إرهاب دول الخضار: عمر الدليمي

رحم الله الفنان الراحل قارئ المقام العراقي (حسن خيوكه )حتى لو لم يغن سوى أغنيته الشهيرة (من ألبير لو مي أشربت ) هذا الجد العظيم الذي رحل عن هذه الدنيا الفانية منذ عشرات السنين ، ربما لم يقدّر إن أغنيته تلك سوف تبقى خالدة ويتردد صداها حتى يومنا هذا نظرا لما تحمله من جمال الفن وروعة الأداء ، والطاعنون في السن والأوجاع مثلي يعرفون ما تتضمنه من حكمة ويسحرهم صوت الجد خيوكه الرخيم وهو يردد (بالك ... بالك تذب بيها حجر ) .. رحمك الله ياجدي خيوكه . وقبل أن تسألوني ما مناسبة تذكري لهذه الأغنية وهل إن ذكرى رحيل أو ولادة هذا الفنان تمر علينا في هذه الأيام ، سأجيبكم باني لاأعرف متى ولد الرجل ومتى توفاه الله وما جعلني استعيد ذكرى هذا الجد العطرة هو ما يدور من أحاديث عن الآبار وتكاليفها وأحسن السبل لحفرها في المنازل والمزارع والحقول ، وليس في هذه الأماكن فحسب بل في دوائر الدولة ومنها طبعا دوائر الماء والموارد المائية والسبب هو انقطاع الماء خابطه وصافيه في عموم محافظة ديالى . وليس الغرابة في عدم وجود الماء ، بل في سرعة تكيّفنا مع مستجد الحال وأنا أول الجميع الذي بادر لحفر البئر وكنت ائمل أن احصل على الماء ولا اشغل بال الحكومة العزيزة المشغولة طبعا بقضايا كبرى ساعدها الله على حلها خاصة وان الجماعة حفظهم الله قد صار ديدنهم أن يرضى هذا اليوم ، ليزعل ذاك غدا ، ولمن يسال عن أسباب الخلاف ، أقول إنها كثيرة ومهمة وتتعلق بمستقبل البلاد واستراتيجيات مواجهة القرن القادم لأننا- والحمد للرحمن في علاه - قد سيطرنا على مجريات الأمور ورسمنا المستقبل الوردي لشعبنا ولم يتبق إلا غزو الولايات المتحدة الأمريكية والصعود إلى المشتري لتامين بناء دولتنا الجديدة هناك وإحلال الديمقراطية في المجموعة الشمسية وهنا تكمن نقاط الخلاف بين الكتل السياسية المؤتلفة في حكومة امبرطوريتنا الرشيدة ، أي في توزيع البطاقة التموينية على سكان الكواكب المحررة ونطاق مسؤولية كل كتلة في امراطوريتنا الكونية فهل يصح إن ( نايب عريف شرطة عمر الدليمي ) يتولى حقيبة القمر في حين إن ( عريف حسين التميمي ) يستحوذ على حقيبتي المريخ وزحل ؟ ، ولذلك تجد إن وقت الحكومة مثقل – بملفات إصلاح ذات البين وإقناع هذا أن لايجر في العرض وذاك أن لاينسحب للشرق – ولا اقصد طبعا جريدتي العزيزة الشرق التي دوختها هذه الأوضاع هي الأخرى . الذي أريد أن أقوله لك يا جدي المرحوم هو أن البئر التي حفرتها منحتني ماء أجاجا ، وعليه ياجدي الطيب وبما انك قد غنيت عن الآبار فلابد أن يكون لديك معرفة بشؤونها ، ولكوني من أحفادك - المغضوب عليهم - فانا اعرف سرّ هذه الابتسامة الساخرة ، بل المرّة ، لا بل الخبيثة – وليعذرني جيرانك الموتى عن هذه الوقاحة ، فهم لايعرفون ، مثلما اعرف ما ترمي إليه ، لكني سأفضح مراميك ، فيا أيها السادة الموتى رحمكم المولى ، إن جدي حسن يقصد باني تركت آبار الدولارات ، ويعني آبار النفط وشغلت وقتي وأفكاري بآبار الماء ... عليك الرحمة يا جد لقد كان وقتك وقتا آخر ، فعندما تعطش تشرب من أي حب أو من أي ساقية وعندما تعرق ترمي جسدك في دجلة ، أما أنا فلا ساقية عندي ودجلة مصوبة نحوها آلاف الفوهات ، أو تظن بأنها فوهات ،( ماطليات )، كتلك التي تغنيتم بها في مقاماتكم الخالدة ؟ كلا يامرحوم إنها دبابات وصواريخ اسمها ، كروز ، وفوقها طائرات ليست كتلك التي هتفتم عندما شاهدتموها فوق سماء بغداد إبان ثورتكم في عشرينيات القرن الماضي ( متعجب خالقلقله إبعيره ) لاياجد فهذه الطائرات ترى وتتكلم وتعلم الجهر وما يخفى ( أي لعد عبالك لعب إجعاب ) ليس هذا فحسب يامرحوم فالوصول إلى شواطئ دجلة التي ذبحتمونا غناء بها أمر ليس محفوفا بالمخاطر وحسب ، بل انك لاتدري من الذي سوف يأتي ويغلّ راسك في طين الجرف دون أن يسال أحد عن الأسباب التي تعددت والعراقي واحد ! ، فضلا عن إنني لا أجد شربة ماء ، ولو ترى الناس فرادى ومثنى ورباع مهرولين جريا وراء عربات هي ماركة عراقية خالصة ، الم اقل لك بأننا قد تعودنا التكيّف مع الظروف وأظن انك تتفق معي بان هذه تحسب لصالح العراقيين في قدرة عقولهم على ابتكار البدائل ، وهنا اذكر لك مثالا رائعا حدث في عهد احد أولياء الأمور الذين حكمونا ، عندما حاصرنا أصدقاؤنا – بمحبة كبيرة – فقد استعضنا عن الخبز بالباذنجان وعن اللحم بالباذنجان وعن البقلاوة بالباذنجان وعن البيبسي بالباذنجان وعن البرتقال بالباذنجان وعن التشريب بالباذنجان وعن الباذنجان بالباذنجان حتى استحققننا لقب سليلي ( وحش الطاوة ) وأخذت أيامنا من لون الباذنجان لونها ، بيّض الله وجهك عند ربك. لقد كانت أيام ياجدي ..! ، حسنا فعلت ومت قبل أن تغْصب على بلع قطعة كارتون يقولون إنها خبزا ، وليت الأمر ينتهي عند هذا الحد بل عليك أن تحمد الله والقيادة الرشيدة لأمير المؤمنين وتهتف بأعلى الصوت بالروح بالدم نفديك ياامير ، ولذلك انتظرنا المحررين ، ( تعال وأشوف الكيف والطرب ، ياسهره يا مقام رقص حتى الصباح ، وماكو صبح وحك تربتك الغالية جدي ) . ما علينا بهذا فانا ألان جالس قبالة بئري اندب حظي التعيس .. ولكن ، ماذا تريد ياجدي عندما تذكرني كل لحظة بآبار النفط ( هسه م تكلي يامرحوم اشجلبت ابير النفط ،منو جاب طاري النفط هذا الغضب اللي حل على رؤوسنا ) ، ثم من أين لي ببئر النفط التي تتحدث عنها ، فانا لااملك حتى صفيحة نفط واحدة وانتظر أن يشملني كرم المجلس البلدي ويحن على حالي مختار المحلة – قاسي القلب – فاحصل على (دبة) نفط واحدة ، لكن وعلى ما يبدو أن موتانا هم الآخرين – وما أكثرهم هذه الأيام – لايتركون مسألة القيل والقال ، فأخبروك بان أسعار النفط ( وصلت للضالين ) وهنا أسالك يامرحوم ... ( من جنت عايش افتهمت من النفط شي وهسه تريدني إني ابهالوكت الأغبر أفتهم الموضوع أوين راح النفط وأمين أجه النفط .. بالله هذا حجي مو مال بطران ، هيه ألمذبحه عليمن رحمة على تربتك جدي ؟! ) . دعني أريحك ياجد ، فموضوع النفط ليس من شأني وشانك ولربما ليس حتى من شان الحكومة ( سولف غيرها جدي مو انهجمت البصرة ) . دعني اهتم بمشكلتي مع الماء والبئر اللعينة ، وإلا فانك تريدني قربك أو انك تريد أن تزيد الملايين الخمسة من العراقيين الذين يعيشون –بطرا- خارج البلاد نفرا آخر . ولكي لاتجزع وتلتف بكفنك الطاهر وتتركني أعاني ماساتي وحيدا سأستعجل الحديث وأقول