيٌّ خالدٌ يكتبُ رباعيّاتِهِ
ويعزفُها على أوتارِ الموتِ والتُّرابْ
تعلَّمْ أخي أيُّها الباحثُ عن الإستنارةِ
تعلَّمْ
تعلَّمْ
تعلَّمْ من النَّملةِ
والبعوضةِ والذُّبابةِ والعنكبوتِ والحمامةِ
والحصانِ والحمارِ والبغلِ
تعلَّمْ
تعلَّمْ
( 16 )
يضربُني الحبُّ
كما تضربُ أمواجُ البحرِ صخورَ السّاحلْ
فيُفجِّرُ أنهارأً في رملِ فؤادي القاحلْ
ماذا يحصلُ ؟
في رأسي تتعالى كركراتُ الأطفالِ
وضحكاتُ الصَّبايا
وخفقاتُ المناجلِ وَسْطَ السَّنابِلْ
وسيِّدتي لا تخافُ البردَ
لا تخافُ البردَ ... هذا أمرٌ طبيعيٌّ
فإنَّها تتدفَّأُ بالنّارِ التي تُشعلُها في قلبي
عاجلْ
عاجلْ
عاجلْ
كلُّ شيءٍ يمكنُ أنْ يقبلَ التأجيلَ اإلا الحبَّ
الحبُّ عاجلٌ غيرُ آجلْ
نَعَمْ
في رأسي تتعالى كركراتُ الأطفالِ
وضحكاتُ الصَّبايا
وخفقاتُ المناجلِ وَسْطَ السَّنابِلْ
والرَّبيعُ لا يأتي إلا إكراماً للحبِّ
والأشجارُ لا تورقُ إلا إكراماً للمحبِّينَ
والحبُّ ...
غامضٌ وواضحٌ
مجهولٌ ومعلومٌ
معروفٌ ومستَنكرٌ
صافٍ وكَدِرٌ
ضيِّقٌ مثلَ الطريقِ ألى الفاوِ
وواسعٌ مثلَ الكرةِ الأرضيَّةِ
وأنا ...
إكراماً للحبِّ أقولُ الشِّعرَ
وصديقي ذو اللحيةِ البيضاءَ يقولُ :
الوقوعُ في الحبِّ
أخطرُ مِنَ السُّقوطِ مِنْ قمَّةِ جبلْ
فأتفهَّمُ قولَهُ وأقولُ لَهَ :
هل أنتَ حكيمٌ ؟

هناك تعليق واحد:

  1. ريسان الركابي9 يوليو 2016 في 10:30 م

    تحية وتقديس لغزاي درع الطائي

    ردحذف