البحث عن صنم / حسين علي الحمداني

البعض يتصور بأن المثقف هو ذلك الرجل الذي يرتدي (قاط لماع) ويمسك محفظة أو أجندة ( مفكرة) ويضع في جيب سترته العلوي نظارات وقلم , , هذا هو التعريف الخارجي لمثقفينا , أو ما يروج هذه الأيام في الشارع الثقافي المحلي , والغريب في الأمر بأن ذات الأدوات كانت تستخدم في الزمن الغابر حيث وجدنا في سنوات القحط الثقافي الممتدة من بداية الثمانيات حتى بداية الألفية الثالثة بان الثقافة تعني مدى قربك من السلطة .. أنت قريب منهم وتمدحهم وتجعل منهم أبطالا فأنت مثقف وتجزل لك العطايا كأي شاعر أو كاتب أو أديب من العرب الذين افتضح أمرهم بكوبونات النفط مقابل الشعر والتأليف , فامتلأت صحفنا آنذاك بقصائدهم ودراساتهم التي حولت هزائم الحروب إلى انتصارات وعكست صورة مشوهة لشعب عانى كثيرا من الظلم والاضطهاد , حتى إننا عانينا في إقناع الأشقاء
العرب بعد 9 نيسان 2003 بان المقبور صدام قد ضرب حلبجة المدينة العراقية بالأسلحة الكيمياوية و قمع انتفاضة الجنوب المباركة , فشلنا في أعناقهم لأن مئات القصائد قد كتبها ( النشامى ) تؤكد بان هؤلاء أعداء عبروا الحدود طمعا بحضارتنا , هؤلاء لم يكن يهمهم رأي المثقف العراقي ولا تهمهم رؤى النقاد بل جل ما كانوا يطمحون إليه هو رضا الأستاذ أي كان منصبه حتى لو كان رئيس الجمعيات الفلاحية فهو يأمر وينهي ويرفع التقارير ويجزل العطاء لحظة العطاء , وهؤلاء ربما لم يدركوا انهم جلبوا الخراب الثقافي للبلد برمته وعكسوا ثقافة أحادية عكست وجهة نظر الحاكم المتسلط فجنوا على الثقافة والمثقفين , كنت أتصور إن هؤلاء سيندثرون بمجرد سقوط ملهمهم في ساحة الفردوس , وتصورت إن قصائدهم ستحرق نفسها خجلا أمام الشعب لحظة السقوط المدوي , ولكنني وجدتهم بذات أساليبهم يبحثون عن أصنام جديدة يعبدونها في زمن الحرية , فإن لم يجدوا هذه الأصنام عمدوا إلى تنصيب احدهم صنما فيمجدوه , هؤلاء الذين ساهموا بخرابنا ودمارنا وتزييف تاريخنا فكتبوا القصائد المزيفة والدراسات المنمقة والاطاريح المسروقة والشهادات العليا التي نالوها بحب الصنم تكريما منه لهم جراء جهودهم اللامحدودة في تلميع صورته والتغزل باهتزاز شواربه , هؤلاء لازالوا يتكاثرون بين منتدياتنا واتحاداتنا ونقاباتنا وثقافيات صحفنا ويحاولون فرض أنفسهم أوصياء على ثقافتنا ومثقفينا ومحاولة انعاش ذاكرتهم الخاوية بجرعات جديدة . ربما هم يتصورون بأن ذاكرتنا صدأت ولم تعد قادرة على استذكار تجنيهم بحق الثقافة في بلدنا بكافة أمواجها القوس قزحية , ليتهم كانوا قد منحوا أنفسهم لحظة تأمل ومحاسبة للذات وجلدها وإحالة أنفسهم طواعية لمحكمة الضمير ليحاسبوا أنفسهم عما اقترفوه بحق المثقف العراقي , ولكن لم يفعلوا هذا بل تهافتوا كالجياع باحثين عن منافع أخرى ومكاسب أخرى متناسين بان ذاكرتنا لا زالت تحتفظ بما قالوه ونعتو به صنمهم الذي تهاوى ولم تشفع له قصائدهم وهوساتهم وملايين المقالات التي مجدوه فيها , فمتى يسقط هؤلاء في امتحان الوطنية الحقة لا وطنية القائد الضرورة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق