بعقوبة : ابراهيم الخياط

ووقفت على بابها الحميم, لأقيس ارتفاع الدمع في جزرة نهرها المعلول فلطالما شيعتني هذه الثكلى الطروب – التي أسميتها مدينتي وسمّـتني جوابّها المقيم – شيعتني فوق مشابك عرباتها الأجيرة نعشا مزدهرا بالألوان المستطيلة,, وألفا كان تابوتي يطوف صدر ثكلاي المرمية على شفا النهر المسافر في تابوته المديد, ولمرأى قفا هودجي ما شبكتُ عشري على رأسي أمام راهب النهر لأن يديّ – أمس ِ – قريرتين نامتا في سهرة الارض الحرام,, ولم أبك عليّ ، ولكن كم بكت عليّ ،، بكتني حتى شح نهرها الكريم , ومثل المؤدب ” زوربا ” تتباهى برقصها الأسود لي فتهربُ قلاعي من بين البيادق المكفوفة واحدة.. واحدة .. إلى خانة النهر, أو حانة النهر,, وفي كل طوافٍ ، كنت أرمم تصدع برج الدمع الذي مثل النوى صار صيفا نائما وتصحو على سطوحه نسائم الاحزان ,, وفي كل طوافٍ ، كنت آتيها من البارود المُرهِب بوشيج ٍ يقين ,, وفي كل طوافٍ ، كان النهر الرديف يخلع على جنازتي اليومية عباءة من آسه, وغيمة من شجاه,, وفي كل طوافٍ ، كانت هذه الغيور – التي أسميتها ” قتول ” وسمّـتني قتيلها الغيران – تـُحكم الابواب عليّ وتدعني ألوب كما السكـّر المعتقل في سراي الدم ولأني مذاب فيها فلم تقل لي يوما: -هيتَ لك ،، وكم بكت عليّ ؟ بكتني هذه الرحيمة – التي أسميتها جمرة المنتهى وسمّـتني غضاها – حتى تمنت مقلة أخرى وحربا مُضافة كي تشيعني بها وتبكي , تشيعني وتبكي وعسى أن تطرد الدموعُ اليبابَ ,, وضمتني هذه الميضأة – التي أسميتها مثواي وسمّـتني نزيلها اللايؤوب – ضمتني الى شبابيكها الشاتية بلبلاً مأثوما برفيفه المترنح,, والى فوانيسها الشاكية سراجا يختال بفتيل ما فاضَ من النواح وما شحّ من الزيت أو من الماء الذي خاصم نهرَها, نهرَ التي أسميتها بضعتي وفي اجتماع شقائق النعمان سمّـتني الشقيق الأحمر.

اغتراب المثقفين : سعد محمد رحيم


ها هنا أتحدث عن المثقفين اليساريين الديمقراطيين والليبراليين والعلمانيين، وهؤلاء يمكن أن يكونوا منتظمين في أحزاب أو حركات أو مؤسسات، لكنني لا أتناولهم لصفتهم هذه، مع استبعادي بالمقابل لمروجي الإيديولوجيات الدوغمائية وساكني الأبراج العاجية. ولكي أكون أكثر تحديداً أقول؛ إن المثقف هو من تشغله معضلة المعنى بحسب دوركهايم ومن ( يتحلى بروح مستقلة محبة للاستكشاف والتحري وذات نزعة نقدية واحتجاجية تشتغل باسم حقوق الروح وحقوق الفكـر فقط ) على وفق ما يذهب إليه محمد أركون، ومن يصرح بالحق في وجه السلطة أياً كانت، ويعكر الصفو العام بحسب إدوارد سعيد، ومن تكون موضوعات العالم كلها بما فيها ذاته بالنسبة إليه، محل رؤية عقلانية نقدية صارمة لا تهادن بحسب عدد هائل من مفكري الحداثة وما بعد الحداثة بدءاً بكانط وديكارت وسبينوزا وماركس، وليس انتهاءً بهابرماس وفوكو وديريدا وإدوارد سعيد ومحمد أركون. وفي هذا المقام، أقصد بالاغتراب

الرجل .. الذي.. عقر.. الناقة : ماجد الحيدر

"ز..ز..ز..."كنت أسمع الأزيز وأشم رائحة الشواء وكأنهما يأتيان من مكان قَصيّ. كنت أشعر كأن السَفود المتقد لم يكن يدخل بين أقدامي .. وفي شحم خاصرتي.. لم أكن أحس إلا بلمزاتٍ لا تكاد تشعر..-"أيها الكلْبُ الكَلِب. لمَ عقرتها؟"هذا الكلام سمعته من قبل. ولكن أين ومتى؟ في أية ولادة أرضية أو سماوية؟ في أي نسخٍ أو مسخ؟كان حديثهم يأتيني تارةً بوضوح وتارةً مثل نداءات بعيدة تتماوج في الهواء اللافح الثقيل.لقد توقف الإحساس بالألم منذ يومين أو ساعتين أو ربما شهرين، فلقد فقد الوقت قيمته، والصرخات الأليمة المرتعشة التي كانت تهزني هزاً والرعب الذي يسبقها حلت محلها نظرات أعرف أنها ترتسم على وجهي بلهاء.. لا مبالية...-"ألن تجيب أيها الخبيث ابن الخبيثة؟! لمَ عقرتها وأنزلت علينا العذاب المقيم؟؟"-"مــاء!"-"هنا لن تجد غير التراب نحشو به فاك، أما "هناك" فجزاؤك الحميم المسنون..."... .... ....كان القمر في يومه الأول ليلة ساقوني الى نادي السادات العظام. لم أبصر في ضوء المشاعل الخافق غير عمائمهم واللحى الكثة وبريق الخواتم والكؤوس الذهبية. وفيما بعد، حين تعودت عيناي على الضوء الشحيح صرت أعرف الوجوه.. كثير منهم كان من أصحابي.. رفاقي في ملاعب الصبا ومدرسة المعبد ورحلات القنص وغارات الطيش والمجون.. ما الذي غير وجوهم وكساها هذه الصلابة؟هل قلتُ صلابة؟ لا لم تكن صلابة حقاً. كنت أقرأ فيها رغم العتمة شحوب الخوف الذي لا تخفيه المكابرة.-"أوَتدري ما صنعتَ يا شقيُّ؟ .. أوَتدري ما جنيتَ يا أشقاها؟"-"أتمزحون؟" أجبتهم وأنا أتمنى أن تنفرج الأساريرُ وتتفجر الضحكات. أعني أن ينتهي هذا المزاح الثقيل.من أين جاءتني اللكمةُ الأولى؟.....-" علِّقوهُ إذَن من قدميه"-" كلاّ من أذنيه "-" كلاّ من .... ".....لمرّاتٍ قليلة، في الأيام الأولى فقط، كنت أجيبهم بإجابة واحدة رغم اختلاف تفاصيلها، كانت الإجابةُ / السؤالُ:-أوَلَمْ تكونوا أنتم من توسّلَ إليَّ كي أفعلَ ذلك؟ ألم ترسموني بطلاً، نبياً، صنماً لأنني الوحيد الذي أُقدِم على الواجب الثقيل، ذاك الذي كنتم ترجونه وتخشونه، ذاك الحلم اللذيذ والكابوس المرعب... ألم أحرركم كما تمنيتم؟-نحن يا ابن اللخناء؟ أترمينا بدائك وتنسَلُّ؟ أنحنُ التقاة الأطهار العابدون القانتون؟! أنحنُ يا ابن السقّاء الأحدب المجذوم؟ اسقوه القارَ الحامي في الدنيا قبل أن يُسقاه في الآخرة ! أحزموه في كومة من أخبث الحطب وأشعلوا فيه ناراً نصف متقدة ليطول عليه العذاب!....مرتين فقط أبصرت امرأتي. في المرة الأولى تركونا لوحدنا. وقفت على بعد خطوات وسألتني باكية متوسلة:-ألم أحذرك منهم قبل هذا؟ ألم أسألك أن ترحم نفسك وعيالك وتهاجر في الأرض ذات الطول والعرض؟ ألم أخبرك أنهم هم الأقوياء الأثرياء القادرون، وأن منهم القائمون على المعابد كلها، القديم منها والجديد؟ أنظر: لقد اشتروا صكوك غفرانهم بقطيع من الأضحيات وبليلة أقاموها في ضياء البدر الآخذ بالأفول.. وتركوك ها هنا وحدك .. تتلقى عنهم العذاب والويل.-قد فعلت هذا لأجلهم.. لأجل الحقول التي ديست، والأطفال الذين كانوا يشربون الماء ممزوجاً بالبول الكريه.-وها هم يكافئونك بطريقتهم!؟ آه لو كنتَ لي من السامعين!في المرة الثانية كانت أبعد قليلاً، وكانوا يمزقون عنها الثياب!....ثمة طنينٌ يتصاعد في أذني السليمة. دفقٌ من الماء البارد يلطم وجهي ويرغمني على أن أباعدَ بين جفوني المتورمة الِثقال.. يتصاعد الطنين ويتبيَّنُ شيئاً فشيئاً. يدخلان رجلان: رجلٌ من كل معبد، أعرفهما من ثيابهما:-إسمع أيها الشقي.. إنها أصوات المعابد المهللة.. غدا هو العيد... غدا ستعلِن السماءُ عن رضاها وعفوها عن الجميع ... الجميع إلا أنت ... وغداً عند أول الفجر ستغسِلُ دماءُ نحرِكَ أرضَ الساحة ما بين المعبدين.. غداً.. غداً.. غداً....-غداً هو العيد .. لقد اختفت آلامي !