لك بأننا في مدينة بعقوبة ليس لدينا ماء – ولك الحق بان تضحك لأنك ربما غنيت ( جلجل عليه الرمان والنومي فزعلي ) وأين يكون الرمان والليمون مثل ذاك سوى في بعقوبة - نعم فلا ماء لنشرب ولاماء لتستقي أشجارنا وحيواناتنا والأنهار التي عهدتها صارت قاعا صفصفا ولذلك بادرت حكومتنا الرشيدة بتقديم النصح لأبناء الشعب بحثهم على حفر الآبار لمواجهة مستجد الحال ، واعدت العدة للنهوض بمسؤولياتها والقيام بحفر الآبار في المنازل والبساتين والمزارع وبذلك ضربت عدة عصافير بحجر واحد ، أول العصافير هو توفير المياه وثانيها إننا شغّلنا العاطلين والأخر إننا أفشلنا مخططات الأعداء ، وهزمنا الإرهاب الذي استغل الأنهار والمبازل كمدافن لأبناء الشعب المسكين انتقاما من أمريكا ! ولاياخذك القلق من اندثار الأنهار ، فهذه لها مشاكلها المزعجة هي الأخرى ، فناهيك عن استغلال الإرهاب لها إنها تحتاج ما بين آونة وأخرى إلى الكري ، فضلا عن إنها صارت مرتعا لعشبتيّ زهرة النيل والشمبلان ، ولو تدري يا جد كم أنا شامت بهذين العدوين اللدودين ، زهرة النيل والشمبلان – فأما زهرة النيل فتنسب إلى نهر الأجانب المصريين النيل ، واعرف انك مستغرب من تسمية المصريين بالأجانب وهنا أقول لك بأنها التسمية الديمقراطية التي استبدلنا بها التسمية القديمة (الأشقاء ) ، وهذا من متطلبات عصر العولمة - وسوف أؤجل شرح هذه المستجدات لك ولرفاقك في (المجنة ) نظرا لضيق الوقت – وأما الشمبلان فهو غضب حل بنا ولا اعرف من أين جاء . لقد كانت هاتين النبتتين تنموان في مجاري الأنهار –التي وفقنا الله وسنستغني عنها – وتمنع جريان الماء ، وألان بعدما جفت الأنهار والسواقي أين سوف ينمو هذين العدوين اللدودين ؟ أنت لاتعرف ياجدي المرحوم كم صرفنا من الأموال لكي نتخلص من زهرة نيل الأجانب والشمبلان دون أن يتحرك لها عود ولا خيط ، ولكن باستغنائنا عن الحاضنة الأساسية لإرهاب زهرة النيل والشمبلان وهي طبعا الجداول والأنهار نكون قد قضينا قضاء مبرما على أعداء الزراعة في منطقتنا ، ومع أن دائرة زراعة ديالى قد أعلنت إن لازراعة ولا خطة صيفية ولاهم يحصدون ، فان المواطنة الحقة تتطلب من الإخوة الفلاحين التضحية من اجل الهدف الأسمى وهو القضاء على إرهاب زهرة النيل والشمبلان وبإمكان أصحاب البساتين البحث عن مهنة أخرى غير الزراعة والتطوع في الجيش والشرطة مثلا ، وهو عمل وطني أيضا للقضاء على الإرهاب ، ولاقلق من ناحية التدريب فلدينا أصدقاء لم يبخلوا في تحويل جل الشعب إلى عساكر وعسس من اجل الهدف الكبير – كما قلنا وهو القضاء على الإرهاب – وتبقى مسالة الإنتاج والمصانع والمزارع شغله أخرى ويمكن لأصدقائنا ومحررينا الأمريكان الأعزاء توفير هذه الاحتياجات غير المهمة ، ومن جميل الأمور أن تطالعك إشكال الشوفرليه والفورد التي كنا محرومين من أزيز محركاتها الذي صار يشنف أسماعنا خاصة مع وجود صفارات الإنذار المتواصل في شوارعنا الجميلة . اجل ياجدي ، فكم كان بودي لو كنت مابين ظهرانينا ، فمناسبة القضاء على زهرة النيل والشمبلان تستحق الاحتفال وتقديم التهاني والتبريكات إلى وزارة الموارد المائية ومديرياتها في المحافظات الأخرى وذلك لأننا قد اهتدينا إلى الحل أخيرا وقضينا على تينك العدوين ، ولو أن هذا الحل قد جاء بإياد أجنبية وقد كنا نفضل أن يكون بإياد عراقية !! وإذ تسال ياجدي من هؤلاء الأجانب الرائعين الذين ساعدونا في هذه المهمة التاريخية فاعلم بان الجارة العزيزة إيران قد بذلت جهدا جبارا في بناء السدود على منابع الوند وسيروان وباله جو ، هذه الأنهار التي تمول عدوينا –زهرة النيل والشمبلان – بالمياه التي تحتاجها لإدامة عدوانها علينا ، فتمكنت هذه الجارة العزيزة من مساعدة هذا الشعب المظلوم – وهنا أؤكد على مسالة المظلومية هذه ! – في القضاء على بقايا النظام الاروائي السابق !! وبذلك انتهت حقبة سوداء من تاريخ العراق تمثلت باستبداد النظام الاروائي المطمور ليطل علينا عصر الآبار الارتوازية والكل يحفر بحرية كاملة وربما وجدت الحكومة إن من المناسب تخصيص وزارة للآبار الارتوازية تتولى تنظيم مسالة حفر الآبار واستيراد المعدات وإحالة المشاريع على الشركات ، ولكن من الممكن هنا أن تبرز إلى الواجهة مشكلة من يتولى حقيبة هذه الوزارة ولكن من الممكن الحصول على مساعدة الأصدقاء المحررين وجعلها ثلاث وزارات بدلا من واحدة تتولى كلّ منها جزء من مهمة حفر الآبار وبذلك نكون قد تجنبنا الخلافات وهذه مهمة قد يتولاها مجلس النواب لضمان عدم قيام أي جهة متضررة باختطاف ملاك الوزارة ! لاتقلق أيها الجد الرائع فان كل مايقال عن استيراد الطماطم والخيار وذهاب البعض إلى إن المسالة ما هي إلا بعض الوقت ثم نضطر إلى استيراد الفجل والكرفس لايعدو عن كونه محاولات خائبة لبقايا أيتام النظام الاروائي المطمور الذي جر على مزارعنا وبساتيننا ومدننا ويلات زهرة النيل والشمبلان ، وما هؤلاء ياجدي إلا أعداء العراق ( الديماباري الجديد )الذي ينعم بحرية النبش ويستقبل شمس تموز بال( جوبي )، ولو كنت معنا ياجدي فلسوف تتمتع بمنظر المواطنين وهم يهرولون ذات اليمين وذات الشمال ، مستمتعين ، وهم يدفعون عربات حديدية تفنن العاملون في الحدادة بصناعتها – لكني سوف أحدثك عنها لاحقا ، نظرا لكونها تمثل قصة رهيبة وممتعة يمكن لك وجيرانك الموتى الاستمتاع بتفاصيلها – ليس ذلك فحسب ، بل انك قد تتفاجا بمنظر احدهم وهو يخرج من حفرة حفرها أمام باب منزله بحثا عن ذكريات أجدادنا الذين كانوا يستعملون أنابيب تسمى أنابيب إسالة الماء الصافي ، ولا تقلقك محاولات ( دول الخضار ) التي تحاول إفشال تجربتنا ( الديم أبارية ) بفتح حدودها أمام تسلل الباذنجان والخيار والطماطم والكوسة والبرتقال والليمون والأعناب والرمان وبقية الخضراوات الإرهابية التي عزمنا أن نتصدى لها بكل ما أوتينا من آبار انتخبناها لتكون مصدر مياه لشعبنا الذي عانى طويلا من ديكتاتورية الزهرة النيلية الأجنبية والشمبلان ، وإننا قادرون بمساعدة الأصدقاء على دحر كل مخططات بقايا أيتام النظام الاروائي المطمور ، وهنا أجد لزاما علي أن أؤكد إن على دول الخضار أن تعمل على منع تسلل الخضروات وان لصبرنا حدودا وان لدينا من الأدلة والشواهد على تدخلها في شاننا المائي ما يؤكد تورطها في هجمة الباقلاء الأخيرة على أسواقنا وإلا بماذا يفسرون صياح البقالين ( مي وملح ) وألف رحمة على روحك حسن خيوكة .