ووقفت على بابها الحميم, لأقيس ارتفاع
الدمع في جزرة نهرها المعلول فلطالما
شيعتني هذه الثكلى الطروب – التي أسميتها
مدينتي وسمّـتني جوابّها المقيم – شيعتني فوق مشابك
عرباتها الأجيرة نعشا مزدهرا بالألوان
المستطيلة,,
وألفا كان تابوتي يطوف صدر ثكلاي
المرمية على شفا النهر المسافر في تابوته
المديد, ولمرأى قفا هودجي ما شبكتُ
عشري على رأسي أمام راهب النهر لأن
يديّ – أمس ِ – قريرتين نامتا في سهرة
الارض الحرام,,
ولم أبك عليّ ،
ولكن كم بكت عليّ ،،
بكتني حتى شح نهرها الكريم , ومثل المؤدب
” زوربا ” تتباهى برقصها الأسود لي فتهربُ
قلاعي من بين البيادق المكفوفة
واحدة.. واحدة .. إلى خانة النهر, أو حانة
النهر,,
وفي كل طوافٍ ، كنت أرمم تصدع برج الدمع
الذي مثل النوى صار صيفا نائما وتصحو
على سطوحه نسائم الاحزان ,,
وفي كل طوافٍ ، كنت آتيها من البارود
المُرهِب بوشيج ٍ يقين ,,
وفي كل طوافٍ ، كان النهر الرديف يخلع على
جنازتي اليومية عباءة من آسه, وغيمة من
شجاه,,
وفي كل طوافٍ ، كانت هذه الغيور – التي
أسميتها ” قتول ” وسمّـتني قتيلها الغيران –
تـُحكم الابواب عليّ وتدعني ألوب كما السكـّر
المعتقل في سراي الدم ولأني مذاب فيها فلم
تقل لي يوما:
-هيتَ لك ،،
وكم بكت عليّ ؟
بكتني هذه الرحيمة – التي أسميتها جمرة
المنتهى وسمّـتني غضاها – حتى تمنت مقلة
أخرى وحربا مُضافة كي تشيعني بها وتبكي
, تشيعني وتبكي وعسى أن تطرد الدموعُ
اليبابَ ,,
وضمتني هذه الميضأة – التي أسميتها مثواي
وسمّـتني نزيلها اللايؤوب – ضمتني الى شبابيكها
الشاتية بلبلاً مأثوما برفيفه المترنح,,
والى فوانيسها الشاكية سراجا يختال بفتيل ما
فاضَ من النواح وما شحّ من الزيت أو من
الماء الذي خاصم نهرَها, نهرَ التي أسميتها
بضعتي وفي اجتماع شقائق النعمان سمّـتني
الشقيق الأحمر.
اغتراب المثقفين : سعد محمد رحيم

ها هنا أتحدث عن المثقفين اليساريين الديمقراطيين والليبراليين والعلمانيين، وهؤلاء يمكن أن يكونوا منتظمين في أحزاب أو حركات أو مؤسسات، لكنني لا أتناولهم لصفتهم هذه، مع استبعادي بالمقابل لمروجي الإيديولوجيات الدوغمائية وساكني الأبراج العاجية. ولكي أكون أكثر تحديداً أقول؛ إن المثقف هو من تشغله معضلة المعنى بحسب دوركهايم ومن ( يتحلى بروح مستقلة محبة للاستكشاف والتحري وذات نزعة نقدية واحتجاجية تشتغل باسم حقوق الروح وحقوق الفكـر فقط ) على وفق ما يذهب إليه محمد أركون، ومن يصرح بالحق في وجه السلطة أياً كانت، ويعكر الصفو العام بحسب إدوارد سعيد، ومن تكون موضوعات العالم كلها بما فيها ذاته بالنسبة إليه، محل رؤية عقلانية نقدية صارمة لا تهادن بحسب عدد هائل من مفكري الحداثة وما بعد الحداثة بدءاً بكانط وديكارت وسبينوزا وماركس، وليس انتهاءً بهابرماس وفوكو وديريدا وإدوارد سعيد ومحمد أركون. وفي هذا المقام، أقصد بالاغتراب
الرجل .. الذي.. عقر.. الناقة : ماجد الحيدر

أصوات ليس لها صدى: حسين التميمي

لن نبالغ اذا قلنا ان المواطن العراقي بحاجة الى الكثير من الاشياء.. والمسميات التي غابت عنه او تم تغييبها خلال السنوات القليلة الماضية . ويقع الأمان والشعور بهذا الكائن العجيب والغريب في مقدمة احتياجات المعني او المسمى بـ (مواطن) فيتحاشاها لأنها اصبحت ملتبسة ومدغمة مع مفردات وتسميات اخرى استهلكت في السنوات الاخيرة .. بحيث لم يعد بالامكان الحديث عن تلك المسميات والمفردات من دون الشعور بأن ثمة كاميرا خفية ستقول للمواطن في أي لحظة بأن عليه ان لايبالغ في هدر مشاعره (الوطنية!!) والانسانية وأن الموضوع برمته لايعدو ان يكون اكثر من مزحة من ممازحات تلك الكاميرا.صادف انني كنت ضيفا اعلاميا (ثقيلا) على احد المسؤولين (الكبار) وصادف ان هذا المسؤول كان يتمتع بحس انساني وبدعابة محببة (لم تفقدها السياسة رونقها !!) وكان هناك أيضا مواطن متظلم يشكو عدم توفير فرصة عمل له على الرغم من حصوله على شهادة من كلية الآداب ومعرفته بلغة اجنبية (اخرى) فضلا عن اللغة الانكليزية . المواطن بدت عليه ومن خلال هندامه الرث مظاهر الفقر المدقع . وكان يتوسط لدى هذا المسؤول للحصول على وظيفة في دائرة اخرى .. المسؤول اعتذر .. كونه حاول استخدام نفوذه مع الجهة المعنية بتعيين هذا المواطن ، لكن نفوذه لم يفلح في استحصال الموافقة على الرغم من كون مستوى هذا المسؤول الوظيفي يفوق بدرجة كبيرة درجة او وظيفة المسؤول الآخر المراد تعيين المواطن في دائرته !!