أصوات ليس لها صدى: حسين التميمي

لن نبالغ اذا قلنا ان المواطن العراقي بحاجة الى الكثير من الاشياء.. والمسميات التي غابت عنه او تم تغييبها خلال السنوات القليلة الماضية . ويقع الأمان والشعور بهذا الكائن العجيب والغريب في مقدمة احتياجات المعني او المسمى بـ (مواطن) فيتحاشاها لأنها اصبحت ملتبسة ومدغمة مع مفردات وتسميات اخرى استهلكت في السنوات الاخيرة .. بحيث لم يعد بالامكان الحديث عن تلك المسميات والمفردات من دون الشعور بأن ثمة كاميرا خفية ستقول للمواطن في أي لحظة بأن عليه ان لايبالغ في هدر مشاعره (الوطنية!!) والانسانية وأن الموضوع برمته لايعدو ان يكون اكثر من مزحة من ممازحات تلك الكاميرا.صادف انني كنت ضيفا اعلاميا (ثقيلا) على احد المسؤولين (الكبار) وصادف ان هذا المسؤول كان يتمتع بحس انساني وبدعابة محببة (لم تفقدها السياسة رونقها !!) وكان هناك أيضا مواطن متظلم يشكو عدم توفير فرصة عمل له على الرغم من حصوله على شهادة من كلية الآداب ومعرفته بلغة اجنبية (اخرى) فضلا عن اللغة الانكليزية . المواطن بدت عليه ومن خلال هندامه الرث مظاهر الفقر المدقع . وكان يتوسط لدى هذا المسؤول للحصول على وظيفة في دائرة اخرى .. المسؤول اعتذر .. كونه حاول استخدام نفوذه مع الجهة المعنية بتعيين هذا المواطن ، لكن نفوذه لم يفلح في استحصال الموافقة على الرغم من كون مستوى هذا المسؤول الوظيفي يفوق بدرجة كبيرة درجة او وظيفة المسؤول الآخر المراد تعيين المواطن في دائرته !!المواطن شعر او فهم الاطار الحقيقي للموضوع . وفهم ايضا بأن الوظيفة المرتقبة لن تكون من نصيبه , فحاول التحدث بصراحة عن معاناته دون الأخذ بنظر الاعتبار انه يشتم او يدين مسؤولاً امام مسؤول آخر . فقال : الدائرة المعنية تريد ورقتين لتعييني (أي 200 دولار) فقلت له : ولماذا لاتجرب التقدم لوظيفة في الدائرة (كذا) فقال هذه تريد 8 أوراق (اي 800 دولار) فما كان من المسؤول الكبير الا ان اجاب : ربما يجب علينا ان نوجه كتاب شكر للدائرة الاولى كونها لاتكلف المواطن اكثر من ورقتين بينما الدائرة الاخرى تمارس او تتصرف بجشع وانتهازية لأنها تكلف المواطن فوق طاقته !!الغريب في الأمر ان تتحول الرشوة والفساد الاداري والمالي والاخلاقي الى مسلمات او واقع حال معترف به . ولا يحتاج الى اكثر من مساومته!!تلك طامة ليس بعدها طامة . والغريب ايضا أن بعض المسؤولين الذين حضروا تلك المقابلة بين السيد المسؤول و(الأخ) المواطن رموا بالكرة في ملعب المواطن حين استوضحوه اسم الشخص الذي طالبه بالرشوة ، وحين اعتذر عن ذكر الاسم قالوا بعد مغادرته : هذا الرجل يستحق العقاب لأنه يدعي الكذب على المسؤولين ولو كان صادقا لذكر لنا اسم المرتشي!!اذن بهذه الطريقة تحاكم مآسينا ومظالمنا . وبهذه الطريقة يتم شطب اصواتنا وصرخاتنا لأنها وبكل بساطة اصوات لاتمتلك صوتها ولا تحظى بالاحترام والتقدير . الا في ايام الانتخابات !!حيث يشعر السيد (مواطن) بأنه مواطن فعلا وانه قادر على ان يؤثر بشكل ايجابي او سلبي في صعود هذه الفئة او تلك . لكن وبمجرد صعود تلك الفئة يتم نسيان المصعد وعمال المصعد !!(اذا صح التعبير) ويبالغ بعض منهم فينسب الأمر الى غيبيات وخزعبلات ما انزل الله بها من سلطان.

إرهاب دول الخضار: عمر الدليمي

رحم الله الفنان الراحل قارئ المقام العراقي (حسن خيوكه )حتى لو لم يغن سوى أغنيته الشهيرة (من ألبير لو مي أشربت ) هذا الجد العظيم الذي رحل عن هذه الدنيا الفانية منذ عشرات السنين ، ربما لم يقدّر إن أغنيته تلك سوف تبقى خالدة ويتردد صداها حتى يومنا هذا نظرا لما تحمله من جمال الفن وروعة الأداء ، والطاعنون في السن والأوجاع مثلي يعرفون ما تتضمنه من حكمة ويسحرهم صوت الجد خيوكه الرخيم وهو يردد (بالك ... بالك تذب بيها حجر ) .. رحمك الله ياجدي خيوكه . وقبل أن تسألوني ما مناسبة تذكري لهذه الأغنية وهل إن ذكرى رحيل أو ولادة هذا الفنان تمر علينا في هذه الأيام ، سأجيبكم باني لاأعرف متى ولد الرجل ومتى توفاه الله وما جعلني استعيد ذكرى هذا الجد العطرة هو ما يدور من أحاديث عن الآبار وتكاليفها وأحسن السبل لحفرها في المنازل والمزارع والحقول ، وليس في هذه الأماكن فحسب بل في دوائر الدولة ومنها طبعا دوائر الماء والموارد المائية والسبب هو انقطاع الماء خابطه وصافيه في عموم محافظة ديالى . وليس الغرابة في عدم وجود الماء ، بل في سرعة تكيّفنا مع مستجد الحال وأنا أول الجميع الذي بادر لحفر البئر وكنت ائمل أن احصل على الماء ولا اشغل بال الحكومة العزيزة المشغولة طبعا بقضايا كبرى ساعدها الله على حلها خاصة وان الجماعة حفظهم الله قد صار ديدنهم أن يرضى هذا اليوم ، ليزعل ذاك غدا ، ولمن يسال عن أسباب الخلاف ، أقول إنها كثيرة ومهمة وتتعلق بمستقبل البلاد واستراتيجيات مواجهة القرن القادم لأننا- والحمد للرحمن في علاه - قد سيطرنا على مجريات الأمور ورسمنا المستقبل الوردي لشعبنا ولم يتبق إلا غزو الولايات المتحدة الأمريكية والصعود إلى المشتري لتامين بناء دولتنا الجديدة هناك وإحلال الديمقراطية في المجموعة الشمسية وهنا تكمن نقاط الخلاف بين الكتل السياسية المؤتلفة في حكومة امبرطوريتنا الرشيدة ، أي في توزيع البطاقة التموينية على سكان الكواكب المحررة ونطاق مسؤولية كل كتلة في امراطوريتنا الكونية فهل يصح إن ( نايب عريف شرطة عمر الدليمي ) يتولى حقيبة القمر في حين إن ( عريف حسين التميمي ) يستحوذ على حقيبتي المريخ وزحل ؟ ، ولذلك تجد إن وقت الحكومة مثقل – بملفات إصلاح ذات البين وإقناع هذا أن لايجر في العرض وذاك أن لاينسحب للشرق – ولا اقصد طبعا جريدتي العزيزة الشرق التي دوختها هذه الأوضاع هي الأخرى . الذي أريد أن أقوله لك يا جدي المرحوم هو أن البئر التي حفرتها منحتني ماء أجاجا ، وعليه ياجدي الطيب وبما انك قد غنيت عن الآبار فلابد أن يكون لديك معرفة بشؤونها ، ولكوني من أحفادك - المغضوب عليهم - فانا اعرف سرّ هذه الابتسامة الساخرة ، بل المرّة ، لا بل الخبيثة – وليعذرني جيرانك الموتى عن هذه الوقاحة ، فهم لايعرفون ، مثلما اعرف ما ترمي إليه ، لكني سأفضح مراميك ، فيا أيها السادة الموتى رحمكم المولى ، إن جدي حسن يقصد باني تركت آبار الدولارات ، ويعني آبار النفط وشغلت وقتي وأفكاري بآبار الماء ... عليك الرحمة يا جد لقد كان وقتك وقتا آخر ، فعندما تعطش تشرب من أي حب أو من أي ساقية وعندما تعرق ترمي جسدك في دجلة ، أما أنا فلا ساقية عندي ودجلة مصوبة نحوها آلاف الفوهات ، أو تظن بأنها فوهات ،( ماطليات )، كتلك التي تغنيتم بها في مقاماتكم الخالدة ؟ كلا يامرحوم إنها دبابات وصواريخ اسمها ، كروز ، وفوقها طائرات ليست كتلك التي هتفتم عندما شاهدتموها فوق سماء بغداد إبان ثورتكم في عشرينيات القرن الماضي ( متعجب خالقلقله إبعيره ) لاياجد فهذه الطائرات ترى وتتكلم وتعلم الجهر وما يخفى ( أي لعد عبالك لعب إجعاب ) ليس هذا فحسب يامرحوم فالوصول إلى شواطئ دجلة التي ذبحتمونا غناء بها أمر ليس محفوفا بالمخاطر وحسب ، بل انك لاتدري من الذي سوف يأتي ويغلّ راسك في طين الجرف دون أن يسال أحد عن الأسباب التي تعددت والعراقي واحد ! ، فضلا عن إنني لا أجد شربة ماء ، ولو ترى الناس فرادى ومثنى ورباع مهرولين جريا وراء عربات هي ماركة عراقية خالصة ، الم اقل لك بأننا قد تعودنا التكيّف مع الظروف وأظن انك تتفق معي بان هذه تحسب لصالح العراقيين في قدرة عقولهم على ابتكار البدائل ، وهنا اذكر لك مثالا رائعا حدث في عهد احد أولياء الأمور الذين حكمونا ، عندما حاصرنا أصدقاؤنا – بمحبة كبيرة – فقد استعضنا عن الخبز بالباذنجان وعن اللحم بالباذنجان وعن البقلاوة بالباذنجان وعن البيبسي بالباذنجان وعن البرتقال بالباذنجان وعن التشريب بالباذنجان وعن الباذنجان بالباذنجان حتى استحققننا لقب سليلي ( وحش الطاوة ) وأخذت أيامنا من لون الباذنجان لونها ، بيّض الله وجهك عند ربك. لقد كانت أيام ياجدي ..! ، حسنا فعلت ومت قبل أن تغْصب على بلع قطعة كارتون يقولون إنها خبزا ، وليت الأمر ينتهي عند هذا الحد بل عليك أن تحمد الله والقيادة الرشيدة لأمير المؤمنين وتهتف بأعلى الصوت بالروح بالدم نفديك ياامير ، ولذلك انتظرنا المحررين ، ( تعال وأشوف الكيف والطرب ، ياسهره يا مقام رقص حتى الصباح ، وماكو صبح وحك تربتك الغالية جدي ) . ما علينا بهذا فانا ألان جالس قبالة بئري اندب حظي التعيس .. ولكن ، ماذا تريد ياجدي عندما تذكرني كل لحظة بآبار النفط ( هسه م تكلي يامرحوم اشجلبت ابير النفط ،منو جاب طاري النفط هذا الغضب اللي حل على رؤوسنا ) ، ثم من أين لي ببئر النفط التي تتحدث عنها ، فانا لااملك حتى صفيحة نفط واحدة وانتظر أن يشملني كرم المجلس البلدي ويحن على حالي مختار المحلة – قاسي القلب – فاحصل على (دبة) نفط واحدة ، لكن وعلى ما يبدو أن موتانا هم الآخرين – وما أكثرهم هذه الأيام – لايتركون مسألة القيل والقال ، فأخبروك بان أسعار النفط ( وصلت للضالين ) وهنا أسالك يامرحوم ... ( من جنت عايش افتهمت من النفط شي وهسه تريدني إني ابهالوكت الأغبر أفتهم الموضوع أوين راح النفط وأمين أجه النفط .. بالله هذا حجي مو مال بطران ، هيه ألمذبحه عليمن رحمة على تربتك جدي ؟! ) . دعني أريحك ياجد ، فموضوع النفط ليس من شأني وشانك ولربما ليس حتى من شان الحكومة ( سولف غيرها جدي مو انهجمت البصرة ) . دعني اهتم بمشكلتي مع الماء والبئر اللعينة ، وإلا فانك تريدني قربك أو انك تريد أن تزيد الملايين الخمسة من العراقيين الذين يعيشون –بطرا- خارج البلاد نفرا آخر . ولكي لاتجزع وتلتف بكفنك الطاهر وتتركني أعاني ماساتي وحيدا سأستعجل الحديث وأقول لك بأننا في مدينة بعقوبة ليس لدينا ماء – ولك الحق بان تضحك لأنك ربما غنيت ( جلجل عليه الرمان والنومي فزعلي ) وأين يكون الرمان والليمون مثل ذاك سوى في بعقوبة - نعم فلا ماء لنشرب ولاماء لتستقي أشجارنا وحيواناتنا والأنهار التي عهدتها صارت قاعا صفصفا ولذلك بادرت حكومتنا الرشيدة بتقديم النصح لأبناء الشعب بحثهم على حفر الآبار لمواجهة مستجد الحال ، واعدت العدة للنهوض بمسؤولياتها والقيام بحفر الآبار في المنازل والبساتين والمزارع وبذلك ضربت عدة عصافير بحجر واحد ، أول العصافير هو توفير المياه وثانيها إننا شغّلنا العاطلين والأخر إننا أفشلنا مخططات الأعداء ، وهزمنا الإرهاب الذي استغل الأنهار والمبازل كمدافن لأبناء الشعب المسكين انتقاما من أمريكا ! ولاياخذك القلق من اندثار الأنهار ، فهذه لها مشاكلها المزعجة هي الأخرى ، فناهيك عن استغلال الإرهاب لها إنها تحتاج ما بين آونة وأخرى إلى الكري ، فضلا عن إنها صارت مرتعا لعشبتيّ زهرة النيل والشمبلان ، ولو تدري يا جد كم أنا شامت بهذين العدوين اللدودين ، زهرة النيل والشمبلان – فأما زهرة النيل فتنسب إلى نهر الأجانب المصريين النيل ، واعرف انك مستغرب من تسمية المصريين بالأجانب وهنا أقول لك بأنها التسمية الديمقراطية التي استبدلنا بها التسمية القديمة (الأشقاء ) ، وهذا من متطلبات عصر العولمة - وسوف أؤجل شرح هذه المستجدات لك ولرفاقك في (المجنة ) نظرا لضيق الوقت – وأما الشمبلان فهو غضب حل بنا ولا اعرف من أين جاء . لقد كانت هاتين النبتتين تنموان في مجاري الأنهار –التي وفقنا الله وسنستغني عنها – وتمنع جريان الماء ، وألان بعدما جفت الأنهار والسواقي أين سوف ينمو هذين العدوين اللدودين ؟ أنت لاتعرف ياجدي المرحوم كم صرفنا من الأموال لكي نتخلص من زهرة نيل الأجانب والشمبلان دون أن يتحرك لها عود ولا خيط ، ولكن باستغنائنا عن الحاضنة الأساسية لإرهاب زهرة النيل والشمبلان وهي طبعا الجداول والأنهار نكون قد قضينا قضاء مبرما على أعداء الزراعة في منطقتنا ، ومع أن دائرة زراعة ديالى قد أعلنت إن لازراعة ولا خطة صيفية ولاهم يحصدون ، فان المواطنة الحقة تتطلب من الإخوة الفلاحين التضحية من اجل الهدف الأسمى وهو القضاء على إرهاب زهرة النيل والشمبلان وبإمكان أصحاب البساتين البحث عن مهنة أخرى غير الزراعة والتطوع في الجيش والشرطة مثلا ، وهو عمل وطني أيضا للقضاء على الإرهاب ، ولاقلق من ناحية التدريب فلدينا أصدقاء لم يبخلوا في تحويل جل الشعب إلى عساكر وعسس من اجل الهدف الكبير – كما قلنا وهو القضاء على الإرهاب – وتبقى مسالة الإنتاج والمصانع والمزارع شغله أخرى ويمكن لأصدقائنا ومحررينا الأمريكان الأعزاء توفير هذه الاحتياجات غير المهمة ، ومن جميل الأمور أن تطالعك إشكال الشوفرليه والفورد التي كنا محرومين من أزيز محركاتها الذي صار يشنف أسماعنا خاصة مع وجود صفارات الإنذار المتواصل في شوارعنا الجميلة . اجل ياجدي ، فكم كان بودي لو كنت مابين ظهرانينا ، فمناسبة القضاء على زهرة النيل والشمبلان تستحق الاحتفال وتقديم التهاني والتبريكات إلى وزارة الموارد المائية ومديرياتها في المحافظات الأخرى وذلك لأننا قد اهتدينا إلى الحل أخيرا وقضينا على تينك العدوين ، ولو أن هذا الحل قد جاء بإياد أجنبية وقد كنا نفضل أن يكون بإياد عراقية !! وإذ تسال ياجدي من هؤلاء الأجانب الرائعين الذين ساعدونا في هذه المهمة التاريخية فاعلم بان الجارة العزيزة إيران قد بذلت جهدا جبارا في بناء السدود على منابع الوند وسيروان وباله جو ، هذه الأنهار التي تمول عدوينا –زهرة النيل والشمبلان – بالمياه التي تحتاجها لإدامة عدوانها علينا ، فتمكنت هذه الجارة العزيزة من مساعدة هذا الشعب المظلوم – وهنا أؤكد على مسالة المظلومية هذه ! – في القضاء على بقايا النظام الاروائي السابق !! وبذلك انتهت حقبة سوداء من تاريخ العراق تمثلت باستبداد النظام الاروائي المطمور ليطل علينا عصر الآبار الارتوازية والكل يحفر بحرية كاملة وربما وجدت الحكومة إن من المناسب تخصيص وزارة للآبار الارتوازية تتولى تنظيم مسالة حفر الآبار واستيراد المعدات وإحالة المشاريع على الشركات ، ولكن من الممكن هنا أن تبرز إلى الواجهة مشكلة من يتولى حقيبة هذه الوزارة ولكن من الممكن الحصول على مساعدة الأصدقاء المحررين وجعلها ثلاث وزارات بدلا من واحدة تتولى كلّ منها جزء من مهمة حفر الآبار وبذلك نكون قد تجنبنا الخلافات وهذه مهمة قد يتولاها مجلس النواب لضمان عدم قيام أي جهة متضررة باختطاف ملاك الوزارة ! لاتقلق أيها الجد الرائع فان كل مايقال عن استيراد الطماطم والخيار وذهاب البعض إلى إن المسالة ما هي إلا بعض الوقت ثم نضطر إلى استيراد الفجل والكرفس لايعدو عن كونه محاولات خائبة لبقايا أيتام النظام الاروائي المطمور الذي جر على مزارعنا وبساتيننا ومدننا ويلات زهرة النيل والشمبلان ، وما هؤلاء ياجدي إلا أعداء العراق ( الديماباري الجديد )الذي ينعم بحرية النبش ويستقبل شمس تموز بال( جوبي )، ولو كنت معنا ياجدي فلسوف تتمتع بمنظر المواطنين وهم يهرولون ذات اليمين وذات الشمال ، مستمتعين ، وهم يدفعون عربات حديدية تفنن العاملون في الحدادة بصناعتها – لكني سوف أحدثك عنها لاحقا ، نظرا لكونها تمثل قصة رهيبة وممتعة يمكن لك وجيرانك الموتى الاستمتاع بتفاصيلها – ليس ذلك فحسب ، بل انك قد تتفاجا بمنظر احدهم وهو يخرج من حفرة حفرها أمام باب منزله بحثا عن ذكريات أجدادنا الذين كانوا يستعملون أنابيب تسمى أنابيب إسالة الماء الصافي ، ولا تقلقك محاولات ( دول الخضار ) التي تحاول إفشال تجربتنا ( الديم أبارية ) بفتح حدودها أمام تسلل الباذنجان والخيار والطماطم والكوسة والبرتقال والليمون والأعناب والرمان وبقية الخضراوات الإرهابية التي عزمنا أن نتصدى لها بكل ما أوتينا من آبار انتخبناها لتكون مصدر مياه لشعبنا الذي عانى طويلا من ديكتاتورية الزهرة النيلية الأجنبية والشمبلان ، وإننا قادرون بمساعدة الأصدقاء على دحر كل مخططات بقايا أيتام النظام الاروائي المطمور ، وهنا أجد لزاما علي أن أؤكد إن على دول الخضار أن تعمل على منع تسلل الخضروات وان لصبرنا حدودا وان لدينا من الأدلة والشواهد على تدخلها في شاننا المائي ما يؤكد تورطها في هجمة الباقلاء الأخيرة على أسواقنا وإلا بماذا يفسرون صياح البقالين ( مي وملح ) وألف رحمة على روحك حسن خيوكة .

آخر حوار مع ناجي كاشي قبل رحيله بيوم عبر الماسنجر: بلاسم الضاحي

هل يمكن أن نستثمر لقاءاتنا عبر ألنت مع أصدقاء ونحولها إلى محاورة مقروءة وصالحة للنشر ؟؟؟ كــان هذا اللقاء مع المسرحي المبدع الدكتور ناجي كاشي عبر الماسنجر: في كل مرة ألتقيه من خلال صحيفة بوجهه الورقي أو لقاء تلفازي بوجه ضوئي يعيد أميال ذاكرتي إلى سبعينيات القرن الفائت حيث أكاديمية الفنون وجمالها والقسم الداخلي ومزحه المتواصلة ، شاب رشيق ، خفيف الظل ، فيه سمرة سماوية ألقتها السماوة إلى بغداد ، هادئ ككتاب متحرك مثل رمال السماوة ، يبني شكله فيمحوه بحثا عن صورة مثالية تالفة فيستوطنها . في كل صباح كانت تزعجنا شهقة المجفف وهو يلثم خصلات شعره التي لوحتها شموس ظهيرة سماوية فأحالتها إلى كتل تلتف على بعضها البعض ، نتحامل عليه لكن سرعان ما تهدأ فورة ذلك الغضب وتبددها تحيته الصباحية الودودة مشفوعة بابتسامة نقية ، ونحن نغسل وجوهنا من وجع الليل الفائت . لم تألف خطواته شوارع بغداد التي طالما جلدتها خطاه الباحثة عن شئ ، لم تستهويه مشاربها ولا نسائها الجميلات ، ظلت السماوة خيمته الأولى التي آوت جسده ولوحت سمرته البدوية وهذبت روحه المرفرفة في سمائها والتي سيقت قسرا نحو حضارة مائعة . كان يبني صروحا ويهدها بحثا عن نسمة هواء أنيقة ، لا يعلوه سقف ، سماءه السماوة وشموخه نخل السموات . وبعد سنين .... سنيـــــــــــــــــــــــــن ....... التقيته ليس من غرفتي المجاورة لغرفته في القسم الداخلي في الوزيرية منزعجا من صرير مجففه الصارخ هذه المرة بل دلني عليه الكترونيا احد الأصدقاء بعد أن شرّقت بنا الحياة وغرّبت بما يقارب الثلاثين عاما بنهاراتها العليلة ولياليها الطوال ، بأفراحها الشفافة القليلة وأحزانها الثقيلة المتعبة ، فكانت صورته الضوئية بعينين متورمتين ووجه ثخنت وجنتاه وتهدل حنكه واتسع صدره وشابت سوالفه المجعدة ومالت سمرته نحو الخشونة وغادرت ترفها على عجل التقيته هذه المرة بلا براق ، بعد ان ضغطتُ على احد أزرار الكومبيوتر هذه الكوة العجيبة المدهشة التي تشبه ( خاتم سليمان ) كما كانت تدهشنا وهي تنثال من أفواه أمهاتنا قبل النوم ، كوة تضع العالم بين يديك بلحظة كلما ووقتما شأت ، تختصر الزمن وتلغي المسافات . انه الدكتور ناجي كاشي ............... balasimalthahy: مساء الخير ,,,,,,,,, balasimalthahy: هل عرفتني ؟؟ naje kashee: ياأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأأه ، أنت اللحظة ، أنت الزمن المعلق بين عدمين balasimalthahy: صديقي وأخي العزيز شكرا لك مقدما والشكر موصول إلى الصديق احمد الذي أتاح لي شرف هذه الفرصة لألقي عليك سلام السلام naje kashee: حبيبي أنا الآن في وضع لا احسد عليه اشعر بالانفعال الشديد لأني بعد هذا العمر من العذابات استقبل رسالة منك أيها الأنيق الرائع المثقف النبيل شكرا وشكرا لأحمد لأني اهتديت إليك balasimalthahy: بقدر ما أنا مشتاق لك مسرور لإنجازاتك الرائعة يا دكتور هذا اللقب يليق بكم مذ كنا سوية في الأكاديمية والقسم الداخلي فأنت بحق لم تنل بعد كل استحقاقاتك naje kashee: أتابع كتاباتك المرموقه ومطمئن لأنك بخير لابد وان نبقى على اتصال وربما يكون اتصالنا مشروعا ثقافيا balasimalthahy: أخبار نجاحاتك تصلني تباعا عبر الصحافة ومن الصديق الرائع احمد وافرح لكل انجازاتكم الرائعة . naje kashee: شكرا لهذه الطلة الانيقه ، صورتك رائعة وتنبأ بالحيوية ، لك كل الخير والمحبة balasimalthahy: : بل أنت الأروع بطلتك السماوية البهية ، هذه صورتي التقطتها على ضفاف نهر الوتد في خانقين حيث ألقيت الرحال هناك بعد أزمة التهجير ألقسري في بلادنا مع إني وكما عهدتني لا أعير اهتماما لهذه الأسباب التي من اجلها شملنا التهجير ولم يكن في نيتي ـ على اقل تقدير ـ إلا أن أكون عراقي الانتماء ولا أكون جزءا من هذه اللعبة . balasimalthahy: اليوم قرأت لكم لقاء في جريدة الأديب ولي عنه ملاحظات أو فلنقل ايضاحات لو سمحت . naje kashee: أكون ممنون لو انك زودتني بالملاحظات وتبقى هي وجهات نظر اعتقد ان لدي مشروعا وكنت أتحدث من خلال منطلقاته النظرية ، ومن خلال التأسيس النظري أجد تفسيراتي للأدب والمسرح والفلسفة والثقافة بشكل عام balasimalthahy: أنت كنت مجيدا ورائعا ، واجد ان هذا الحوار قد أنجز بسرعة لم يستوعب تسلسل أفكارك ولم تستطع أن تسلسلها لتقول المهم الذي تريد إيصاله لنا . balasimalthahy: الحوار الآن أمامي naje kashee: لكني تحدثت عن المسرح العراقي وقيمت التجربة المسرحية العراقية وتحدثت عن تجربتي والمسرح ألغرائبي الذي ازعم انه من ابتكاري الخالص balasimalthahy: ما أعجبني حقا هو التقييم المنطقي جدا للمسرح العراقي وأنا أشاطرك الرأي وكتبت في هذا الموضوع عن التجريب المستمر في المسرح العراقي الذي لم يوفق في إيجاد خصوصية واضحة ومنهجية في كل تجاربه وعروضه ولم ينجح في تأسيس مقومات مسرح عراقي خالص ، مغاير ومميز اعتمد على ابتكارات تخرج من أرحام مدارس وتجارب عالميه منقولة بتصرف وتتبنى منهجية مستقيمة ومخلصة لمؤسسيها وحافظ بحرص كبير على منهجيتها وحرم الآخرين من فرصة الإضافة المشرقة ، المغايرة وبدلا من ان يكون المسرح العراقي الصوت كان الصدى بكل تجاربه وأكاد لا استثني أحدا استنبط شكلا ومضمونا مغايرا لما تعلمه وتتلمذ عليه وظل يدور في فلك الآخرين بل ذهب إلى تسويق وفرض المدارس المسرحية التي تلمذته كبديهية ووضع تحتها ألف خط احمر لألا يعبرها مجتهد أو رائي ، هذه الحقيقة لم يجرأ احد ويشخصها بأمانة أو ينبه لها ، أنت محق وجرئ في طرحك المنطقي naje kashee: تحدثت عن صلاح القصب وقيمته الكبيرة في تميزه الواضح عن غيرة من المخرجين الذين لم يتعدى دورهم عن تقديم مسرحيات وربما مسرحيات جميلة ليس إلا اعتقد إننا نحتاج إلى منظـّر يخلق لنا أسلوبا أو أساليب مسرحية تمييز المسرح العراقي balasimalthahy: وأيضا عروضك التي قرأت عنها دون أن أشاهدها تستحق ما ذهبت إليه لكن الخلل في اننا لا ننجح في تسويق تجاربنا لأسباب كثيرة أتمنى أن تعمل جاهدا على تعميم تجربتك وتؤكد عليها من خلال النشر المستمر لتنظيراتك الرائعة naje kashee: وإلا فان المخرجين الآن كثيرين كنا نتمرن مع الدكتور فاضل خليل على مسرحيه مائة عام من المحبة أنا وشذى سالم وهيثم عبد الرزاق تعرف ماذا قال ، قال : ان المخرج مثل شرطي المرور يمنع الممثلين من ان يتصادموا ، هكذا هو المخرج العراقي يحرك الممثلين دون اصطدام ، كانت المسرحية رائعة حصلنا عنها على جوائز مهمة في مهرجان قرطاج ولكنها لا تعدو ان تكون مسرحية ليس إلا ، لم يتمكن أي من المخرجين العراقيين من ان يخلق عالما فلسفيا يقوم