المواطن شعر او فهم الاطار الحقيقي للموضوع . وفهم ايضا بأن الوظيفة المرتقبة لن تكون من نصيبه , فحاول التحدث بصراحة عن معاناته دون الأخذ بنظر الاعتبار انه يشتم او يدين مسؤولاً امام مسؤول آخر . فقال : الدائرة المعنية تريد ورقتين لتعييني (أي 200 دولار) فقلت له : ولماذا لاتجرب التقدم لوظيفة في الدائرة (كذا) فقال هذه تريد 8 أوراق (اي 800 دولار) فما كان من المسؤول الكبير الا ان اجاب : ربما يجب علينا ان نوجه كتاب شكر للدائرة الاولى كونها لاتكلف المواطن اكثر من ورقتين بينما الدائرة الاخرى تمارس او تتصرف بجشع وانتهازية لأنها تكلف المواطن فوق طاقته !!الغريب في الأمر ان تتحول الرشوة والفساد الاداري والمالي والاخلاقي الى مسلمات او واقع حال معترف به . ولا يحتاج الى اكثر من مساومته!!تلك طامة ليس بعدها طامة . والغريب ايضا أن بعض المسؤولين الذين حضروا تلك المقابلة بين السيد المسؤول و(الأخ) المواطن رموا بالكرة في ملعب المواطن حين استوضحوه اسم الشخص الذي طالبه بالرشوة ، وحين اعتذر عن ذكر الاسم قالوا بعد مغادرته : هذا الرجل يستحق العقاب لأنه يدعي الكذب على المسؤولين ولو كان صادقا لذكر لنا اسم المرتشي!!اذن بهذه الطريقة تحاكم مآسينا ومظالمنا . وبهذه الطريقة يتم شطب اصواتنا وصرخاتنا لأنها وبكل بساطة اصوات لاتمتلك صوتها ولا تحظى بالاحترام والتقدير . الا في ايام الانتخابات !!حيث يشعر السيد (مواطن) بأنه مواطن فعلا وانه قادر على ان يؤثر بشكل ايجابي او سلبي في صعود هذه الفئة او تلك . لكن وبمجرد صعود تلك الفئة يتم نسيان المصعد وعمال المصعد !!(اذا صح التعبير) ويبالغ بعض منهم فينسب الأمر الى غيبيات وخزعبلات ما انزل الله بها من سلطان.
إرهاب دول الخضار: عمر الدليمي

آخر حوار مع ناجي كاشي قبل رحيله بيوم عبر الماسنجر: بلاسم الضاحي
هل يمكن أن نستثمر لقاءاتنا عبر ألنت مع أصدقاء ونحولها
إلى محاورة مقروءة وصالحة للنشر ؟؟؟
كــان هذا اللقاء مع المسرحي المبدع الدكتور ناجي كاشي عبر الماسنجر:
في كل مرة ألتقيه من خلال صحيفة بوجهه الورقي أو لقاء تلفازي بوجه ضوئي يعيد أميال ذاكرتي إلى سبعينيات القرن الفائت حيث أكاديمية الفنون وجمالها والقسم الداخلي ومزحه المتواصلة ، شاب رشيق ، خفيف الظل ، فيه سمرة سماوية ألقتها السماوة إلى بغداد ، هادئ ككتاب متحرك مثل رمال السماوة ، يبني شكله فيمحوه بحثا عن صورة مثالية تالفة فيستوطنها .
في كل صباح كانت تزعجنا شهقة المجفف وهو يلثم خصلات شعره التي لوحتها شموس ظهيرة سماوية فأحالتها إلى كتل تلتف على بعضها البعض ، نتحامل عليه لكن سرعان ما تهدأ فورة ذلك الغضب وتبددها تحيته الصباحية الودودة مشفوعة بابتسامة نقية ، ونحن نغسل وجوهنا من وجع الليل الفائت .
لم تألف خطواته شوارع بغداد التي طالما جلدتها خطاه الباحثة عن شئ ، لم تستهويه مشاربها ولا نسائها الجميلات ، ظلت السماوة خيمته الأولى التي آوت جسده ولوحت سمرته البدوية وهذبت روحه المرفرفة في سمائها والتي سيقت قسرا نحو حضارة مائعة .
كان يبني صروحا ويهدها بحثا عن نسمة هواء أنيقة ، لا يعلوه سقف ، سماءه السماوة وشموخه نخل السموات .
وبعد سنين .... سنيـــــــــــــــــــــــــن ....... التقيته ليس من غرفتي المجاورة لغرفته في القسم الداخلي في الوزيرية منزعجا من صرير مجففه الصارخ هذه المرة بل دلني عليه الكترونيا احد الأصدقاء بعد أن شرّقت بنا الحياة وغرّبت بما يقارب الثلاثين عاما بنهاراتها العليلة ولياليها الطوال ، بأفراحها الشفافة القليلة وأحزانها الثقيلة المتعبة ، فكانت صورته الضوئية بعينين متورمتين ووجه ثخنت وجنتاه وتهدل حنكه واتسع صدره وشابت سوالفه المجعدة ومالت سمرته نحو الخشونة وغادرت ترفها على عجل التقيته هذه المرة بلا براق ، بعد ان ضغطتُ على احد أزرار الكومبيوتر هذه الكوة العجيبة المدهشة التي تشبه ( خاتم سليمان ) كما كانت تدهشنا وهي تنثال من أفواه أمهاتنا قبل النوم ، كوة تضع العالم بين يديك بلحظة كلما ووقتما شأت ، تختصر الزمن وتلغي المسافات .
انه الدكتور ناجي كاشي ...............
balasimalthahy: مساء الخير ,,,,,,,,,
balasimalthahy: هل عرفتني ؟؟
naje kashee: ياأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأه ، أنت اللحظة ، أنت الزمن المعلق بين عدمين
balasimalthahy: صديقي وأخي العزيز شكرا لك مقدما والشكر موصول إلى الصديق احمد الذي أتاح لي شرف هذه الفرصة لألقي عليك سلام السلام
naje kashee: حبيبي أنا الآن في وضع لا احسد عليه اشعر بالانفعال الشديد لأني بعد هذا العمر من العذابات استقبل رسالة منك أيها الأنيق الرائع المثقف النبيل شكرا وشكرا لأحمد لأني اهتديت إليك
balasimalthahy: بقدر ما أنا مشتاق لك مسرور لإنجازاتك الرائعة يا دكتور هذا اللقب يليق بكم مذ كنا سوية في الأكاديمية والقسم الداخلي فأنت بحق لم تنل بعد كل استحقاقاتك
naje kashee: أتابع كتاباتك المرموقه ومطمئن لأنك بخير لابد وان نبقى على اتصال وربما يكون اتصالنا مشروعا ثقافيا
balasimalthahy: أخبار نجاحاتك تصلني تباعا عبر الصحافة ومن الصديق الرائع احمد وافرح لكل انجازاتكم الرائعة .
naje kashee: شكرا لهذه الطلة الانيقه ، صورتك رائعة وتنبأ بالحيوية ، لك كل الخير والمحبة
balasimalthahy: : بل أنت الأروع بطلتك السماوية البهية ، هذه صورتي التقطتها على ضفاف نهر الوتد في خانقين حيث ألقيت الرحال هناك بعد أزمة التهجير ألقسري في بلادنا مع إني وكما عهدتني لا أعير اهتماما لهذه الأسباب التي من اجلها شملنا التهجير ولم يكن في نيتي ـ على اقل تقدير ـ إلا أن أكون عراقي الانتماء ولا أكون جزءا من هذه اللعبة .
balasimalthahy: اليوم قرأت لكم لقاء في جريدة الأديب ولي عنه ملاحظات أو فلنقل ايضاحات لو سمحت .
naje kashee: أكون ممنون لو انك زودتني بالملاحظات وتبقى هي وجهات نظر اعتقد ان لدي مشروعا وكنت أتحدث من خلال منطلقاته النظرية ، ومن خلال التأسيس النظري أجد تفسيراتي للأدب والمسرح والفلسفة والثقافة بشكل عام
balasimalthahy: أنت كنت مجيدا ورائعا ، واجد ان هذا الحوار قد أنجز بسرعة لم يستوعب تسلسل أفكارك ولم تستطع أن تسلسلها لتقول المهم الذي تريد إيصاله لنا .
balasimalthahy: الحوار الآن أمامي
naje kashee: لكني تحدثت عن المسرح العراقي وقيمت التجربة المسرحية العراقية وتحدثت عن تجربتي والمسرح ألغرائبي الذي ازعم انه من ابتكاري الخالص
balasimalthahy: ما أعجبني حقا هو التقييم المنطقي جدا للمسرح العراقي وأنا أشاطرك الرأي وكتبت في هذا الموضوع عن التجريب المستمر في المسرح العراقي الذي لم يوفق في إيجاد خصوصية واضحة ومنهجية في كل تجاربه وعروضه ولم ينجح في تأسيس مقومات مسرح عراقي خالص ، مغاير ومميز اعتمد على ابتكارات تخرج من أرحام مدارس وتجارب عالميه منقولة بتصرف وتتبنى منهجية مستقيمة ومخلصة لمؤسسيها وحافظ بحرص كبير على منهجيتها وحرم الآخرين من فرصة الإضافة المشرقة ، المغايرة وبدلا من ان يكون المسرح العراقي الصوت كان الصدى بكل تجاربه وأكاد لا استثني أحدا استنبط شكلا ومضمونا مغايرا لما تعلمه وتتلمذ عليه وظل يدور في فلك الآخرين بل ذهب إلى تسويق وفرض المدارس المسرحية التي تلمذته كبديهية ووضع تحتها ألف خط احمر لألا يعبرها مجتهد أو رائي ، هذه الحقيقة لم يجرأ احد ويشخصها بأمانة أو ينبه لها ، أنت محق وجرئ في طرحك المنطقي
naje kashee: تحدثت عن صلاح القصب وقيمته الكبيرة في تميزه الواضح عن غيرة من المخرجين الذين لم يتعدى دورهم عن تقديم مسرحيات وربما مسرحيات جميلة ليس إلا اعتقد إننا نحتاج إلى منظـّر يخلق لنا أسلوبا أو أساليب مسرحية تمييز المسرح العراقي
balasimalthahy: وأيضا عروضك التي قرأت عنها دون أن أشاهدها تستحق ما ذهبت إليه لكن الخلل في اننا لا ننجح في تسويق تجاربنا لأسباب كثيرة أتمنى أن تعمل جاهدا على تعميم تجربتك وتؤكد عليها من خلال النشر المستمر لتنظيراتك الرائعة
naje kashee: وإلا فان المخرجين الآن كثيرين كنا نتمرن مع الدكتور فاضل خليل على مسرحيه مائة عام من المحبة أنا وشذى سالم وهيثم عبد الرزاق تعرف ماذا قال ، قال : ان المخرج مثل شرطي المرور يمنع الممثلين من ان يتصادموا ، هكذا هو المخرج العراقي يحرك الممثلين دون اصطدام ، كانت المسرحية رائعة حصلنا عنها على جوائز مهمة في مهرجان قرطاج ولكنها لا تعدو ان تكون مسرحية ليس إلا ، لم يتمكن أي من المخرجين العراقيين من ان يخلق عالما فلسفيا يقوم على أساسه أسلوبا مسرحيا عراقيا لم يفعلها سوى صلاح القصب وأنا كما ازعم
balasimalthahy: نعم وهذه مراسيم نقلوها لنا بسذاجة في الأكاديمية ، وما زالوا يعلمون طلبتهم على جغرافية المسرح وقدسيته الفارغة ، وطقوس بالية لا تضيف شيئا ولا تسمح بالإضافة ، دون ان يجتهدوا في اجتراحات جديدة ومثيرة ومدهشة ، المسرح لم يعد محكوما بقوانين وقوالب صب تنتج مثيلاتها المحكومة بتوزيع جغرافي عادل على مساحة الخشبة بحجة إحداث توازن منظور ينتج من توزيع هذه الكتل دون ان تخلق ذاتها المتنامية المبتكرة على فضاء الخشبة خارج فضاءات الخارطة المرسومة بهندسة هيمنت على خارطة الخشبة بأكذوبة إنها الحقيقة اليقينية ولا تسمح لغيرها بإعادة رسم خارطة جديدة للخشبة التي تؤطر صورة جديدة لعرض جديد يخلق تكوينات هندسية مبتكرة منظورة من خارج القوننة الموروثة ،المسرح لم يعد فرجة أو متعة ولهو بذاته ، المسرح صدام واصطدام في نقل الواقع من خارج مالوفيته عند الآخرين ، والقصب بدا ناجحا في التأسيس لهذه الرؤيا فجاء من خارج المألوف لأجل ترويضه وتحويله إلى مألوف لينتقل إلى لا مالوفية أخرى وهذه الرؤيا هي التي تسهم في تغيير الذائقة الثقافية وتسمو بها المؤسف ان تجاربه ظلت قليلة ان لم تكن نادرة وعصية على الفهم والتعميم لأنها اكتفت بزمنية العروض ولم تمتد خارج مكان العرض بأذرع أميبية إلى مساحات الإعلام الذي يسهم في تأسيس بنية تحتية تعمم نجاحاتها وتغري الآخرين في تبنيهم لها والانطلاق منها في إنضاج تجارب ترفدها باتجاه ترسيخها في الذهن الجمعي للمسرحي والمتلقي ولم تتح لها الفرصة في تحويلها الى ذائقة عامة فظلت غير قادرة على الاختراق والإزاحة لضيق الفرصة الممنوحة لهذا الرجل المجتهد ، الفرصة التي يمكن لها ان تتسع وتتحول إلى رؤيا منهجية محكمة يتبناها الآخرون ويجتهدون لاكتمالها
naje kashee: بعد ذلك فاني تحدثت عن تجربتي من خلال كتابي الغرائبية في العرض المسرحي الذي صدر ببيروت عن دار الخيال وكان ضاجا بكل الأفكار والانفلاتات التي تحدثت أنت عنها الآن تحتاج القضية كما اعتقد إلى قراءة الكتاب أو إعادة اكتشافه مثل اكتشاف ارتو الذي جاء متأخرا وسيأتي اليوم الذي يكتشف به كتابي هذا على اعتباره منطلقا لفهم جديد لمسرح قرن جديد
balasimalthahy: يؤسفني أني لم أقتن نسخة منه بسبب بعدي عن العاصمة الحبيبة بغداد لكني قرات عنه وسالت احمد عنه قال ان لديه نسخة ، المشكلة كيف استطيع إيصالها لك وهو محق ، الآن أسالك ان ترسل لي نسخة مع أي عابر سبيل يتجه من السماوة إلى خانقين .
naje kashee: إنشاء الله سأعمل على إرساله إليك ، شكرا لأننا متفقون في الآراء أنت تجريبي متقدم وتطمح مثلي إلى الهروب من القدسية التي تحدثت عنها والتي جاءت من خلال عمليات تبني وليس اكتشاف المخرج العراقي مثلا يتبنى ستانسلافسكي ويدافع عنه ويلغي الأخريين
balasimalthahy: الجديد لا يلغي ما قبله إنما يحوله إلى تراث الجديد يبني فوق ما بنوه بمواد تختلف عن مواد بنائهم ولا يحق لأحد الهيمنة المطلقة خارج زمانه ويجبر الآخرين على أن يتناسلوا منه
naje kashee: هذا صحيح وربما كان هذا متأت من سيادة دكتاتوريات أنظمة الحكم والأيدلوجيات التي تخلق أساليبها وتقمع الآخر عادة الم تكن الكلاسيكية ممثلة للسلطة القائمة حينها وكذلك الواقعية والواقعية الاشتراكية وغيرها
balasimalthahy: طيب دكتور لنركز جل اهتمامنا بما عنيته في كتابك ( الغرائبية في العرض المسرحي ) وتحدثت باهتمام كبير عن اللحظة المقدسة على اعتبارها زمن معلق بين عدمين .
naje kashee: ورد ذكر اللحظة هذه في سياق حديثي عن الزمن في المسرح ألغرائبي في متن كتابي ( الغرائبية في العرض المسرحي ) ولم تكن اللحظة ابتكارا خالصا لي وإنما كنت اعمل فيها اجتهادا يحررها من مصدرها الأصلي الذي اعتمده ومصدرها ورد في الاجتهادات التي جاء بها الفيلسوف ذائع الصيت ( باشلار) الذي لم يكن هو الآخر مبتكرا لما ورد في اجتهاده عن الزمن وإنما كان دارسا للزمن لدى ( روبنال) في معرض تعريفة للزمن بشكل عام وليس الزمن المسرحي وعلية فان فكرة التلاقح والتطوير وارده في الثقافة العالمية بشكل عام ، اللحظة إذن : هي الزمن المعلق بين عدمين وهي المساحة التي اعمل فيها وأقدسها والقدسية هنا لم تكن واردة بمعناها التقليدي وإنما تأتي قدسيتها في قدرتها على وضع الذات الإنسانية في مواجهة مع العالم والوقائع المعتادة في اللحظة التي اقصد بعد أن أقوم قصديا بقطع الجذور التي تربط هذه الذات مع المحيط بكل تفاصيله ومدياته بمعنى أن الذات تكون في اللحظة حينما نقوم قصديا بإلغاء قبلياتها التي علقت بها بسبب وجودها التقليدي في المحيط ، وعليه فان اللحظة تكون فاعلة ومكتفية بنفسها حينما تكون مجرده ومفصولة عن سياقها التاريخي ، وتكون مقدسة بمعنى القدسية التقليدية لأنها تغادر كل التمركزات التي اعتادت عليها الذات الإنسانية ، على الرغم من اني أفضل أن اسميها الذات المحايدة أو ( البيضاء ) تلك الذات التي لا ترتبط بالماضي أو المستقبل انها تعمل في اللحظة وتنبعث منها وهي لا تعرف ما الذي سيحدث بسبب الاصطدام مع المحيط ، إذن : هناك أساس فكري مهم تقوم عليه اللحظة بمفهومها الذي ذكرته في سياق حديثي القضية إذن : تتعلق بزمن إبداعي آخر غير الزمن الرياضي الذي هو الساعة وأجزاء الساعة انه الزمن الفلسفي زمن الذات الخالص هذا الزمن الذي اعمل على إيجاده متأت من فكرة المصطلح المهم الذي ابتكرته والذي اطلقت عليه ( القرصنة الروحية) تلك القرصنة القصدية التي تعبث بالسياقات التقليدية لكياسات الذات التي اعتادت وتروضت عليها وصولا لايجا الذات المحايدة التي تصالحت مع نفسها وأصبحت متأهبة للاصطدام بالمحيط لإنتاج واقعة جديدة تماما ومنفلتة من سياقات روتينيه .
balasimalthahy: كيف نسقط هذه الفرضية لإنتاج عمل إبداعي على اعتبار ان اللحظة الجمالية تنازعها قوتان ، قوة جمال الطبيعة وقوة جمال الفن والذي يهمنا قوة جمال الفن وعناصرها الثلاثة ، 1 ـ الفنان / المبدع / الأديب 2 ـ الموضوع / العمل الفني / 3 ـ المشاهد / المتذوق / القارئ ، المتلقي وكيف نؤشرها نقديا .
naje kashee: أما كيف نسقطها لإنتاج عمل إبداعي فاني أقول أن عملية تحييد الذات الإنسانية قصديا من خلال القرصنة الروحية حيث التسلل إلى قبليات الذات ومصادرتها ودحرها وجعل الذات الإنسانية محايدة بيضاء في مواجهة عالم أسميته بـ ( العالم الفجيعي ) ووفق هذا فان المخرج أو المبدع بشكل عام سيكون غير متأكد لما ستؤول إليه النتائج ذلك انها تغادر الصراع الذي اعتادت الذات أن تتعامل بها بسبب التراكم المعرفي السابق الذي اسقط من الذات الجديدة مستعيضا عن الصراع بفكرة التصادم أي التصادم بالشيء وليس التصارع معه وهذا انجاز آخر للخلاص من الصراع الذي بقي جاثما على الدراما منذ ظهورها الأول ، وعلى وفق هذا فان التصادم سيقود إلى إنتاج واقعة جديدة تماما منفلتة من القوانين الفيزياوية والفكرية والجمالية وعلية فان النتاج الإبداعي سيكون جديدا تماما و ترميزيا صعبا وهذا سر الصعوبة التي يواجهها المشاهد أو القاري التقليدي واستنادا لهذه الآلية يمكن تأشير ذلك نقديا من خلال ما اقترحته في أطروحاتي المختلفة حيث قلت ان هناك نقدا لكل صنوف الإبداع أسميته النقد ألغرائبي ينظر للإنتاج الإبداعي على وفق الأفكار المذكورة .
balasimalthahy: أنت هنا فعّلت أهمية اللحظة والغرائبية في العرض المسرحي مجال اهتمامك الأول مع انها يمكن أن تأخذ عموميتها في كل مجالات الإبداع الأخرى إضافة إلى انك لم تبتكر أهمية اللحظة والغرائبية في العمل الإبداعي قبلك برشت وهيغل وتشرنيشفسكي وعالم الجمال بومجارتن وغيرهم ، هل الغرائبية عندك تقترب منهم أم تحمل مدلولها اللغوي القاموسي.
naje kashee: برتولد بر يخت وجد أن من المناسب له ـ وهو يقدم مسرحا جديدا ــ أن يخالف أرسطو وان يخالف قسطنطين ستانسلافسكي مخالفة قائمة على الخلاف الفكري الذي حتم بدوره مخالفة تقنية
فالتغريب الذي جاء به بريخت هو نزوع نحو الخلاص من التقمص ولبس الممثل لجلد الدور المقدم وهكذا فان المصطلح أصبح نزوعا للمشاهد أيضا لكي لا يبقى أسيرا ومنقادا للجو العام الذي تقدمه المسرحية والتغريب كما تعرف مأخوذ ــ كمصطلح ــ من الفكر السياسي الماركسي في معرض دراسته لتقلبات الطبقة العاملة والذوبان اللاشعوري للعامل في عملية الإنتاج واندماجه مع آلية التغريب لا يعدو أن يكون مصطلحا تقليديا سياسيا فلسفيا وان استخدامه من قبل بريخت جاء كمعالجة وتكريم لقدرات العقلية واحتراما لايدولوجيا بعينها ، أما الغرائبية التي جئت بها في كتابي وفي طروحاتي العديدة فإنها تختلف تمام الاختلاف عن التغريب ، فالغرائبية ليست قائمة أو منبعثة من الواقع المحيط أو من فكر أيدلوجي أو اسلوب بعينه إنها نقطة الاختلاف والمنعطف الذي تقف عليه القضية الخلافية في المسرح الغرائبي ذلك ان الغرائبية كمصطلح هي مخالفة المنطق اليومي التقليدي للوقائع والأشياء ومخالفة القوانين الفيزياوية ومقاطعة التراكمات التاريخية والقبليات التي اعتادتها الذات الانسانيه ومن هنا نجد الفرق الكبير بين تغريب بريخت وغرائبية كاشي الغرائبية تحاول أن تجد لها منفذا للدخول إلى عالم هو غير العالم الذي اعتاد المشاهد عليه أولا وان تخلق عوالم جديدة يوتوبية قائمة على فكرة النفي ألقصدي لكل ما علق بالذات الإنسانية والاعتماد على آلية الاصطدام بدلا من الصراع .
balasimalthahy: أنا سعيد جدا بلقائك كنت أتمنى أن يكون هذا اللقاء الحميم لقاء مباشرا ومشافهة لا مكاتبة أعدك باني سأظل احبك أخا وصديقا أتشرف بمحبته
naje kashee: فرح هذا ليوم لأني تحدثت معك أيها الصديق الرائع والمثقف المرموق واعدك باني سأتصل بك باستمرار هناك موضوعات لي في الحوار المتمدن يمكنك الاطلاع عليها شكرا لما قدمته لي من ملاحظات عن المحاورة
naje kashee: تقبل تحياتي وسلامي للعائلة الكريمة والى لقاء آخر
balasimalthahy: إلى اللقاء الذي أتمناه أن يستمر سلامي للعائلة التي لم نتحدث عنها لضيق الوقت لنا لقاءات أخرى إذا تفضلتم بها علينا وتصبح على خير
naje kashee: تصبح على خير وشكرا لك

عام قاس بعد رحيل الفنان عباس محسن الأموي
محمد الأحمد
لم استطع أن أرثيك يومها، لأنه كان موسما قد تساقطت فيه الحمم، القاسية المتلاحقة من كل حدب وصوب، فخسرت فيه معظم الأشجار الباسقة من بستان عمري، وخلفت في عمقي راسبا تكلس جبلا في دمي وما عاد الدم في دما؛ كذلك الوقت فلا عدت من هزيمتي منتصرا. رأيت العراق كله فيك فالوطن ثلة أصدقاء، وقد تلقفته أمواج أبناء الفعلة الغرباء اغتيالا، صيدا ثمينا، تهجيرا، تفتيتاً، تمثيلاً، ليعود الهيكل البشري العراقي بلا جثة، مثخن الجراح. فعاد وطننا بلا وطن، وأصدقائنا الغرّ الميامين بلا موطئ قدم، يحملون الجرح هوية، ويندبون أيامهم مرير البكاء.فكان علي أن اكتم حزني عليك طوال ذلك العام، لأننا سويا قد انهينا كتباً متميزة بما كنا نخترقه بالبصيرة، ما كانت لتقرأ، إلا بالتحدي والصبر الجميل، وشاهدنا أفلاما طويلة جدا، ما كانت لتشاهد إلا بالإصرار وانتظارا للموسم الجميل. غير آبهين بالممنوع أو المسموح، فالسنين التي مشيناها معا انفرطت كما سنبلة، أو انكسرت كقدح من خزف، وصارت أيامي القادمة، دونك، ينقصها الكثير من الحماس، وقليل من الصبر، وما عاد الموت إلا قريبا يطلّ علي من الطرقات، ويظلل بامتداد سوداوي كل حبات المطر، حيث يطاردني بين السطور، التي ارتجها في كل جهشة عليك، وما عادت الأنفاس القديمة كما عهدتها عندي، ف(فيدرك فليني) صاحب أطول اللقطات الفنية إبداعا ما عاد يمسك لحظته الهاربة كما كان يحصل إذ مات هو الأخر ويحلم بتصميم كاميرا لها زاوية 380درجة. كذلك المخرج العبقري (كابولا ) من أكثرهم تجربة في إقناع المشاهد بان فليمه معقول على الرغم من عدم معقولية الواقع، ولأنني أتأمل منك أن تقرأني كنت أؤكد ما قاله رينيه ديكارت (1650-1596) بشكل لا يمكننا تغيره (أنا أفكر إذن أنا موجود)، فالفكرة نتاج عقل ووليدة وجود، فلا يمكن أن توجد فكرة خالدة ما لم تولد من فكرة مدونة استند عليها العقل وتطورت، حيث أفكار الإنسان وحدها التي صارت المدونة هي التي تتواصل بالعطاء وتنير للإنسانية الكيفية للاستدلال إلى الفكرة الحية، والفكرة وليدة الفكرة، فهذا التراث الإنساني وهذه الكتب التي تحوطنا من كل اتجاه ما هي إلا نتاج عقول وليس عقل واحد، والفكرة الراسخة تدحض الفكرة الهشة، وتحل محلها، تفرض ثقلها على متلقيها وتدخل في مناهج الدراسة لتكون ملكة بشرية تولد منها الأفكار الأخرى أو هي تقوم الأفكار الجديدة، والفكرة الميتة تنسى، و تهمل لأنها مبتعدة عن فعاليتها في الثبات، وهي لا تجد من يؤمن بها، وقد ارتبط التفكير المنطقي بالوجود الإنساني وما يخلفه العقل البشري هو ثباته الراسخ، وأثره العميق، ولم نكن يومها نعرف بان الإنسان يصرع الإنسان من اجل فرض المنهج، كما مرّ من سابق الأزمان فكان علي أن أعود إلى موطننا (بعقوبة) لأشاهد بقية ما بقي من المدينة التي احتضنت نهرها (ديالى) العظيم، وبقيت بحيرة أشباح يعلوها الآسن، فأين خطوتك معي يا بن أكثر من أب وأم، واقرب من صديق.. جعلونا مفترقين عند مشارف الأربعين، وجها لوجه، وقلبا لقلب، ولكن في ذاكرة واحدة؛ أمر بجدول (خريسان)، وسطور كتابتي عنك تدوي في ذهني، تضرب كقرع طبول مجنونة، أما يكفي من خراب كنت اشعر به، ومعك أراه، أما يكفي من حزن بغيض جعلنا نخاف من هويتنا على هويتنا، (يحتل مساحات الأبيض.. جمر شرس، وعواصف سود، ورماد.. لكن الشجر الهارب من اسر اللون يعود إلى الأرض، ويزهر في طرقات الليل- فوضى في غير أوانها ) فالعراقي الكائن الوحيد في هذا العالم صار يخاف من بطاقة هويته، ويخاف من كينونته، آو انتمائه، فما عاد الفخر عراقيا ولكن عاد الفخر كيف ينجو من الموت بأعجوبة، رأيت عمرانها المحدودة قد تهدمت، وشوارعها قد تحفرت، حيث يمشي فيها الذعر والفزع، كأساطير المقابر، ويصفر صفير الموت مدويا إذ داستها سنابك خيول الأوباش، كما رأيت عربات نقل تعتمد الحمار بدلا من الماكينة، والحمار بصوت كريه يسود الأمكنة، ويوزع روثه في الأمكنة على الرغم من سياط سائسه. كنت اغني لك ما كنت تحب، وأسألك عن أول فليم (ملون) وأول كليب غنائي، بينما انا امسك هاتفي النقال لا أريد أن امسح رقم هاتفك النقال، لأني واثق كل الثقة باني لو طلبتك فانك تحدثني بما أتمنى أن تحدثني به، (رهائن تشرى وتباع في سوق الخرافات.. سبايا في حريم الشرق.. موتى غيرُ أموات.. يعشن، يمتنّ في جوف الزجاجات صديقاتي.. طيور في مغائرها تموتُ بغير أصوات- قباني) اليوم أمر في مدينتنا (بعقوبة) الجريحة بعراقيتها، وأنا احمل كتابا إليك، أعود به بطيته حيث تجدني أقول لك؛ لا احد غيرك يريده مني، وما عاد (الفليم) الذي كنا نراه سويا يشدني لأني أتذكرك تسرد لي سيرة هذا المخرج واهم أفلامه، وتعرفني بالممثل الأفضل منه، وما عاد الهم هما في اللغة، لأني ما كنت اسمع المفردة، كما أنت تسمعها فأنت تعرف الله وتعرف لهجات أهل خليقته، وما كنت إلا سماعا جيدا لتنهدة الهدهد، وكنت بضحكتك تلفتني إلى ما رمى إليه (غابريال ماركيز) عندما ربط رائحة المني برائحة اللوز، وخيبة الغراميات الفاشلة، فالزمان اليوم غير زماننا، والنهار اليوم غير نهارنا، لان أطفال البارحة يحكمون قبضتهم على المسدسات الفارهة ويصطادون بها الهوية العراقية كيفما تكون، (ليست الهوية الوعي وحده، وإنما كذلك اللاوعي. وليست المعلن وحده، وإنما هي أيضاً المكبوت المسكوتُ عنه وليست المتحقق وحده، وإنما هي كذلك المشروع الآخذ في التحقق، وليس المتواصل وحده، بل المتقطع أيضاً، وليس الواضح وحده، بل الغامض أيضاً- أدونيس).. صار اليوم يطول بالخوف، وبالفقدان، وما عبس إلا لأجل أن يتولى وتضحك لان اليوم الجميل لا يطول، فتلك الرصاصات الثلاثة التي خرقت صدرك ومعدتك، فإنها ما كانت لتقصد فيك انك تجيد اللغة الانكليزية، وأنك تعلمت جيدا الإخراج (من أكاديمية الفنون الجميلة)، وقرأت جيدا من مكتبتي مئات الكتب، واستوعبت درس التذوق والتطور، إلا كونك بعضا من العراق، فكان علي أن ابكي كل بكائي، فارشاً نهري على هذه الأمكنة التي وقفنا إليها، صديقان حميمان، يتجادلان في الأفلام، والأحلام، والأوهام.. فالفرق يا (عباس الأموي) باني كتمت البكاء، وانشغلت بالفقدان، فكيف سأحتوي مساحته؟، وكيف امضي وحيدا بين أكوام تلك الكتب التي قراناها، أو قرأتنا.. فقد مضى عام على أن يكون العمر أكثر ضيقا، وعلى الجملة أكثر انحسارا، فأمسيت على قصتي التي تحدث معك، أكثر قلقا، يومها لم اصدق، حيث مشيت كفارس لا يعرف أين يمضي به الفرس الجريح، والطعنات غير المكتشفة من تحت الدرع الحصين، وكنت كمن يرى فليماً مقبس عن كابوس، سوف تتغير نهايته في النهاية. فهذه المدينة التي أخذتك مني، او أخذتك من ابنتيك الحلوتين، وسافرت بك إلى ما لا تريد. بعمق ما يعكسه من إيمان بفكرة انك توفيت، وما كانت (فرجينا وولف) ترجوني أن اكتب لها عن امرأة هي تراها رجلا، وكنت أنا أراك تبوح بسرّ تكتمه الأيام، فما من وقت يكشف الرداءة إلا كتابة راقية تفضح تناقض التناقض، وما كنا يوما لنقرا صمتنا فإننا نقرا سويا جرحنا، ونقرا نواقيس الذكريات لغيرنا. وأعجبتنا رواية السفينة (تيتانيك) التي أبحرت في الأستوديو عميقا، من ان تلامس مياه المحيط، كما أعجبتنا وجوه ملائكية لأغلب الفنانات، وصار عندنا مقياس الجمال الواقعي، فالفيلم يتكامل لبنة فوق الأخرى، وكل اختيار فيه محسوب مدروس من بعد أن اخذ من رأس المؤسسة التي تدعمه كامل الدعم، وكم كان حملك على حلم بقي ثقيلا بأن تخرج فليما كل رأس ماله كاميرا (ديجتال)، لكن ذلك كان يتطلب القبض على فكرة قصة قوية، تسحب المشاهد إلى البعد عن مواطن ضعف الأداة، وكم كنت تحب حبي للموسيقى كونك تساندني الرأي بان أية مقطوعة موسيقية، سوف يتغير اسمها الحقيقي إلى اسم الفيلم الذي يستخدمها، وكان مقطوعة (رميو وجوليت) التي نعشق قد تحولت إلى اسم فليم (العراب)، كنت تقول بان الأفلام (الاكشن)، تبقى خالدة لانها تاريخ استيديوهات، وكنت أقول بان الأفلام الروائية طرقاً جديدة للقراءة، لذلك نجحت سيناريوهات (نجيب محفوظ) نجاحا منقطع النظير، فالرجل (كالدويل) قال سمها تجربة، مبتعدا عن صورة الموت الذي كان يراه الفنان في شبابه، فالموت الذي تحدث عنه (ستيفن ديدالوس) بصوت (جويس) كانت حكاية أخرى لم تكشفها الكتب العربية، لأنها اعتمدت ترجمة رديئة سريعة خسرت المعنى وربحت التجارة، كنا نحس بأننا سقطنا بين أيدي المترجمين، وكان علينا أن نفك أسرنا بالتعلم، فالمثقف هو من يفرض الفكرة ويدافع عنها بموضوعية حاجة الإنسانية إليها جمعاء، ويثبت وجودها بين كم الأفكار الإنسانية الهائلة، المدونة عبر تاريخ البشرية جمعاء إذ تراكمت الأفكار واحتدمت النزاعات حول المصالح، لأنها وليدة رؤية عميقة مستنتجة تعبر عن وجود إنسان ابتكر وطور من جيل إلى جيل أفكاره وأحلامه، وقد تواصل العطاء بالعطاء عندما تطورت الفكرة بالفكرة وتواصلت، وصقلتها التجارب الإنسانية، (سبق للكنيسة الكاثوليكية أن ارتكبت خطأ جسيماً بحق غاليلو عندما وضعت قانونا علميا أعلنت فيه إن الشمس تدور حول الأرض- ستيفن هوكنغ )، ومضت الأيام بالأيام تسألني ماذا ستكتب عن صديقك الحميم (عباس الأموي)، وكل يوم بألف تذكر، وأنا أسألك: كنت تحب القصة يا بن خالتي، ودائما تحدثني عن قصص لا تنجز، وتدفعني لأكتب قصصا تنجز، فكان الفرق بين قصصي وقصصك بان لا أجد وقتا لقراءتها وأنت لا تجد وقتا لكتابتها، الموت بين السطور، وبين الأيام، وما من يوم تنشر رائحة الموت فيه إلا لتلك الجثث التي تناثرت في أكثر الشوارع نتانة. فـ(لكل شكل من أشكال المادة جسيم يشابهه مضادا له، وعند تصادم جسيم مع ضده يفني بعضهما بعضا، ويخلفا طاقة). كان ذلك اليوم الذي مات فيه صديق طفولتي، غائما الى حدّ اللعنة، نقله شقيقه (احمد) إلى مشفى المدينة العام، كأنه يختار بعناية فائقة المقطع الأخير من سيرة حياته غير الحافلة بالسعادة، وهو غارق في نزيف لم ينقطع بعد، إذ بقي يوصي العم ببنتيه الحلوتين.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)