على أساسه أسلوبا مسرحيا عراقيا لم يفعلها سوى صلاح القصب وأنا كما ازعم balasimalthahy: نعم وهذه مراسيم نقلوها لنا بسذاجة في الأكاديمية ، وما زالوا يعلمون طلبتهم على جغرافية المسرح وقدسيته الفارغة ، وطقوس بالية لا تضيف شيئا ولا تسمح بالإضافة ، دون ان يجتهدوا في اجتراحات جديدة ومثيرة ومدهشة ، المسرح لم يعد محكوما بقوانين وقوالب صب تنتج مثيلاتها المحكومة بتوزيع جغرافي عادل على مساحة الخشبة بحجة إحداث توازن منظور ينتج من توزيع هذه الكتل دون ان تخلق ذاتها المتنامية المبتكرة على فضاء الخشبة خارج فضاءات الخارطة المرسومة بهندسة هيمنت على خارطة الخشبة بأكذوبة إنها الحقيقة اليقينية ولا تسمح لغيرها بإعادة رسم خارطة جديدة للخشبة التي تؤطر صورة جديدة لعرض جديد يخلق تكوينات هندسية مبتكرة منظورة من خارج القوننة الموروثة ،المسرح لم يعد فرجة أو متعة ولهو بذاته ، المسرح صدام واصطدام في نقل الواقع من خارج مالوفيته عند الآخرين ، والقصب بدا ناجحا في التأسيس لهذه الرؤيا فجاء من خارج المألوف لأجل ترويضه وتحويله إلى مألوف لينتقل إلى لا مالوفية أخرى وهذه الرؤيا هي التي تسهم في تغيير الذائقة الثقافية وتسمو بها المؤسف ان تجاربه ظلت قليلة ان لم تكن نادرة وعصية على الفهم والتعميم لأنها اكتفت بزمنية العروض ولم تمتد خارج مكان العرض بأذرع أميبية إلى مساحات الإعلام الذي يسهم في تأسيس بنية تحتية تعمم نجاحاتها وتغري الآخرين في تبنيهم لها والانطلاق منها في إنضاج تجارب ترفدها باتجاه ترسيخها في الذهن الجمعي للمسرحي والمتلقي ولم تتح لها الفرصة في تحويلها الى ذائقة عامة فظلت غير قادرة على الاختراق والإزاحة لضيق الفرصة الممنوحة لهذا الرجل المجتهد ، الفرصة التي يمكن لها ان تتسع وتتحول إلى رؤيا منهجية محكمة يتبناها الآخرون ويجتهدون لاكتمالها naje kashee: بعد ذلك فاني تحدثت عن تجربتي من خلال كتابي الغرائبية في العرض المسرحي الذي صدر ببيروت عن دار الخيال وكان ضاجا بكل الأفكار والانفلاتات التي تحدثت أنت عنها الآن تحتاج القضية كما اعتقد إلى قراءة الكتاب أو إعادة اكتشافه مثل اكتشاف ارتو الذي جاء متأخرا وسيأتي اليوم الذي يكتشف به كتابي هذا على اعتباره منطلقا لفهم جديد لمسرح قرن جديد balasimalthahy: يؤسفني أني لم أقتن نسخة منه بسبب بعدي عن العاصمة الحبيبة بغداد لكني قرات عنه وسالت احمد عنه قال ان لديه نسخة ، المشكلة كيف استطيع إيصالها لك وهو محق ، الآن أسالك ان ترسل لي نسخة مع أي عابر سبيل يتجه من السماوة إلى خانقين . naje kashee: إنشاء الله سأعمل على إرساله إليك ، شكرا لأننا متفقون في الآراء أنت تجريبي متقدم وتطمح مثلي إلى الهروب من القدسية التي تحدثت عنها والتي جاءت من خلال عمليات تبني وليس اكتشاف المخرج العراقي مثلا يتبنى ستانسلافسكي ويدافع عنه ويلغي الأخريين balasimalthahy: الجديد لا يلغي ما قبله إنما يحوله إلى تراث الجديد يبني فوق ما بنوه بمواد تختلف عن مواد بنائهم ولا يحق لأحد الهيمنة المطلقة خارج زمانه ويجبر الآخرين على أن يتناسلوا منه naje kashee: هذا صحيح وربما كان هذا متأت من سيادة دكتاتوريات أنظمة الحكم والأيدلوجيات التي تخلق أساليبها وتقمع الآخر عادة الم تكن الكلاسيكية ممثلة للسلطة القائمة حينها وكذلك الواقعية والواقعية الاشتراكية وغيرها balasimalthahy: طيب دكتور لنركز جل اهتمامنا بما عنيته في كتابك ( الغرائبية في العرض المسرحي ) وتحدثت باهتمام كبير عن اللحظة المقدسة على اعتبارها زمن معلق بين عدمين . naje kashee: ورد ذكر اللحظة هذه في سياق حديثي عن الزمن في المسرح ألغرائبي في متن كتابي ( الغرائبية في العرض المسرحي ) ولم تكن اللحظة ابتكارا خالصا لي وإنما كنت اعمل فيها اجتهادا يحررها من مصدرها الأصلي الذي اعتمده ومصدرها ورد في الاجتهادات التي جاء بها الفيلسوف ذائع الصيت ( باشلار) الذي لم يكن هو الآخر مبتكرا لما ورد في اجتهاده عن الزمن وإنما كان دارسا للزمن لدى ( روبنال) في معرض تعريفة للزمن بشكل عام وليس الزمن المسرحي وعلية فان فكرة التلاقح والتطوير وارده في الثقافة العالمية بشكل عام ، اللحظة إذن : هي الزمن المعلق بين عدمين وهي المساحة التي اعمل فيها وأقدسها والقدسية هنا لم تكن واردة بمعناها التقليدي وإنما تأتي قدسيتها في قدرتها على وضع الذات الإنسانية في مواجهة مع العالم والوقائع المعتادة في اللحظة التي اقصد بعد أن أقوم قصديا بقطع الجذور التي تربط هذه الذات مع المحيط بكل تفاصيله ومدياته بمعنى أن الذات تكون في اللحظة حينما نقوم قصديا بإلغاء قبلياتها التي علقت بها بسبب وجودها التقليدي في المحيط ، وعليه فان اللحظة تكون فاعلة ومكتفية بنفسها حينما تكون مجرده ومفصولة عن سياقها التاريخي ، وتكون مقدسة بمعنى القدسية التقليدية لأنها تغادر كل التمركزات التي اعتادت عليها الذات الإنسانية ، على الرغم من اني أفضل أن اسميها الذات المحايدة أو ( البيضاء ) تلك الذات التي لا ترتبط بالماضي أو المستقبل انها تعمل في اللحظة وتنبعث منها وهي لا تعرف ما الذي سيحدث بسبب الاصطدام مع المحيط ، إذن : هناك أساس فكري مهم تقوم عليه اللحظة بمفهومها الذي ذكرته في سياق حديثي القضية إذن : تتعلق بزمن إبداعي آخر غير الزمن الرياضي الذي هو الساعة وأجزاء الساعة انه الزمن الفلسفي زمن الذات الخالص هذا الزمن الذي اعمل على إيجاده متأت من فكرة المصطلح المهم الذي ابتكرته والذي اطلقت عليه ( القرصنة الروحية) تلك القرصنة القصدية التي تعبث بالسياقات التقليدية لكياسات الذات التي اعتادت وتروضت عليها وصولا لايجا الذات المحايدة التي تصالحت مع نفسها وأصبحت متأهبة للاصطدام بالمحيط لإنتاج واقعة جديدة تماما ومنفلتة من سياقات روتينيه . balasimalthahy: كيف نسقط هذه الفرضية لإنتاج عمل إبداعي على اعتبار ان اللحظة الجمالية تنازعها قوتان ، قوة جمال الطبيعة وقوة جمال الفن والذي يهمنا قوة جمال الفن وعناصرها الثلاثة ، 1 ـ الفنان / المبدع / الأديب 2 ـ الموضوع / العمل الفني / 3 ـ المشاهد / المتذوق / القارئ ، المتلقي وكيف نؤشرها نقديا . naje kashee: أما كيف نسقطها لإنتاج عمل إبداعي فاني أقول أن عملية تحييد الذات الإنسانية قصديا من خلال القرصنة الروحية حيث التسلل إلى قبليات الذات ومصادرتها ودحرها وجعل الذات الإنسانية محايدة بيضاء في مواجهة عالم أسميته بـ ( العالم الفجيعي ) ووفق هذا فان المخرج أو المبدع بشكل عام سيكون غير متأكد لما ستؤول إليه النتائج ذلك انها تغادر الصراع الذي اعتادت الذات أن تتعامل بها بسبب التراكم المعرفي السابق الذي اسقط من الذات الجديدة مستعيضا عن الصراع بفكرة التصادم أي التصادم بالشيء وليس التصارع معه وهذا انجاز آخر للخلاص من الصراع الذي بقي جاثما على الدراما منذ ظهورها الأول ، وعلى وفق هذا فان التصادم سيقود إلى إنتاج واقعة جديدة تماما منفلتة من القوانين الفيزياوية والفكرية والجمالية وعلية فان النتاج الإبداعي سيكون جديدا تماما و ترميزيا صعبا وهذا سر الصعوبة التي يواجهها المشاهد أو القاري التقليدي واستنادا لهذه الآلية يمكن تأشير ذلك نقديا من خلال ما اقترحته في أطروحاتي المختلفة حيث قلت ان هناك نقدا لكل صنوف الإبداع أسميته النقد ألغرائبي ينظر للإنتاج الإبداعي على وفق الأفكار المذكورة . balasimalthahy: أنت هنا فعّلت أهمية اللحظة والغرائبية في العرض المسرحي مجال اهتمامك الأول مع انها يمكن أن تأخذ عموميتها في كل مجالات الإبداع الأخرى إضافة إلى انك لم تبتكر أهمية اللحظة والغرائبية في العمل الإبداعي قبلك برشت وهيغل وتشرنيشفسكي وعالم الجمال بومجارتن وغيرهم ، هل الغرائبية عندك تقترب منهم أم تحمل مدلولها اللغوي القاموسي. naje kashee: برتولد بر يخت وجد أن من المناسب له ـ وهو يقدم مسرحا جديدا ــ أن يخالف أرسطو وان يخالف قسطنطين ستانسلافسكي مخالفة قائمة على الخلاف الفكري الذي حتم بدوره مخالفة تقنية فالتغريب الذي جاء به بريخت هو نزوع نحو الخلاص من التقمص ولبس الممثل لجلد الدور المقدم وهكذا فان المصطلح أصبح نزوعا للمشاهد أيضا لكي لا يبقى أسيرا ومنقادا للجو العام الذي تقدمه المسرحية والتغريب كما تعرف مأخوذ ــ كمصطلح ــ من الفكر السياسي الماركسي في معرض دراسته لتقلبات الطبقة العاملة والذوبان اللاشعوري للعامل في عملية الإنتاج واندماجه مع آلية التغريب لا يعدو أن يكون مصطلحا تقليديا سياسيا فلسفيا وان استخدامه من قبل بريخت جاء كمعالجة وتكريم لقدرات العقلية واحتراما لايدولوجيا بعينها ، أما الغرائبية التي جئت بها في كتابي وفي طروحاتي العديدة فإنها تختلف تمام الاختلاف عن التغريب ، فالغرائبية ليست قائمة أو منبعثة من الواقع المحيط أو من فكر أيدلوجي أو اسلوب بعينه إنها نقطة الاختلاف والمنعطف الذي تقف عليه القضية الخلافية في المسرح الغرائبي ذلك ان الغرائبية كمصطلح هي مخالفة المنطق اليومي التقليدي للوقائع والأشياء ومخالفة القوانين الفيزياوية ومقاطعة التراكمات التاريخية والقبليات التي اعتادتها الذات الانسانيه ومن هنا نجد الفرق الكبير بين تغريب بريخت وغرائبية كاشي الغرائبية تحاول أن تجد لها منفذا للدخول إلى عالم هو غير العالم الذي اعتاد المشاهد عليه أولا وان تخلق عوالم جديدة يوتوبية قائمة على فكرة النفي ألقصدي لكل ما علق بالذات الإنسانية والاعتماد على آلية الاصطدام بدلا من الصراع . balasimalthahy: أنا سعيد جدا بلقائك كنت أتمنى أن يكون هذا اللقاء الحميم لقاء مباشرا ومشافهة لا مكاتبة أعدك باني سأظل احبك أخا وصديقا أتشرف بمحبته naje kashee: فرح هذا ليوم لأني تحدثت معك أيها الصديق الرائع والمثقف المرموق واعدك باني سأتصل بك باستمرار هناك موضوعات لي في الحوار المتمدن يمكنك الاطلاع عليها شكرا لما قدمته لي من ملاحظات عن المحاورة naje kashee: تقبل تحياتي وسلامي للعائلة الكريمة والى لقاء آخر balasimalthahy: إلى اللقاء الذي أتمناه أن يستمر سلامي للعائلة التي لم نتحدث عنها لضيق الوقت لنا لقاءات أخرى إذا تفضلتم بها علينا وتصبح على خير naje kashee: تصبح على خير وشكرا لك

عام قاس بعد رحيل الفنان عباس محسن الأموي

محمد الأحمد لم استطع أن أرثيك يومها، لأنه كان موسما قد تساقطت فيه الحمم، القاسية المتلاحقة من كل حدب وصوب، فخسرت فيه معظم الأشجار الباسقة من بستان عمري، وخلفت في عمقي راسبا تكلس جبلا في دمي وما عاد الدم في دما؛ كذلك الوقت فلا عدت من هزيمتي منتصرا. رأيت العراق كله فيك فالوطن ثلة أصدقاء، وقد تلقفته أمواج أبناء الفعلة الغرباء اغتيالا، صيدا ثمينا، تهجيرا، تفتيتاً، تمثيلاً، ليعود الهيكل البشري العراقي بلا جثة، مثخن الجراح. فعاد وطننا بلا وطن، وأصدقائنا الغرّ الميامين بلا موطئ قدم، يحملون الجرح هوية، ويندبون أيامهم مرير البكاء.فكان علي أن اكتم حزني عليك طوال ذلك العام، لأننا سويا قد انهينا كتباً متميزة بما كنا نخترقه بالبصيرة، ما كانت لتقرأ، إلا بالتحدي والصبر الجميل، وشاهدنا أفلاما طويلة جدا، ما كانت لتشاهد إلا بالإصرار وانتظارا للموسم الجميل. غير آبهين بالممنوع أو المسموح، فالسنين التي مشيناها معا انفرطت كما سنبلة، أو انكسرت كقدح من خزف، وصارت أيامي القادمة، دونك، ينقصها الكثير من الحماس، وقليل من الصبر، وما عاد الموت إلا قريبا يطلّ علي من الطرقات، ويظلل بامتداد سوداوي كل حبات المطر، حيث يطاردني بين السطور، التي ارتجها في كل جهشة عليك، وما عادت الأنفاس القديمة كما عهدتها عندي، ف(فيدرك فليني) صاحب أطول اللقطات الفنية إبداعا ما عاد يمسك لحظته الهاربة كما كان يحصل إذ مات هو الأخر ويحلم بتصميم كاميرا لها زاوية 380درجة. كذلك المخرج العبقري (كابولا ) من أكثرهم تجربة في إقناع المشاهد بان فليمه معقول على الرغم من عدم معقولية الواقع، ولأنني أتأمل منك أن تقرأني كنت أؤكد ما قاله رينيه ديكارت (1650-1596) بشكل لا يمكننا تغيره (أنا أفكر إذن أنا موجود)، فالفكرة نتاج عقل ووليدة وجود، فلا يمكن أن توجد فكرة خالدة ما لم تولد من فكرة مدونة استند عليها العقل وتطورت، حيث أفكار الإنسان وحدها التي صارت المدونة هي التي تتواصل بالعطاء وتنير للإنسانية الكيفية للاستدلال إلى الفكرة الحية، والفكرة وليدة الفكرة، فهذا التراث الإنساني وهذه الكتب التي تحوطنا من كل اتجاه ما هي إلا نتاج عقول وليس عقل واحد، والفكرة الراسخة تدحض الفكرة الهشة، وتحل محلها، تفرض ثقلها على متلقيها وتدخل في مناهج الدراسة لتكون ملكة بشرية تولد منها الأفكار الأخرى أو هي تقوم الأفكار الجديدة، والفكرة الميتة تنسى، و تهمل لأنها مبتعدة عن فعاليتها في الثبات، وهي لا تجد من يؤمن بها، وقد ارتبط التفكير المنطقي بالوجود الإنساني وما يخلفه العقل البشري هو ثباته الراسخ، وأثره العميق، ولم نكن يومها نعرف بان الإنسان يصرع الإنسان من اجل فرض المنهج، كما مرّ من سابق الأزمان فكان علي أن أعود إلى موطننا (بعقوبة) لأشاهد بقية ما بقي من المدينة التي احتضنت نهرها (ديالى) العظيم، وبقيت بحيرة أشباح يعلوها الآسن، فأين خطوتك معي يا بن أكثر من أب وأم، واقرب من صديق.. جعلونا مفترقين عند مشارف الأربعين، وجها لوجه، وقلبا لقلب، ولكن في ذاكرة واحدة؛ أمر بجدول (خريسان)، وسطور كتابتي عنك تدوي في ذهني، تضرب كقرع طبول مجنونة، أما يكفي من خراب كنت اشعر به، ومعك أراه، أما يكفي من حزن بغيض جعلنا نخاف من هويتنا على هويتنا، (يحتل مساحات الأبيض.. جمر شرس، وعواصف سود، ورماد.. لكن الشجر الهارب من اسر اللون يعود إلى الأرض، ويزهر في طرقات الليل- فوضى في غير أوانها ) فالعراقي الكائن الوحيد في هذا العالم صار يخاف من بطاقة هويته، ويخاف من كينونته، آو انتمائه، فما عاد الفخر عراقيا ولكن عاد الفخر كيف ينجو من الموت بأعجوبة، رأيت عمرانها المحدودة قد تهدمت، وشوارعها قد تحفرت، حيث يمشي فيها الذعر والفزع، كأساطير المقابر، ويصفر صفير الموت مدويا إذ داستها سنابك خيول الأوباش، كما رأيت عربات نقل تعتمد الحمار بدلا من الماكينة، والحمار بصوت كريه يسود الأمكنة، ويوزع روثه في الأمكنة على الرغم من سياط سائسه. كنت اغني لك ما كنت تحب، وأسألك عن أول فليم (ملون) وأول كليب غنائي، بينما انا امسك هاتفي النقال لا أريد أن امسح رقم هاتفك النقال، لأني واثق كل الثقة باني لو طلبتك فانك تحدثني بما أتمنى أن تحدثني به، (رهائن تشرى وتباع في سوق الخرافات.. سبايا في حريم الشرق.. موتى غيرُ أموات.. يعشن، يمتنّ في جوف الزجاجات صديقاتي.. طيور في مغائرها تموتُ بغير أصوات- قباني) اليوم أمر في مدينتنا (بعقوبة) الجريحة بعراقيتها، وأنا احمل كتابا إليك، أعود به بطيته حيث تجدني أقول لك؛ لا احد غيرك يريده مني، وما عاد (الفليم) الذي كنا نراه سويا يشدني لأني أتذكرك تسرد لي سيرة هذا المخرج واهم أفلامه، وتعرفني بالممثل الأفضل منه، وما عاد الهم هما في اللغة، لأني ما كنت اسمع المفردة، كما أنت تسمعها فأنت تعرف الله وتعرف لهجات أهل خليقته، وما كنت إلا سماعا جيدا لتنهدة الهدهد، وكنت بضحكتك تلفتني إلى ما رمى إليه (غابريال ماركيز) عندما ربط رائحة المني برائحة اللوز، وخيبة الغراميات الفاشلة، فالزمان اليوم غير زماننا، والنهار اليوم غير نهارنا، لان أطفال البارحة يحكمون قبضتهم على المسدسات الفارهة ويصطادون بها الهوية العراقية كيفما تكون، (ليست الهوية الوعي وحده، وإنما كذلك اللاوعي. وليست المعلن وحده، وإنما هي أيضاً المكبوت المسكوتُ عنه وليست المتحقق وحده، وإنما هي كذلك المشروع الآخذ في التحقق، وليس المتواصل وحده، بل المتقطع أيضاً، وليس الواضح وحده، بل الغامض أيضاً- أدونيس).. صار اليوم يطول بالخوف، وبالفقدان، وما عبس إلا لأجل أن يتولى وتضحك لان اليوم الجميل لا يطول، فتلك الرصاصات الثلاثة التي خرقت صدرك ومعدتك، فإنها ما كانت لتقصد فيك انك تجيد اللغة الانكليزية، وأنك تعلمت جيدا الإخراج (من أكاديمية الفنون الجميلة)، وقرأت جيدا من مكتبتي مئات الكتب، واستوعبت درس التذوق والتطور، إلا كونك بعضا من العراق، فكان علي أن ابكي كل بكائي، فارشاً نهري على هذه الأمكنة التي وقفنا إليها، صديقان حميمان، يتجادلان في الأفلام، والأحلام، والأوهام.. فالفرق يا (عباس الأموي) باني كتمت البكاء، وانشغلت بالفقدان، فكيف سأحتوي مساحته؟، وكيف امضي وحيدا بين أكوام تلك الكتب التي قراناها، أو قرأتنا.. فقد مضى عام على أن يكون العمر أكثر ضيقا، وعلى الجملة أكثر انحسارا، فأمسيت على قصتي التي تحدث معك، أكثر قلقا، يومها لم اصدق، حيث مشيت كفارس لا يعرف أين يمضي به الفرس الجريح، والطعنات غير المكتشفة من تحت الدرع الحصين، وكنت كمن يرى فليماً مقبس عن كابوس، سوف تتغير نهايته في النهاية. فهذه المدينة التي أخذتك مني، او أخذتك من ابنتيك الحلوتين، وسافرت بك إلى ما لا تريد. بعمق ما يعكسه من إيمان بفكرة انك توفيت، وما كانت (فرجينا وولف) ترجوني أن اكتب لها عن امرأة هي تراها رجلا، وكنت أنا أراك تبوح بسرّ تكتمه الأيام، فما من وقت يكشف الرداءة إلا كتابة راقية تفضح تناقض التناقض، وما كنا يوما لنقرا صمتنا فإننا نقرا سويا جرحنا، ونقرا نواقيس الذكريات لغيرنا. وأعجبتنا رواية السفينة (تيتانيك) التي أبحرت في الأستوديو عميقا، من ان تلامس مياه المحيط، كما أعجبتنا وجوه ملائكية لأغلب الفنانات، وصار عندنا مقياس الجمال الواقعي، فالفيلم يتكامل لبنة فوق الأخرى، وكل اختيار فيه محسوب مدروس من بعد أن اخذ من رأس المؤسسة التي تدعمه كامل الدعم، وكم كان حملك على حلم بقي ثقيلا بأن تخرج فليما كل رأس ماله كاميرا (ديجتال)، لكن ذلك كان يتطلب القبض على فكرة قصة قوية، تسحب المشاهد إلى البعد عن مواطن ضعف الأداة، وكم كنت تحب حبي للموسيقى كونك تساندني الرأي بان أية مقطوعة موسيقية، سوف يتغير اسمها الحقيقي إلى اسم الفيلم الذي يستخدمها، وكان مقطوعة (رميو وجوليت) التي نعشق قد تحولت إلى اسم فليم (العراب)، كنت تقول بان الأفلام (الاكشن)، تبقى خالدة لانها تاريخ استيديوهات، وكنت أقول بان الأفلام الروائية طرقاً جديدة للقراءة، لذلك نجحت سيناريوهات (نجيب محفوظ) نجاحا منقطع النظير، فالرجل (كالدويل) قال سمها تجربة، مبتعدا عن صورة الموت الذي كان يراه الفنان في شبابه، فالموت الذي تحدث عنه (ستيفن ديدالوس) بصوت (جويس) كانت حكاية أخرى لم تكشفها الكتب العربية، لأنها اعتمدت ترجمة رديئة سريعة خسرت المعنى وربحت التجارة، كنا نحس بأننا سقطنا بين أيدي المترجمين، وكان علينا أن نفك أسرنا بالتعلم، فالمثقف هو من يفرض الفكرة ويدافع عنها بموضوعية حاجة الإنسانية إليها جمعاء، ويثبت وجودها بين كم الأفكار الإنسانية الهائلة، المدونة عبر تاريخ البشرية جمعاء إذ تراكمت الأفكار واحتدمت النزاعات حول المصالح، لأنها وليدة رؤية عميقة مستنتجة تعبر عن وجود إنسان ابتكر وطور من جيل إلى جيل أفكاره وأحلامه، وقد تواصل العطاء بالعطاء عندما تطورت الفكرة بالفكرة وتواصلت، وصقلتها التجارب الإنسانية، (سبق للكنيسة الكاثوليكية أن ارتكبت خطأ جسيماً بحق غاليلو عندما وضعت قانونا علميا أعلنت فيه إن الشمس تدور حول الأرض- ستيفن هوكنغ )، ومضت الأيام بالأيام تسألني ماذا ستكتب عن صديقك الحميم (عباس الأموي)، وكل يوم بألف تذكر، وأنا أسألك: كنت تحب القصة يا بن خالتي، ودائما تحدثني عن قصص لا تنجز، وتدفعني لأكتب قصصا تنجز، فكان الفرق بين قصصي وقصصك بان لا أجد وقتا لقراءتها وأنت لا تجد وقتا لكتابتها، الموت بين السطور، وبين الأيام، وما من يوم تنشر رائحة الموت فيه إلا لتلك الجثث التي تناثرت في أكثر الشوارع نتانة. فـ(لكل شكل من أشكال المادة جسيم يشابهه مضادا له، وعند تصادم جسيم مع ضده يفني بعضهما بعضا، ويخلفا طاقة). كان ذلك اليوم الذي مات فيه صديق طفولتي، غائما الى حدّ اللعنة، نقله شقيقه (احمد) إلى مشفى المدينة العام، كأنه يختار بعناية فائقة المقطع الأخير من سيرة حياته غير الحافلة بالسعادة، وهو غارق في نزيف لم ينقطع بعد، إذ بقي يوصي العم ببنتيه الحلوتين.

بعقوبيـون baqobiuon: اتحاد الشعراء الشعبيين في ديالى ينعى الشاعر محمد الغريب